لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
ژانرها
فإن قيل: هذا اعتبار غير صحيح فإن الطبيب يفعل ذلك بالعليل وهو يحبه وهو راض عنه ولم ينشأ فعله به عن غضبه عليه ولهذا لا يسمى عقوبة، وأما عذاب هؤلاء فإنه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم وهو عقوبة محضة.
قيل: هذا حق ولكن لا ينافي كونه رحمة بهم، وإن كان عقوبة لهم وهذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فإنها عقوبة ورحمة وتخفيف وطهرة، فالحدود طهرة لأهلها وعقوبة، وهم ما أغضبوا الرب تعالى وقابلوه لما لا يطيق أن يقابل به وعاملوه أقبح المعاملة وكذبوه وكذبوا رسله وجعلوا أقل خلقه وأخبثهم وأمقتهم له ندا له، وآلهة معه وآثروا رضاهم على رضاه وطاعتهم على طاعته، وهو ولي الإنعام عليهم وهو خالقهم ورازقهم ومولاهم، الحق الذي اشتد مقته لهم وغضبه عليهم وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عليه تقدير خلافاتها ويستحيل عليه تخلف آثارها ومقتضاها عنها بل ذلك تعطل لأحكامها، كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها وكلا التعطيلين محال عليه سبحانه.
فالمعطلون نوعان أحدهما: عطل صفاته والثاني عطل أحكامها وموجباتها. وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران، فإذا زال الغضب بزوال سببه وزالت المادة الفاسدة بتغير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الأحقاب عليها، وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها وطلبت أثرها من غير معارض.
صفحه ۱۲۸