لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
قَالَ: وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ﵁ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغَيْرِ عِنْدَهُمْ يَحْتَمِلُ هَذَا وَهَذَا، وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ لَا يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ صِفَاتَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ، وَلَا أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهُ، فَلَا يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَلَا يَقُولُونَ لَيْسَ غَيْرَ اللَّهِ، بَلْ يَسْتَفْسِرُونَ الْقَائِلَ عَنْ مُرَادِهِ فَقَدْ يُرِيدُ الْأَوَّلَ وَقَدْ يُرِيدُ الثَّانِيَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ حُذَّاقِ النُّظَّارِ، فَإِنْ أَرَادَ الِاصْطِلَاحَ الثَّانِيَ فَجُزْءُ الشَّيْءِ اللَّازِمِ وَصِفَتُهُ اللَّازِمَةُ لَيْسَ بِغَيْرٍ لَهُ، فَلَا يَكُونُ ثُبُوتُهُ مُوجِبًا لِافْتِقَارِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِالْأَوَّلِ فَثُبُوتُ الْغَيْرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ خَالِقٌ، وَالْعِلْمُ بِعِلْمِهِ، وَالْعِلْمُ بِإِرَادَتِهِ، وَهُمْ يُفَسِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَالْعِنَايَةِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي أَغْيَارٌ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ، وَثُبُوتُهَا لَازِمٌ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَإِذَا كَانَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَغْيَارِ لَازِمًا لَهُ لَمْ يَجُزِ الْقَوْلُ بِنَفْيِهَا لِأَنَّ نَفْيَهَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وَاجِبِ الْوُجُودِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَإِنَّ سُمِّيَ تَرْكِيبًا فَلَيْسَ مُنَافِيًا لِوُجُوبِ الْوُجُودِ فَإِذَا قِيلَ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ قِيلَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرٍ يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ لَهُ أَمْ إِلَى غَيْرٍ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ؟ فَالْأَوَّلُ حَقٌّ، وَأَمَّا الثَّانِي إِذَا أُرِيدَ بِالِافْتِقَارِ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَمَمْنُوعٌ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ - فِي كِتَابِهِ (الْجَوَابُ الصَّحِيحُ لِمَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ) مَا مُلَخَّصُهُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ صِفَةٍ لِلرَّبِّ ﷿ غَيْرُ الْأُخْرَى، وَيَقُولُ الْغَيْرَانُ مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْجَهْلِ بِالْآخَرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ غَيْرَ الْأُخْرَى وَلَا هِيَ هِيَ، لِأَنَّ الْغَيْرَيْنِ مَا جَازَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْآخَرِ أَوْ مَا جَازَ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ وُجُودٍ.
قَالَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إِذَا قِيلَ لَهُمْ: عِلْمُ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ، هَلْ هُوَ غَيْرُ اللَّهِ أَمْ لَا؟ لَمْ يُطْلِقُوا النَّفْيَ وَلَا الْإِثْبَاتَ؛ فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: هُوَ غَيْرُهُ أَوْهَمَ أَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ، وَإِذَا قِيلَ: لَيْسَ غَيْرَهُ أَوْهَمَ أَنَّهُ هُوَ، بَلْ يَسْتَفْصِلُ السَّائِلُ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرَهُ أَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَصِفَاتُ الْمَوْصُوفِ لَا تَكُونُ مُبَايِنَةً لَهُ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا فَكَيْفَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ؟ وَإِنْ أَرَادَ بِالْغَيْرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ هُوَ فَلَيْسَتِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَهِيَ غَيْرُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَاسْمُ
1 / 218