226

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۴۰۲ ه.ق

محل انتشار

دمشق

الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَنِ الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ، فَإِذَا كَانَ إِثْبَاتُ الذَّاتِ وُجُودًا لَا إِثْبَاتَ تَكْيِيفٍ، فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَقَالُوا: إِنَّا لَا نَلْتَفِتُ فِي ذَلِكَ إِلَى تَأْوِيلٍ لَسْنَا مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ، لَا بِالْقَطْعِ وَالْيَقِينِ، فَلَا نَبْنِي اعْتِقَادَنَا عَلَيْهِ، وَلَا نَرْجِعُ عَنِ النَّصِّ الثَّابِتِ إِلَيْهِ
فَإِنَّ هَذَا عِنْدَ السَّلَفِ مَذْمُومٌ وَنَاهِجُ هَذَا الْمَنْهَجِ مَعِيبٌ مَلُومٌ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: صِفَاتُ الرَّبِّ تَعَالَى مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَالثُّبُوتِ، غَيْرُ مَعْقُولَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّكْيِيفِ وَالتَّحْدِيدِ، فَالْمُؤْمِنُ مُبْصِرٌ بِهَا مِنْ وَجْهٍ أَعْمَى مِنْ وَجْهٍ، مُبْصِرٌ مِنْ حَيْثُ الْإِثْبَاتِ وَالْوُجُودِ، أَعْمَى مِنْ حَيْثُ التَّكْيِيفِ وَالتَّحْدِيدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧]- ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]- ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٩]- ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ»، وَفِي آخَرَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ»، وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ.
قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ، فَأَمَّا كَوْنُهُ صِفَةَ اللَّهِ فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَجُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: الْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ ﷿، كَمَا قَالَ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧] .
وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: قَدْ تُذْكَرُ صِفَةُ الشَّيْءِ وَيُرَادُ بِهَا الْمَوْصُوفُ تَوَسُّعًا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ رَأَيْتُ عِلْمَ فُلَانٍ، وَنَظَرْتُ إِلَى عِلْمِهِ، وَالْمُرَادُ نَظَرْتُ إِلَى الْعَالِمِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْحُذَّاقُ: الْوَجْهُ رَاجِعٌ إِلَى الْوُجُودِ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ بِالْوُجُوهِ مِنْ مَجَازِ الْكَلَامِ، إِذَا كَانَ الْوَجْهُ أَظْهَرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْمُشَاهَدَةِ.
وَمَذْهَبُ السَّلَفِ الْأُوَلِ، وَالرَّعِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ فَتُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ. وَيُبْطِلُ مَذْهَبَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْخَطَابِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧] فَأَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ (ذُو الْجَلَالِ) وَلَوْ كَانَ ذَكَرَ الْوَجْهَ وَلَمْ يَكُنْ صِفَةً لِلذَّاتِ لَقَالَ ذِي الْجَلَالِ، فَلَمَّا قَالَ ذُو الْجَلَالِ عَلِمْنَا أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْوَجْهِ صِفَةٌ لِلذَّاتِ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَدْ ثَبَتَ فِي الْخِطَابِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْوَجْهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وَقَعَ مِنَ

1 / 226