فكرت قليلا، ثم قلت: «الظواهر كثيرة لا حصر لها، بحيث يصعب انتقاء إحداها. خذ مثلا انتشار أمراض الاكتئاب النفسي والعنة الجنسية وفتور الهمة، أو التعصب الديني، أو انقراض السيجارة المصرية، أو عودة «الكوكاكولا». أينما تطلعت ستجد ما تشاء من ظواهر.»
وابتسمت ثم أضفت: «إن «الدكتور» نفسه يمدنا بواحدة من أكثر الظواهر إثارة وغموضا؛ وأعني بذلك وجود كثيرين على شاكلته في كافة البلاد العربية، رغم اختلاف الأنظمة والشعارات والحكام.»
تجاهل إشارتي إلى «الدكتور» وهز رأسه في ازدراء: «وأين هي العلاقة المزعومة بين هذه الظواهر؟»
أجبت بمكر: «لم أقل إني تبينتها؛ فأنا ما زلت في بداية البحث.»
قال وهو يضغط على مخارج الحروف: «أرى أنك تجري وراء سراب، وتتصور أمورا لا وجود لها؛ فكيف يؤدي بحث عادي كالذي تتولاه إلى كل هذه الأمور؟!»
خبطت بيدي على سطح المكتب وقلت: «هذا ما أردده لنفسي طوال الوقت، بلا فائدة .. ما رأيك في فنجان من القهوة؟
بوغت بتغيير مجرى الحديث، لكنه لم يلبث أن قال: «لا مانع.»
ثم تطلع إلى ساعته واستدرك: «الأفضل ألا أشرب؛ فقد قاربنا موعد الغداء.»
نهضت واقفا وأنا أقول في حماس: «للأسف فإني لم أكن أتوقع هذه الزيارة؛ ولهذا لم آخذ أهبتي لها. صحيح أن لدي قدرا كافيا من الأرز، كما أن الثلاجة - فيما أظن - تحوي نصف دجاجة على الأقل، إلا أنه من الضروري - بالطبع - إعداد أصناف أخرى؛ حساء مثلا، وصنف من اللحم أو السمك، وآخر من الخضراوات، فضلا عن الفواكه والحلوى. هكذا ترى أنه من الضروري أن أذهب - أقصد نذهب - إلى السوق.»
قال وهو يتقدمني نحو المطبخ: «لا ضرورة لذلك، سنكتفي بما لديك.»
صفحه نامشخص