لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ إِرَادَةُ اللُّطْفِ بِهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَمَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ هِيَ مَحَبَّةُ طَاعَتِهِ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ، فَمَعْنَى يُحِبُّ اللَّهَ أَيْ يُحِبُّ طَاعَتَهُ وَخِدْمَتَهُ أَوْ يُحِبُّ ثَوَابَهُ وَإِحْسَانَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ.
قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الْأُصُولِيُّ الطَّوْفَيُّ الْحَنْبَلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهِ تَعَالَى - ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ، وَإِنَّمَا مَحَبَّتُهُ مَحَبَّةُ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَقَالُوا أَيْضًا: هُوَ لَا يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا مَحَبَّتُهُ إِرَادَتُهُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ: وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، وَجَمِيعُ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ وَيُحَبُّ لِذَاتِهِ، وَأَمَّا حُبُّ ثَوَابِهِ فَدَرَجَةٌ نَازِلَةٌ.
وَهَذَا كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا): أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ وَيُحَبُّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَيُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا قَوْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، وَقَوْلُ أَئِمَّةِ شُيُوخِ الْمَعْرِفَةِ.
(وَالْقَوْلُ الثَّانِي): أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحِبَّ لَكِنَّهُ لَا يُحِبُّ إِلَّا بِمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الصُّوفِيَّةِ.
(وَالثَّالِثُ): أَنَّهُ لَا يُحِبُّ وَلَا يُحَبُّ، وَإِنَّمَا مَحَبَّةُ الْعِبَادِ لَهُ إِرَادَاتُهُمْ طَاعَتَهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَتْهُمْ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَهْلِ الْكَلَامِ كَالرَّازِيِّ.
فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ وَغَضَبَهُ وَرِضَاهُ وَنَحْوَهَا وَأَثْبَتَ لَهُ الْإِرَادَةَ: لِمَ نَفَيْتَ تِلْكَ وَأَثْبَتَّ لَهُ الْإِرَادَةَ؟ فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّ إِثْبَاتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَشْبِيهٌ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ تَلْحَقُ الْمَخْلُوقَ، وَالْغَضَبَ غَلَيَانُ الدَّمِ لِإِرَادَةِ الِانْتِقَامِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ يَقُولُ لَكَ مُنَازِعُكَ فِي الْإِرَادَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ مَيْلُ الْإِنْسَانِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ، وَدَفْعُ، مَا يَضُرُّهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ لَا يَبْلُغُونَ ضَرَّهُ وَلَا نَفْعَهُ، بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ
فَإِنْ قِيلَ الْإِرَادَةُ الَّتِي نُثْبِتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ إِرَادَةِ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا أَنَّا قَدِ اتَّفَقْنَا، وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ الْعُلَمَاءِ الْقَادِرِينَ، قَالَ لَكَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ: وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَنَحْوُهُمَا الَّتِي نُثْبِتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ رَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ
1 / 222