لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ویراست
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
لَا يُحْصِي إِلَّا بِكُلْفَةٍ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦]، ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك: ١٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات: ٥٨] «وَلَيْسَ» يُوجَدُ «مَخْلُوقٌ» مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَيَبْقَى «بِغَيْرِ رِزْقٍ» فَظَهَرَ فَسَادُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَسَّمَ بَيْنَ الْخَلْقِ مَعَايِشَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَرَامَ مَعِيشَةٌ لِبَعْضِ الْأَنَامِ، وَاللَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ «وَمَنْ يَمُتْ» مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ «بِقَتْلِهِ» مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ «مِنَ الْبَشَرِ» مُحَرَّكَةٌ: الْإِنْسَانُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا، وَقَدْ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ أَبْشَارًا وَقَدَّمَهُ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِأَحْوَالِهِ ; وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ: «أَوْ غَيْرِهِ» مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا قُتِلَ مِنْهَا لَيْسَ كَذَلِكَ «فَـ» مَوْتُهُ «بِالْقَضَاءِ» أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ لُغَةً: الْحُكْمُ، وَعُرْفًا: إِرَادَةُ اللَّهِ الْأَزَلِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَزَالُ «وَالْقَدَرِ» بِتَحَرِّيكِ الدَّالِّ وَتُسَكَّنُ، مَصْدَرُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ بِفَتْحِ الدَّالِّ، مُخَفَّفَةً؛ إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ، وَ" أَلْ " فِيهِ وَفِي الْقَضَاءِ عِوَضٌ عَنْ مُضَافٍ إِلَيْهِ، أَيْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِذَلِكَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ: تَحْدِيدُهُ - تَعَالَى - أَزَلًا كُلَّ مَخْلُوقٍ بِحَدِّهِ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ، وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَمَا يَحْوِيهِ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ وَعِصْيَانٍ وَثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَغُفْرَانٍ.
وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ: إِيجَادُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْأَشْيَاءَ عَلَى قَدَرٍ مَخْصُوصٍ، وَتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ فِي ذَوَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا، طِبْقَ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ وَجَرْي بِهِ الْقَلَمُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ، ﵀ تَعَالَى -: قَدْ يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْقَدَرِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَالْقَضَاءُ مَعْنَى الْإِجْبَارِ وَالْقَهْرِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ ﷺ: " «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» " مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَاكْتِسَابِهِمْ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ - تَعَالَى -، وَخَلْقٍ لَهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، قَالَ: وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ كَالْهَدْمِ، وَالنَّشْرِ، وَالْقَبْضِ، أَسْمَاءٌ لِمَا صَدَرَ عَنْ فِعْلِ الْهَادِمِ، وَالنَّاشِرِ، وَالْقَابِضِ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ، وَقَدَّرْتُ خَفِيفَةً وَثَقِيلَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَالْقَضَاءُ مَعْنَاهُ فِي هَذَا - الْخَلْقُ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -:
1 / 345