لم أكن قلقا بشأن انقطاعي عن عملي الأصلي؛ إذ إن اللجنة توفر لمن يتقدم أمامها إجازة مدفوعة الأجر من عمله إلى أن تنتهي من أمره، لكني كنت أجهل المدة المقررة للبحث، وبالتالي لم يكن بوسعي التورط في منهاج للعمل يتطلب وقتا بهذا الطول.
بحثت بلا جدوى عن مخرج إلى أن تذكرت أن إحدى الصحف اليومية الكبرى تحتفظ بأرشيف ضخم يضم معلومات تفصيلية عن أهم الشخصيات العربية، يعتبر من مفاخر مؤسسيها. وكان الهمس قد تردد في وقت من الأوقات، أن اللجنة حصلت منهم على صورة من هذا الأرشيف، وأنها تعتمد عليه في عملها إلى درجة كبيرة. وقدرت أن ما يضمه هذا الأرشيف من معلومات عن «الدكتور» سيكون ذا عون كبير لي.
على أن الاطلاع على هذا الأرشيف لم يكن متاحا لكل من هب ودب من الناس. وتطلب الأمر بحثا شاقا حتى اهتديت إلى من أوصى بي الموظف المسئول عنه، وسرعان ما كان الملف الموعود في متناول يدي.
لم يكن بالضخامة التي توقعتها. وكان يحمل فوق غلافه شعار الدار، واسم «الدكتور» الكامل مكتوبا بخط مزخرف في عناية.
فتحت الملف بأصابع مرتعشة من الانفعال، فطالعتني ورقة بيضاء في أعلاها تاريخ يعود إلى بداية الخمسينيات، ولا شيء عدا ذلك. وقلبت الورقة فرأيت الورقة التالية مثلها.
تصفحت أوراق الملف بسرعة فرأيتها كلها متشابهة في خلوها من كل شيء عدا التاريخ. وما لبثت أن تبينت في صدر كل ورقة أثر الصمغ الذي كان يلصق به المقتطفات المنتزعة من الصحف والمجلات.
أبدى المسئول دهشته عندما عرضت عليه الملف، لكنه لم يكن يملك شيئا لي. وأوشكت أن أنصرف عندما خطر لي أن أسجل التواريخ المذكورة على رأس كل ورقة، ثم أرجع إلى الصحف والمجلات التي صدرت فيها، وبذلك أتوصل بمجهود بسيط إلى محتويات الملف.
هكذا فعلت، ثم انتقلت على الفور إلى قاعة مجاورة، حيث شرحت للموظف المشكلة، فأحضر لي المجلدات التي تتفق وأول التواريخ لدي. وإذا بي أفاجأ بخلوها من أي شيء عن «الدكتور». وعندما دققت البحث اكتشفت أن بالأعداد المقصودة فقرات قصيرة منزوعة بعناية بواسطة موسى. ولاحظت أن بعضها في الصفحات المخصصة لأنباء الجرائم وأخبار السينما والتليفزيون.
انتابني الشك في أمر الفقرات المقتطعة، فقررت أن أواصل البحث لأقطع الشك باليقين. وعندما عدت في اليوم التالي لهذا الغرض، فوجئت بصدور تعليمات تحظر استخدام المكتبة على غير العاملين بالصحيفة.
وتكرر الأمر معي بحذافيره في دور الصحف الأخرى، بدءا من الموسى الخفي، إلى الأوامر التي تحول بيني والتردد على مكتباتها.
صفحه نامشخص