لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ویراست
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
أَفْعَالُهُ - تَعَالَى - لَا تُشْبِهُ أَفْعَالَ خَلْقِهِ، وَلَا صِفَاتُهُ صِفَاتِهِمْ، وَلَا ذَاتُهُ ذَوَاتِهِمْ، إِذْ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] . وَأَيْضًا يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - إِذَا بَلَغَ مِنَ الْأَطْفَالِ يَخْتَارُ الْإِيمَانَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ - أَنْ لَا يُمِيتَهُ طِفْلًا، فَإِنَّ الْأَصْلَحَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُحْيِيَهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْمِنَ وَيَعْمَلَ صَالِحًا، فَيَنَالَ بِذَلِكُمُ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةَ، وَهَذَا مَا لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ، وَأَيْضًا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي مَقْدُورِ اللَّهِ - تَعَالَى - لُطْفٌ لَوْ فَعَلَهُ - تَعَالَى - بِالْكُفَّارِ لَآمَنُوا، وَقَدِ الْتَزَمَهُ الْمُعْتَزِلَةُ الْقَدَرِيَّةُ، وَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَفْعَلَ فِي حَقِّ كُلِّ عَبْدٍ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ، فَلَوْ كَانَ فِي مَقْدُورِهِ مَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ عِنْدَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِهِ، وَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ وَيُكَذِّبُهُ وَيُخْبِرُ ﷾ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا.
وَأَيْضًا يَلْزَمُهُمْ - وَقَدِ الْتَزَمُوهُ - أَنَّ لُطْفَهُ - تَعَالَى - وَنِعْمَتَهُ وَتَوْفِيقَهُ بِالْمُؤْمِنِ كَلُطْفِهِ بِالْكَافِرِ، وَأَنَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ، لَمْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنَ بِفَضْلٍ عَنِ الْكَافِرِ، وَكَفَى بِالْوَحْيِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَفِطْرَةِ اللَّهِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ رَدًّا لِهَذَا الْقَوْلِ وَتَكْذِيبًا لَهُ. وَأَيْضًا مَا مِنْ أَصْلَحَ إِلَّا وَفَوْقَهُ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّلَاحِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ يَجِبُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ إِذْ لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَلَا يُمْكِنُ فِي الْفِعْلِ رِعَايَتُهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ، فَإِنَّهُ - تَعَالَى - خَلَقَ الْكَافِرَ الْفَقِيرَ الْمُعَذَّبَ فِي الدُّنْيَا بِالْأَسْقَامِ، وَالْآلَامِ، وَالْمِحَنِ، وَالْآفَاتِ مَعَ الْكُفْرِ، وَالْهَفَوَاتِ، وَكَيْفَ يَنْهَضُ لَهُمْ دَلِيلٌ وَخُلُودُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ لَيْسَ بِأَصْلَحَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
تَنْبِيهٌ:
مَذْهَبُ الْقَوْلِ بِالصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ مَبْنِيٌّ فِيمَا قَالَهُ مُتَكَلِّمُو الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: تَحْسِينُ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحُهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. الثَّانِيَةُ: اسْتِلْزَامُ الْأَمْرِ لِلْإِرَادَةِ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ أَسْلَفْتَ عَنْ أَسْلَافِكَ مِثْلَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَتِلْمِيذِهِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْقَيِّمِ وَغَيْرِهِمَا - الْمَيْلَ، وَالِاسْتِدْلَالَ لِإِثْبَاتِ التَّعْلِيلِ وَالْحِكْمَةِ فِي الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الْقَوْلِ بِالصَّلَاحِ
1 / 332