لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
كَانَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ قَدْ سَبَقَهُ إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا - ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ.
فَالْمُعْتَزِلَةُ وَإِنْ وَافَقُوا جَهْمًا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، فَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِي مَسَائِلَ غَيْرِ ذَلِكَ، كَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَبَعْضِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ، وَلَا يُبَالِغُونَ فِي النَّفْيِ مُبَالَغَتَهُ، فَإِنَّ جَهْمًا يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَيَقُولُونَ: يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ جَهْمٍ، وَجَهْمٌ يَنْفِي الْأَسْمَاءَ، كَمَا نَفَتْهَا الْبَاطِنِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَنْفُونَ الْأَسْمَاءَ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١١٤] دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ فَاضَ عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالصَّابِئَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَفِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنَ اللَّهِ بَلْ مَخْلُوقٌ إِمَّا فِي جِبْرِيلَ أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ فِي جِسْمٍ آخَرَ كَالْهَوَاءِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْكُلَّابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَلَامُهُ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ، وَالْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ خُلِقَ لِيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فِي إِثْبَاتِ خَلْقِ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ.
قُلْتُ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْأَشْعَرِيَّةِ كَالسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيِّ وَالْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ وَشَرْحِ جَوَاهِرِ الْعَضُدِ لِتِلْمِيذِهِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِدُ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ فِي الْغَيْرِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَوْ جِبْرِيلُ أَوِ النَّبِيُّ ﷺ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمْ يُثْبِتُوا غَيْرَ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ الْمُوجِدَةِ فِي الْغَيْرِ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِ الْبَارِي، قَالُوا: وَنَحْنُ - يَعْنِي مَعَاشِرَ الْأَشَاعِرَةِ - نُثْبِتُهُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَارِي تَعَالَى، مُعَبَّرٌ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ وَالْأَلْفَاظِ، وَهُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَجِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ. قَالُوا فَهُوَ يُغَايِرُ الْعِبَارَاتِ وَالْعِلْمَ وَالْإِرَادَةَ، أَمَّا الْعِبَارَاتُ فَلِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ
1 / 164