لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ ﵃ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْعَوَامَّ وَأَجْلَافَ الْعَرَبِ يَعْلَمُونَ الْأَدِلَّةَ إِجْمَالًا، كَمَا أَجَابَ بِهِ الْأَعْرَابِيُّ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ دَلِيلِ سُؤَالِهِ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ، وَآثَرُ الْأَقْدَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ.
فَلِذَلِكَ لَمْ يُلْزِمُوهُمْ بِالنَّظَرِ، وَلَا سَأَلُوهُمْ عَنْهُ، وَلَا أَرْجَئُوا أَمْرَهُمْ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنِ اكْتِفَاؤُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّظَرِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَلَا عَلَى أَنَّ تَارِكَهُ غَيْرُ آثِمٍ. فَالْجَوَابُ: مَا ذَكَرُوهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَحِكَايَةُ الْأَعْرَابِيِّ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَجْلَافِ وَالْعَوَامِّ كَانُوا عَالِمِينَ بِالْأَدِلَّةِ إِجْمَالًا، فَإِنَّ الْمِثَالَ الْجُزْئِيَّ لَا يُصَحِّحُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ، وَالْعُقُولُ مُخْتَلِفَةُ الْأَمْزِجَةِ مُتَفَاوِتَةٌ أَشَدَّ تَفَاوُتٍ، فَوُجُودُ فَرْدٍ مِنَ الْأَعْرَابِ قَوِيِّ الْعَقْلِ نَافِذِ الْبَصِيرَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْأَعْرَابِ وَالْأَجْلَافِ كَذَلِكَ بِلَا خَفَاءٍ.
وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ مِنَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي عَهْدِهِمْ كَانُوا يَكُونُونَ عَجَمًا وَنِسَاءً، وَقَبِلُوا مِنْهُمُ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِالنَّظَرِ وَلَمْ يُرْجِئُوهُمْ، أَيْضًا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ قُرَيْشٍ يُجَادِلُونَ وَيُنَاضِلُونَ عَنْ آلِهَتِهِمْ، وَ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: ٣٥]، وَقَالُوا ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، وَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَصَنَادِيدِهِمْ، يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ. فَمِثْلُ هَذَا الْمُصَمِّمِ عَلَى الشِّرْكِ الْمُتَعَجِّبِ مَعَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ أَسْلَمَ تَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ، كَيْفَ كَانَ ﷺ (يَرَى) أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ يَعْلَمُ دَلِيلًا إِجْمَالِيًّا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ لَمْ يَسْمَعُوا، وَلَمْ يَعْلَمُوا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا الشِّرْكَ الْمُصَمَّمَ، وَالْكُفْرَ الصُّرَاحَ، وَالِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ. هَذَا مِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ.
[التنبيه الثاني التقليد الصحيح محصل للعلم]
(الثَّانِي) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّقْلِيدَ الصَّحِيحَ مُحَصِّلٌ لِلْعِلْمِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ تَقْلِيدًا صَحِيحًا لَا يُصَدِّقُ بِمَا أُلْقِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَقَائِدِ إِلَّا بَعْدَ انْكِشَافِ صِدْقِهَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ
1 / 272