(سبعة يظلهم الله ﷿ في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله) اسمع يا من أجاب عجوزا شوهاء، لاح للأولياء حب المشتهى فمدوا أيدي التناول، فبان للبصائر خيط الفخ، فطاروا بأجنحة الحذر، وصوت مناديهم إلى الرعيل الثاني (يا لَيتَ قَومي يَعلمون) .
ما أصعب السباحة في غدير التمساح؟ ما أشق السفر في الأرض المسبعة، أي مقيد الوجود في فناء الفناء: قامت قيامة الملامة وما تسمع، لقد نصحك صوت النصح، ولكن صلج الآذان مانع.
كم لاحت لك شهوة تردي، و" يعقوب " المواعظ يعض أنامل التحذير يوم البرهان؟ وأنت لا تلتفت.
ويحك أحضر الطبع الجاهل مجلس التفكر، فقد فهم " حبيب العجمي " وعظ الحسن.
يا مقيما على الهوى وليس بمقيم، يا مبذرا في بضاعة العمر، متى يؤنس منك رشد؟ يا أكمه البصيرة ولا حيلة فيه " لعيسى " أي طويل الرقاد ولا نومة أهل الكهف: قدر أن الموت لا يتفق بغتة، أليس المرض يبغت؟.
ويحك قد بقي القليل فاستدرك ذبالة السراج، أما يزعجك صوت الحادي؟ أما يؤلمك سوط السائق؟
لَهَفي عَلى غَفَلاتِ أَيامٍ مَضَت ... عَني وَما لَهَفي بِراجِعٍ ما مَضى.
يا دائرة الشقا: أين أولك؟ يا أرض التيه: متى آخرك؟ يا " أيوب " البلاء: كم تقيم على الكناسة؟ أما حان حين (اِركض) .
خَليلي ما أرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما ... أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لَيا
يا محصرا عن الوصال لا في سفر الحج، وضالا عن الهدى لا يجزيه الهدي، يا منقطعا في سبيل السلوك عن جملة الوفد، إذا احتسبت في مرض الهوى بموت الطرد، فتحامل إلى فناء خيمة أهل الوصل، وأشهد على وصيتك من المقبولين ذوي عدل، وناد بانكسار الذل على حسرة الفوت.
إِذا ما وَصَلتُم سالِمين فَسَلِّموا ... عَلى خَيرَةِ المَعالي بتَسنَموا
؟ الفصل الرابع والعشرون
إياك والذنوب
أعظم المصائب شماتة الأعداء، وعداوة الشيطان قديمة من يوم (أَبَى وَاستَكبَر) وحسد إبليس من يوم (أَتَجعَلُ) وفرح النظراء بك أعظم الكل، وما انتقم منك حاسد بأكثر من تفريطك، ولا انتقمت منه بأعظم من تقويمك، فالحظ كيف أبت نفسك الحظ وأنلت الحاسد المراد:
ما بَلغَ الأعداءَ مِن جاهِلٍ ... ما بَلَغ الجاهِلُ مِن نَفسِهِ
ويحك تبصر عن الهوى تحمد عواقب السلامة
فإِنّ المَرءَ حينَ يَسُرّ حِلوٌ ... وَإِنّ الحِلوَ حينَ يَضُرُ مُرُّ
فَخُذ مُرًّا تُصادِف عَنهُ حِلوًا ... وَلا تَعدِلُ إلى حِلوٍ يَضرُّ
إياك والذنوب، فلو لم يكن فيها إلا كراهة اللقاء كفىعقوبة. أطيب الأشياء عند " يعقوب " رؤية " يوسف " وأصعبها عند إخوته لقاؤه. إذا كان القلب نقيا ضج لحدوث المعصية، فإذا تكررت مرت عليه ولم ينكر، كانت الخطيئة عنده غريبة فاستوحش، فلما صارت بليد الطبع لم ينفر.
لابس الثوب الأسود لا يجزع من وقوع الحبر عليه، يا جرحى الذنوب قد عرفتهم المراهم، إن لم تقدروا على أجرة نائحة فنسكوا رؤوس الندم، فما يخفى صاحب المصيبة، فإن فاتكم عز " معاذ " فلا تعجزوا عن ذل الثلاثة الذين خلفوا.
خذوا دليل العزم إن لم تعرفوا سبيل الوصول، فلعل حيرة الطالب توقعه على ماء " مدين " سيروا في بوادي الدجى، وأنيخوا بوادي الذل في كسر الإنكسار، وأصيخوا بأسماع اليقظة لعل حداء الواصلين تحرك أطراب القلوب، لا بل ربما عوق السائرون لوصول المنقطع، فكم قد صار في الرعيل الأول من كان في الساقة؟ لا تملوا الوقوف ولو طردتم، ولا تقطعوا الإعتذار وإن رددتم، فإن فتح باب للواصلين دونكم اهجموا هجوم الكدائين، ونكسوا رؤوس الفقر، وابسطوا أكف (وَتصَدَق عَلَينا) لعل هاتف القبول يقول: (لا تَثريبَ عَلَيكُم) .
وَإذا جِئتُم ثَنياتِ اللَوى ... فَلَجوا ربعَ الحِمى في خَطري
وَصَفوا شَوقي إِلى سُكانِهِ ... وَاذكروا ما عِندَكُم مِن خَبَري
وَحَينَني نَحو أَيامٍ مَضَت ... بِالحُمى لَم أَقضِ مِنها وَطَري
كُلَما اِشتَقَتُ تَمَنَيتُكُم ... ضاعَ عُمري في المُنى واعمري
؟ الفصل الخامس والعشرون محبة الله سبحانه
1 / 15