لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ویراست
الثانية
سال انتشار
۱۴۰۲ ه.ق
محل انتشار
دمشق
ژانرها
عقاید و مذاهب
تَجَاوَزْتُ حَدَّ الْأَكْثَرِينَ إِلَى الْعُلَى وَسَافَرْتُ وَاسْتَبْقَيْتُهُمْ فِي الْمَفَاوِزِ وَخُضْتُ بِحَارًا لَيْسَ يُدْرَكُ قَعْرُهَا وَسَيَّرْتُ نَفْسِي فِي فَسِيحِ الْمَفَاوِزِ وَلَجَّجْتُ فِي الْأَفْكَارِ ثُمَّ تَرَاجَعَ اخْـ ـتِيَارِي إِلَى اسْتِحْسَانِ دِينِ الْعَجَائِزِ
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ الْحَمَوِيَّةِ: وَقَدْ أَخْبَرَ الْوَاقِفُ عَلَى نِهَايَاتِ إِقْدَامِ الْمُتَكَلِّمَةِ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ مَرَامِهِمْ:
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ
وَقَوْلُ بَعْضِ رُؤَسَائِهِمْ:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَغَايَةُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ: لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَتَرَكْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وَخُضْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِفُلَانٍ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي. وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ: أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ أَصْحَابُ الْكَلَامِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ثُمَّ إِذَا حُقِّقَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَخَالِصِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ خَبَرٌ، وَلَمْ يَقَعُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَنْبَاءِ قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ عِلْمُ الْكَلَامِ بِالْمَثَابَةِ الَّتِي ذَكَرْتَ، وَالْمَكَانَةِ الَّتِي عَنْهَا بَرْهَنْتَ، فَكَيْفَ سَاغَ لِلْأَئِمَّةِ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالتَّنْقِيبُ عَمَّا يَحْتَوِيهِ؟ ثُمَّ إِنَّكَ أَتَيْتَ مَا عَنْهُ نَهَيْتَ، وَحَرَّرْتَ مَا عَنْهُ نَفَّرْتَ، وَهَلْ هَذَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ إِلَّا مُدَافَعَةٌ، وَجَمْعٌ لِلشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا تَمَامُ الْمُمَانَعَةِ، قُلْتُ: إِنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَهَلَكُ مِنَ التَّمَانُعِ لَمُمْتَنِعٌ، وَمَا سَنَحَ فِي خَلَدِكَ مِنَ التَّدَافُعِ لَمُنْدَفِعٌ، بَلِ الْعِلْمُ الَّذِي نَهَيْنَا عَنْهُ غَيْرُ الَّذِي أَلَّفْنَا فِيهِ. وَالْكَلَامُ الَّذِي حَذَّرْنَا مِنْهُ غَيْرُ الَّذِي صَنَّفَ فِيهِ كُلُّ إِمَامٍ وَحَافِظٍ وَفَقِيهٍ. فَعِلْمُ الْكَلَامِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْعِلْمُ الْمَشْحُونُ بِالْفَلْسَفَةِ وَالتَّأْوِيلِ، وَالْإِلْحَادِ وَالْأَبَاطِيلِ، وَصَرْفِ
1 / 110