133

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۴۰۲ ه.ق

محل انتشار

دمشق

يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ قَدِيمٍ ذَاتِيٍّ وُجُودِيٍّ، غَيْرِ مَخْلُوقٍ وَلَا مُحْدَثٍ وَلَا حَادِثٍ، لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْخَلْقِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي شَرْحِ " رِسَالَةِ الْأَصْفَهَانِيِّ " الْإِمَامِ الْمُتَكَلِّمِ الْأَشْعَرِيِّ: قَدِ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ، وَأَنَّ كَلَامَهُ - تَعَالَى - غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنْكَرُوا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ كَلَامَهُ - تَعَالَى - مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ خَلَقَهُ فِي الشَّجَرَةِ، وَكَلَّمَ جِبْرِيلَ بِكَلَامٍ خَلَقَهُ فِي الْهَوَاءِ، وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ مِنْهُ بَدَأَ: أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، لَمْ يَخْلُقْهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّهُ بَدَأَ مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ. قَالَ: وَلَمْ يَرُدَّ السَّلَفُ أَنَّهُ كَلَامٌ فَارَقَ ذَاتَهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا يُفَارِقُ الْمَوْصُوفَ، بَلْ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ لَا تُفَارِقُهُ وَتَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ صِفَةُ الْخَالِقِ تُفَارِقُهُ وَتَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَمَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ " وَإِلَيْهِ يَعُودُ "، مَا جَاءَ فِي الْآثَارِ " إِنَّ الْقُرْآنَ يُسْرَى بِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهُ حَرْفٌ، وَلَا فِي الْقُلُوبِ مِنْهُ آيَةٌ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ﷺ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وَكَتَبَهُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ» . يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَفِي لَفْظٍ: " «بِأَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ» "، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ مُسَيْلِمَةَ - إِنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنِ الْ - أَيْ مِنْ رَبٍّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ لَمَّا سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ لِمَيِّتٍ لَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ، اغْفِرْ لَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فَقَالَ: مَهْ، الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. وَهَذَا الْكَلَامُ مَعْرُوفٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄.
وَقَوْلُ السَّلَفِ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ

1 / 133