فكان إصلاح هذا الوضع كذلك يحتاج إلى محدث فقيه وأصولي ضليع يكون قد استعرض ذخائر المكتبة الإسلامية بأسرها ويستحضر الكتاب والسنة بحيث يحير الناس، ويعرف الحديث وأنواعه وطبقاته ومجموعاته معرفة دقيقة تضطر الناس إلى الاعتراف بمكانته في صناعة الحديث، حتى يقولوا: (إن الحديث الذي لا يعرفه هذا الرجل ليس حديثا) (من الأقوال التي قالها كبار علماء العصر في شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي، قلت قاله تلميذه الذهبي) ويكون مستحضرا لخلافات الفقهاء ومراجعهم ودلائلهم في كل حين، كما يكون له اطلاع تام على المذاهب الفقهية الأخرى وفروعها أكثر من أصحاب الاختصاص فيها والمنقطعين إليها من أهل المذهب، ولا يتعدى حدود السلف مع قوة استنباطه وتحقيقه، عارفا بمكانة الأئمة المجتهدين وفضلهم وحقهم ومتطفلا على موائد علمهم ودينهم، ويكون ذا قدم راسخة في علوم اللغة وباع طويل فيها حتى تأهل لذلك للنقد والصيرفة في مجالها، يجمع إلى ذلك علو الكعب ودقة النظر في النحو حتى يأخذ على أئمة النحو الكبار أخطاءهم الفنية، ويجدد بقوة عارضته عهد المحدثين الأولين، يعتبر ذكاؤه آية من آيات الله وعلمه دليلا على فضل الله، ويبرهن بشخصيته على خصوبة تربة الأمة الإسلامية وغضارة دوحة الإسلام، ونضارة العلوم الإسلامية ونموها وازدهارها، ويكون تصديقا لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من قولته الخالدة. [مثل أمتي مثل المطر، لا يدري أوله خير أم آخره] (رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه).
جامع بين العلم والعمل، والسيف والقلم:
صفحه ۴۲