لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ویراست
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
وَأَنَّهُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ، مُسْتَوٍ عَلَيْهِ، لَا مُسْتَوْلٍ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَشْفِ: وَأَمَّا هَذِهِ الصِّفَةُ - يَعْنِي الْقَوْلَ بِالْجِهَةِ - فَلَمْ تَزَلْ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ يُثْبِتُونَهَا حَتَّى نَفَتْهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَمُتَأَخِّرُو الْأَشَاعِرَةِ كَأَبِي الْمَعَالِي، وَمَنِ اقْتَدَى بِقَوْلِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْجِهَةِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَعَقْلًا - إِلَخْ كَلَامُهُ.
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ. عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي كِتَابِهِ (الْإِبَانَةِ) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وَقَالَ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، وَقَالَ: ﴿لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص: ٣٨] كَذَّبَ مُوسَى فِي قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. وَقَالَ: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك: ١٦] فَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ فَلَمَّا كَانَ الْعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَكَانَ كُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ قَالَ (﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك: ١٦] وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ.
قَالَ: وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِذَا دَعَوْا إِلَى نَحْوِ السَّمَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ نَحْوَ الْعَرْشِ.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ: إِنَّ مَعْنَى اسْتَوَى اسْتَوْلَى عَلَى الْعَرْشِ، وَمَلَكَ وَقَهَرَ، وَأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ، فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا: كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْأَرْضِ فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحُشُوشِ، فَلَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ الِاسْتِيلَاءَ، ثُمَّ بَسَطَ الْأَدِلَّةَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ بِمَا يَطُولُ نَقْلُهُ.
وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ (جُمَلِ الْمَقَالَاتِ): قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ اللَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْأَشْيَاءَ، وَأَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا
1 / 197