لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالْوَاجِبُ تَلَقِّي عِلْمِ ذَلِكَ مِنَ النُّبُوَّاتِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ بِذَلِكَ، وَأَنْصَحُ لِلْأُمَّةِ، وَأَفْصَحُ مِنْ غَيْرِهِ عِبَارَةً وَبَيَانًا، بَلْ هُوَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِذَلِكَ، وَأَنْصَحُ الْخَلْقِ لِلْأُمَّةِ وَأَفْصَحِهِمْ، فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ ﷺ كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِذَا كَمُلَ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ كَمُلَ كَلَامُهُ وَفِعْلُهُ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ إِمَّا مِنْ نَقْصِ عِلْمِهِ، وَإِمَّا مَنْ عَجْزِهِ عَنْ بَيَانِ عَلَمِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ إِرَادَةِ الْبَيَانِ وَالرَّسُولِ ﷺ هُوَ الْغَايَةُ فِي كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْغَايَةُ فِي إِرَادَةِ كَمَالِ الْبَلَاغِ الْمُبَيَّنِ وَالْغَايَةُ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَلَاغِ، وَمَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ، يَجِبُ وُجُودُ الْمُرَادِ، فَعُلِمَ قَطْعًا أَنَّ مَا بَيَّنَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ حَصَلَ بِهِ مُرَادُهُ مِنَ الْبَيَانِ وَأَنَّ مَا أَرَادَهُ مِنَ الْبَيَانِ هُوَ الْمُطَابِقُ لِعِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ بِذَلِكَ هُوَ أَكْمَلُ الْعُلُومِ، فَكُلُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَ الرَّسُولِ ﷺ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْهُ فَهُوَ مِنَ الْمُلْحِدِينَ، لَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةُ ﵃ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ السَّلَفِ، هُمْ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ دُونَ سِوَاهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مَا لَعَلَّهُ يَشْفِي وَيَكْفِي.
[التنبيه الثاني قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ورد كلامهم]
(الثَّانِي) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: أَنَّ الْعَرَبَ تَنْسِبُ الْفِعْلَ إِلَى مَنْ أَمَرَ بِهِ، كَمَا تَنْسِبُهُ إِلَى مَنْ فَعَلَهُ وَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، قَالُوا: وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ مَلَكًا بِالنُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُنَادِي بِأَمْرٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ قَوْلَهُ وَيَنْزِلُ رَاجِعٌ إِلَى أَفْعَالِهِ لَا إِلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِنَّ النُّزُولَ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَادِ يَكُونُ فِي الْمَعَانِي، أَوْ رَاجِعٌ إِلَى الْمَلَكِ الَّذِي يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ تَعَالَى، فَإِنْ حُمِلَ النُّزُولُ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى الْجِسْمِ فَتِلْكَ صِفَةُ الْمَلَكِ الْمَبْعُوثِ بِذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ فَعَلَ سُمِّيَ ذَلِكَ نُزُولًا عَنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، إِمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ يَنْزِلُ أَمْرُهُ أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ، وَإِمَّا أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى التَّلَطُّفِ بِالدَّاعِينَ وَالْإِجَابَةِ لَهُمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ نَزَلَ الْبَائِعُ فِي سِلْعَتِهِ إِذَا قَارَبَ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ مَا بَاعَدَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهَا بَعْدَ مَنْعِهِ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَقْرَبُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُقْبِلُ عَلَيْهِمْ بِالتَّحَنُّنِ وَالْعَطْفِ فِي هَذَا
1 / 248