172

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۴۰۲ ه.ق

محل انتشار

دمشق

فَعَدَلُوا عَنْ مُصَاقَعَةِ اللِّسَانِ إِلَى مُقَارَعَةِ السِّنَانِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ - الْجَوَابِ الصَّحِيحِ -: وَهَذَا التَّحَدِّي كَانَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ سُورَةَ يُونُسَ وَهُودٍ وَالطُّورِ مِنَ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ أَعَادَ التَّحَدِّيَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] ثُمَّ قَالَ ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤] .
فَذَكَرَ أَمْرَيْنِ، (أَحَدُهُمَا): قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتُّقُوا النَّارَ، يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَفْعَلُوا فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ حَقٌّ، فَخَافُوا اللَّهَ أَنْ تُكَذِّبُوهُ فَيَحِيقَ بِكُمُ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدْتُهُ الْمُكَذِّبِينَ، وَهَذَا دُعَاءٌ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، بَعْدَ أَنْ دَعَاهُمْ بِالْحِكْمَةِ، وَهُوَ جِدَالُهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٤]، وَلَنْ لِنَفِيِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَثَبَتَ أَنَّهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ لَا يَأْتُونَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، كَمَا أَخْبَرَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَقُولَ فِي سُورَةِ (سُبْحَانَ) - وَهِيَ مَكِّيَّةٌ افْتَتَحَهَا بِذِكْرِ الْإِسْرَاءِ، وَهُوَ كَانَ بِمَكَّةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ - ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] .
فَعَمَّ بِأَمْرِهِ لَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِالْخَبَرِ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُعَجِّزًا لَهُمْ قَاطِعًا بِأَنَّهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَلَوْ تَظَاهَرُوا، وَتَعَاوَنُوا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا التَّحَدِّي لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَقَدْ سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ، وَعَرَفَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَعَلِمَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُعَارِضُوهُ، وَلَا أَتَوْا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَمِنْ حِينَ بُعِثَ ﷺ وَإِلَى الْيَوْمِ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْخَلْقَ كَانُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَلَمَّا بُعِثَ إِنَّمَا تَبِعَهُ قَلِيلٌ.
وَكَانَ الْكُفَّارُ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِ مُجْتَهِدِينَ بِكُلِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ، تَارَةً يَذْهَبُونَ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أُمُورٍ مِنَ الْغَيْبِ حَتَّى يَسْأَلُوهُ عَنْهَا، كَمَا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ، وَأَهْلِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي مَجْمَعٍ بَعْدَ مَجْمَعٍ عَلَى مَا يَقُولُونَهُ فِيهِ، وَصَارُوا يَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ، فَيُشَبِّهُونَهُ بِمَنْ لَيْسَ بِمِثْلِهِ لِمُجَرَّدِ شَبَهٍ مَا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ، فَتَارَةً يَقُولُونَ مَجْنُونٌ، وَتَارَةً سَاحِرٌ، وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَإِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَعْلَمُونَ هُمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كُلِّ عَاقِلٍ يَسْمَعُهَا أَنَّهَا

1 / 172