كلمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
كلمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
اللحظة الحرجة
اللحظة الحرجة
تأليف
يوسف إدريس
كلمة
مفروض أن المسرحية تكتب أصلا لتمثل على خشبة المسرح. والنص المسرحي - مهما بلغت قوته - ليس في الواقع إلا جزءا واحدا من الأجزاء العديدة التي تشترك في تجسيد العمل المسرحي.
أجل ... المسرحية ليست هي النص المسرحي وحده. ونحن حين نتحدث عن المسرحية أو «المسرح» فنحن نقصد تلك اللحظات التي تلتقي فيها مجموعتان غريبتان من الناس؛ مجموعة كبيرة تحوي أناسا من مختلف الأمزجة والألوان والطبقات، جاءوا من عالم خارجي مزدحم عريض ليلتقوا بمجموعة صغيرة أخرى من الناس تحيا في عالم محدود خاص. تلك اللحظات هي المسرح، هي التجاوب الحادث بين الجماعتين ... اللحظات التي تطفأ فيها الأنوار في الصالة لتحجب عن الجماعة الصغيرة العالم الخارجي العريض، وتضاء فيها أنوار المسرح لتسلط على ذلك العالم الصغير المحدود ... اللحظات التي تنسى فيها كل جماعة نفسها، وتنسى فيها ما جاءت لأجله، التي ينسى فيها المتفرج أنه مجرد متفرج، وينسى فيها الممثل أنه مجرد ممثل، وتعاد صياغة الزمن؛ فيحيون الليل على أنه نهار، وربما منتصف النهار على أنه منتصف الليل ... اللحظات التي تقوم فيها في أثناء هذا الاجتماع الكبير روابط إنسانية وثيقة بين الواقف على خشبة المسرح والجالس في الصالة، وبين الجار والجار، والممثل وزميله، وأعصاب الجمهور والحبال التي تشد الستائر. تلك اللحظات التي يفد لصنعها أناس يدخلون إلى ذلك المحراب المقدس من بابه الخلفي ومن بابه الأمامي، تاركين الحياة التي يحيونها في الخارج ليشتركوا باختيارهم خلق حياة من صنعهم هم، حياة يصنعونها، ويحيونها وتعتمد على اشتراك كل منهم بنصيبه فيها.
ذلك هو المسرح.
والنص المسرحي هنا مجرد أسهم وعلامات قد تحدد الطريق الذي تسلكه الحياة التي يقوم بصنعها الإنسان. مجرد إشارات تنظم مرور هذه الحياة في أثناء سريانها وتدفقها، مجرد مادة خام غير قابلة للتفاعل إلا حين تختلط بغيرها من المواد، وتحدث الشرارة، ويتم التجاوب داخل المحراب المقدس.
وأنا أميل كثيرا إلى استعمال تلك الكلمة التي أصبحت موضة العصر والتي يصفون بها إنتاج الرسام أو الكاتب أو الموسيقار، أعني كلمة «الخلق»، أقول هذا مع أني استعملتها، ولكننا نستعمل كلمات أحيانا لمجرد أنها كلمات شائعة، حسن إذن! إذا سمينا الكتابة للمسرح عملية خلق فقد رأينا أنها إحدى عمليات الخلق الداخلة في تكوينه، وإذا كان الكاتب يخلق الكلمة، والمخرج يخلق الحركة، والممثل يخلق العاطفة التي يصوغ بها الكلمة والحركة، والجمهور يخلق الجو العام الذي يستحيل فيه التمثيل إلى حقيقة، وتستحيل فيه الحقائق أحيانا إلى تمثيل، كل هذه العمليات عمليات خلق، وكلها تدخل في تكوين المسرح.
ولكن المسرح ليس مجرد حاصل جمع هذه العمليات.
المسرح، أو اللحظات المسرحية، شيء ينتج عن هذه المكونات جميعها، شيء رائع جديد ... شيء يبلغ من قوته حد أن يملك على جمهور غفير من الناس ألبابهم لبضع ساعات، وقد يؤثر فيهم لأيام كثيرة، وقد يبقى أثره ساريا في حياتهم وحياة أولادهم لسنين طويلة وسنين.
الإقدام على نشر النص المسرحي - إذن - مغامرة، فالواقع أني كتبت هذه الرواية لكي تمثل ولم أكتبها لكي تقرأ ... وقد ترددت كثيرا قبل نشرها، فالكلمة حين تراها العين غيرها حين تسمعها الأذن، والكلمة حين ينطقها كائن حي منفعل، غيرها حين تبدو هادئة راكدة على الورق، والجو حين تجسده السطور غيره حين تبدو في ذلك المزيج السحري من النور والظلام والعيون اللامعة والأنفاس اللاهثة المترددة، والحوار حين يقرؤه الشخص وحيدا، غيره حين يسمعه في حضرة جمهور، فمئات الأشخاص حين يجتمعون في مكان واحد يفقد كل منهم ذوقه الفردي، ويتكون لهم إحساس عام مختلف تماما ... إحساس الجماعة البشرية التي قد لا تنفعل بما لا ينفعل له الفرد، والتي قد تقهقه ضاحكة لما لا يبعث في الفرد إلا مجرد الابتسام.
وصحيح أن هذه ليست أول مرة ينشر فيها نص مسرحي قبل تمثيله، أو تنشر فيها روايات في كتب، ولكني أعتقد أن معظم تلك الأعمال كتبت أصلا لكي يقرأها القارئ ... وعلى هذا كان نشرها في كتاب أصلح وسيلة لنشرها. أما النصوص المسرحية التي كتبت لتمثل فنشرها يعد مغامرة ... مغامرة لأنه يتطلب من القارئ جهدا أكثر مما تتطلبه قراءة رواية أو قصة أو مقالة. ففي أي مكان يقرؤها، في القطار أو في القهوة أو قبل النوم، عليه أن ينتزع نفسه من كل ما حوله، ويتصور نفسه داخل مسرح ما، بل في مقعد بعينه من صالة المسرح وفي حضرة جمهور، وقد جاء خصيصى ليشهد هذه الرواية بالذات، وعانى من وسائل المواصلات، ودفع ثمن تذكرة الدخول، وجلس ينتظر رفع الستار على مضض، ثم عليه إذا ما دار الحوار أن يتصور الكائنات الحية التي تنطقه ... ويستقبله بإحساسه الجماعي. عليه بالاختصار أن يقوم وحده بكل عمليات الخلق الأخرى التي لا بد من إضافتها للنص المسرحي لكي يصبح رواية مسرحية. والمغامرة أن قارئا كهذا من الصعب الحصول عليه في خضم مشغوليات حياتنا الكثيرة.
ولكني مع هذا متفائل ومطمئن، ومتأكد تماما أن الناس جميعا يحبون لكي يظفروا بالمتعة أن يبذلوا الجهد. بل إني أعتقد أن أي عمل فني أو أدبي هو ملك للناس قبل أن يكون ملكا لمنتجه أو كاتبه. وإذا صح هذا في كل الفنون، حيث يتبنى الناس العمل ويحنون عليه ويبذلون من أنفسهم له، فهو في المسرح أوضح وأبعد مدى ... إذ إن المسرح ليس ملكا للناس فقط، ولكنه أولا وأخيرا رأي الناس في المسرح. المسرح هو طاقة تعبير الجماعة الإنسانية عن نفسها لنفسها، وما الكاتب والمخرج إلا وسائل تعبير.
خذ هذه الرواية إذن - أيها الصديق - على أنها أسهم وعلامات، وستظل مجرد أسهم وعلامات إلى أن تخلق منها أنت العالم الذي تريده، إلى أن تجعل أنت الحياة تدب في كلماتها، إلى أن تضيف إليها أنت من خيالك وحماسك ومشاركتك وتخلقها الخلق الأكبر، فأنت وحدك القادر على خلقها ذلك الخلق الأكبر.
ي. إ.
الفصل الأول
(
المنظر:
حجرة «القعاد» في بيت مصري متوسط. وهذه الحجرة لها في الغالب مكان محدد في البيت ... فأحيانا تكون في الصالة، وأحيانا حجرة مستقلة، وفي أحيان قليلة تستعمل حجرة نوم الأبوين. وحجرة «القعاد» هي أكثر الحجرات استعمالا ، فالصالون لا يفتح إلا للضيوف، وأودة السفرة تستعمل للزينة أكثر مما تستعمل لتناول الطعام، هذه الحجرة هي بؤرة البيت، فيها يمرح الأولاد وهم أطفال، وينامون على ركب أمهاتهم وآبائهم، وفيها أيضا يجلسون إذا كبروا واضعين ساقا فوق ساق يطلبون المصروف بإلحاح، وينظرون باشمئزاز إلى الأساس العتيق الذي طالما عشقوه وهم صغار. هي الحجرة التي يستقبل فيها الأصدقاء والمقربون، ويدبر فيها المستقبل، ويزاح الستار عن أسرار الأسرة المنيعة التي لا يعرفها أحد.
والحجرة في أثاثها مريحة كجلباب النوم. الأناقة تحتفظ بها الأسرة للمدخل وحجرة الصالون وكل ما تقع عليه عين الغريب، أما في هذه الحجرة فبها كل ما هو غير أنيق ومريح، الكنبة الإسطنبولي المعتادة، والصور التي رسمها الأولاد وهم تلاميذ صغار مثبتة بمسامير إلى الحائط وكأنها أوسمة مجد، ولا مانع من حمار مرسوم بالفحم على الحائط أو عروسة. القلل في الشباك (حتى مع احتمال وجود ثلاجة في البيت) فماء القلة حلاوته لا تقارن عند الأم بأي ماء مثلج، هناك أيضا دولاب قديم ضلفه مفتوحة باستمرار، ومحتوياته تبدو للعيان، فوتيل مستعمل يجلس عليه الوالد في العادة ولكن في أغلب الأحيان تحتله الأم، شماعة ملابس عليها ما لا يقل عن 50 قطعة. ترابيزة كثيرا ما تتناول الأسرة عليها الطعام. ماكينة خياطة قريبة من الباب. نتيجة معلقة على الحائط لم تنتزع عنها الأوراق منذ أيام أو لعلها نتيجة العام الماضي. «كونسول» له مرآة وسطحه من الرخام الأصلي. دراجة صغيرة بثلاث عجلات إحداها مكسورة. ولا يسلم الأمر من حبل غسيل ممتد في ركن الحجرة وعليه مناديل وشرابات مغسولة.
الحجرة لها ثلاثة أبواب: باب إلى اليمين (يمين المسرح) يؤدي إلى داخل البيت والمطبخ. وباب في الوسط يؤدي إلى الصالة ومن ثم إلى حجرات النوم. وباب إلى اليسار يؤدي إلى مدخل الباب. وهناك نافذة بين باب الوسط وباب اليسار لها حافة موضوع فوقها أصص زرع، وبعض الزرع يطل إلى الداخل. ومن خلال النافذة نلمح مباني الشارع والمدينة، وبالذات نافذة المنزل المقابل.
الوقت في الصباح الباكر، والساعة حوالي السابعة، وهنية واقفة في منتصف الحجرة في حالة عصبية ظاهرة منخرطة في نقاش مع «سعد»، بينما كوثر واقفة تروي أصص الزرع من قلة في يدها.
هنية أم في الخمسين ولكنها من ذلك النوع الذي يبدو أقل من سنه، قصيرة القامة، وتميل إلى الامتلاء، قمحية اللون، نادرة الابتسام، ترتدي «روب» منزلي مزين بورود قديمة باهتة.
سعد شاب تعدى العشرين بقليل، ملامحه حادة ووجهه مستطيل نحيف وفيه وسامة. تحس أن في داخله طاقة متوهجة تشع من عينيه وملامحه، كلماته سريعة متلاحقة، وكثيرا ما يتوقف عن الكلام فجأة وبلا سبب، ثم يعود يستأنف حديثه. من الصنف الحامي الذي يريد أن يتحقق ما في رأسه، وأن يتحقق في التو واللحظة. سريع الانفعال، سريع الملل، إذا ضحك يضحك من حنجرته فقط، وإذا تكلم يتكلم من قلبه. تحس من خلال حديثه أنه ساخط على شيء مجهول، وناقم على العالم من أجل ذلك الشيء. يرتدي بنطلونا كاكيا وقميصا أبيض.
كوثر في حوالي الثانية والعشرين، نحيفة ولونها أغمق من لون أمها وفي ملامحها وسامة وإن لم تكن جميلة، وأنوثتها مختلطة بقلق وتوهان وعصبية، وحين تتكلم يخرج صوتها سرحان تائها ذا نبرة موسيقية، فيه كثير من اللامبالاة والاستخفاف. كثيرا ما تدندن واللبانة لا تترك فمها، وردها حاضر.)
هنية :
وإن مت؟
سعد :
أبقى إنشا الله في داهية.
هنية :
وأعمل أنا إيه؟
سعد :
تعملي اللي تعمليه.
هنية :
ما انتم أصلكم جنس جبار، وقلوبكم مش منكم. لو كنت تعبت زيي وحبلت وولدت ورضعت وسهرت الليالي تداوي وتبكي كنت عرفت إيه قلب الأم، إنما انتم أصلكم جبار قلبه مش منه ... ياخي بلا نيلة.
سعد :
اسمعي يا ولية ... كتر الكلام مش ح يفيد ... أنا لية دماغ بفكر بيها، واللي على كيفي حعمله. سامعة ولا مانتيش سامعة؟
هنية :
سامعة يخويا ... ما تضربلك قلمين وتسكت. وعلى آخر الزمن بتقول لي يا ولية (ثم بصوت عال فجأة)
بس قول لي بس، بتعملوا إيه في التداريب دي؟ وبعدها إيه؟
سعد :
بعدها نحارب.
هنية :
وتجيني شايلينك البعيد على نقالة .
سعد :
أهو يفضل لك مسعد ومحمد.
هنية : (بلهجة شديدة التأثر)
والله ما يمكن، دا انت اللي فيهم والله، لا مسعد ولا محمد ولا عشرة زي مسعد ومحمد (تنهمر من عينها الدموع وتواصل الكلام)
بقى ربيناك وعلمناك، وبدل ما نخليك تشتغل بعد الثانوية زي ابن أم محمود، ولا زي سلامة أفندي ما عمل في ولاده، بدال كده صرفنا عليك دم قلبنا ودخلناك الهندزة علشان تيجي في الآخر وتبهدلنا كده! طب إن ما كنش علشانك انت، اعمل خاطر لنا احنا. (بتأثر شديد)
والنبي كنت أموت نفسي ... يا دهوتي كانت.
سعد (منفجرا) :
يا عالم علمتونا الجبن ... يا عالم خليتم الدنيا تركبنا وتهز رجليها. الأم في بلاد برة بتشيل، وانتم هنا شاطرين تكسروا مقاديفنا. طول عمركم عايشين في ذل، وعاوزين تذلونا معاكم. اسمعي يا ولية ... تلاتة بالله العظيم أنا بادرب وحادرب وححارب، وإنشا الله يتهد البيت ده فوق روسكم (ثم يكمل انفجاره بسكوت مفاجئ وينظر شزرا) .
هنية : (مغيرة طريقتها)
يا ابني أنا أمك!
سعد :
أمي ما تهبطنيش.
هنية :
أنا خايفة عليك يا ابني، هو ده حرام كمان؟ قلب الأم يا ابني!
سعد :
هو ما فيش حد له أم إلا أنا؟ ما الدنيا كلها أمهات.
هنية :
لو كنت أم ما كنتش تقول كده.
سعد :
ولو كل الأمهات قالوا لأولادهم كده، مين يدافع عن بلدنا؟
هنية :
خلي اللي يدافع يدافع يا ابني، وخلينا احنا في حالنا.
سعد :
وأنا ما كنشي من اللي بيدافعوا ليه؟
هنية :
إنت؟
سعد :
أيوة أنا!
هنية :
عشان انت ابني.
سعد :
وعشان ابنك أستخبى في حضنك؟ حضنك ما عدشي يسعني ... أنا كبرت عليه.
هنية :
انت كبرت على حضني يا ابني، إنما حد بيكبر على الموت؟
سعد :
واشمعنى التانيين يموتوا؟ هما مش ليهم أمهات برضه؟
هنية :
بس يمكن أمهاتهم ما بتحبهمش زي انا ما بحبك.
سعد :
أهو ده الحب اللي يكره الواحد في الحب. حب إيه ده؟ دا الكره أحسن منه ... هو ذنبي إنك بتحبيني؟ حبيني زي ما انتي عايزة بس سيبيني أعمل اللي أنا عاوزه.
هنية :
اعمل كل اللي انت عاوزه إلا ده.
سعد :
وإذا كان كل اللي أنا عاوزه هو ده؟
هنية :
إبقى موتني الأول.
سعد (منفجرا) :
ما فيش فايدة! انتي في وادي وأنا في وادي. لا حفهمك ولا حتفهميني أبدا. يلعن أبو دي عيشة ... تلاتة بالله العظيم. (صوت من الداخل) ... تلاتة بالله العظيم إن ما سكت وبطلت الدوشة دي على صباح ربنا لا طالع مخلي وشك زي قفاك. ساكت ولا مانتش ساكت؟
سعد (في صوت مغيظ مكتوم) :
يا شيخة جتكم الهم. (يستدير فجأة ويخرج.)
هنية : (تندفع وراءه وتنادي عليه، وحين يختفي خارجا تزيح كوثر الواقفة عند الشباك بعنف وتستمر في نداءاتها)
سعد! خد يا سعد! أما أقول لك كلمة. كلمة واحدة بس وروح زي ما انت عاوز تروح. (الصوت الداخلي) : فين كباية المية السخنة يا ولية؟ كل يوم أقول لك حضريها.
هنية :
والنبي يا سي سيد تناديله. اعمل معروف نادي لسعد ... يا سعد! (الصوت الداخلي) : يا هنية.
هنية (متراجعة من النافذة) :
والنبي ما تسمعني خبر وحش يا رب ... ما اسألكشي رد القضا، أسألك اللطف فيه. (الصوت الداخلي) : فين كباية المية السخنة يا ولية انتي؟
هنية (لكوثر) :
اسمعي يا بت ... انتي عارفة أبوكي ما يعرفشي حاجة عن التداريب دي ... والنبي إن بزيتي بكلمة له لاكون قاطعة لسانك من سقف حلقك. إن سأل عليه قولي خرج. فين؟ معرفش. ووصي إخواتك.
كوثر :
إن كان علي أنا ... أنا مالي هو حر يعمل اللي هو عاوزه. بس الواحدة لو بصت من الشباك تعلقوا لها المشنقة. الظلم ده كان ليه يا رب؟ (الصوت الداخلي) : يا هنية! يا ست هنية! يا مركيزة هنية!
هنية (لكوثر) :
سامعة؟ ولا كلمة. روحي انتي صحي اخواتك. (لنصار)
أيوة ... عايز إيه يا حاج؟ (لنفسها)
استر يا رب! (لنصار مرة أخرى)
ما كباية المية السخنة عندك ع الكومودينو، ده دي! (الصوت الداخلي) : ولا ع الكومودينو ولا فوق الدولاب ولا في جيب البالطو، ولا عاد لي قيمة في البيت ده ... ولا انتي عنتي نافعة ولا شافعة ولا فاضيالي علي الطلاق بالتلاتة. (يدخل نصار المسرح من باب الوسط مرتديا فانلة بأكمام طويلة، وسروالا مربوطا تحت الركبة، ونظارة بشنبر أمريكي سميك، وهو ضخم الجثة في حوالي الستين، سريع الحركة كثير الالتفات والتشويح.)
هنية (مقاطعة) :
وان كانت ع الكومودينو؟
نصار :
أبقى أقطع دراعي. مش من هنا (مشيرا إلى ما فوق الرسغ)
من هنا (مشيرا إلى ما تحت الكتف) (هنية تدخل الحجرة) .
دي عيشة إيه دي! أصل بغل الحكومة لما بيكبر بيضربوه بالنار ... هه! (يرفع يديه إلى أعلى كمن يهم بلعب تمرينات رياضية لثني الظهر ومده. ينثني إلى أسفل، ولكنه يعتدل فورا وهو يمسك ظهره بيده)
آي! العوض على الله (يجلس على الكنبة)
زرجنت مفاصلك يا نصار وكان اللي كان. الحقيني يا ولية ... ضهري وقف.
هنية (داخلة) :
المية السخنة أهه ... أعوذ بالله.
نصار (يتناولها) :
يا ولية أنا حدرس لك من جديد؟ مش عارفة لازم تكون دافية ولازم تكون على ريق النوم.
هنية :
وأعمل لك إيه يا حاج بس؟ سخنتها 3 مرات وانت ما تصحاش.
نصار :
أمرنا لله ... أمرنا يا ست هنية. لازم هي سخنة وأنا مش حاسس. (يشرب الكوب)
يهمك إيه انتي من صحتي. زي ما بيقولوا ليس على الجاهل حرج، وانتي أصلك ما تعرفيش قيمة شوية المية دول على ريق النوم. والإذاعة اللي اتنصبت على الصبح كانت على إيه؟
هنية :
ما كانتشي ولا حاجة.
نصار :
سعد ماله؟
هنية :
ما مالوش.
نصار :
تكونيش فاكرة تلتين مخي كابوريا؟ ماله سعد؟
هنية (بتململ) :
ما فيش ... باينه كان عايز فلوس.
نصار :
وعوزته دي لزومها إيه تطير عصافير دماغي على الصبح؟ دلعي دلعي ... أنا أكفر كل يوم علشان أجيب القرش من هنا، وانتي تدلعي من هنا. وما صحتنيش ليه لما جبتي المية؟
هنية :
قلت أسيبك تنام لك شوية.
نصار :
وسيبتيني ولا فتحتي المكرفون على الآخر؟ إنتوا حواليكم نوم ولا هباب عالي؟!
هنية (تأخذ الكوب الفاضي وتخرج وهي تتمتم لنفسها) :
يا فتاح يا عليم على الصبح.
نصار (يغير لهجته فجأة ويكمل ناظرا إلى الباب الأيمن ) :
أنا راخر باقول إيه الريحة الحلوة اللي فاحت دي؟ يا جماله ودلاله وخفة دمه الحبوب المحبوب، ملك قلبي وتاج راسي ... مين صبح على بابا؟ (تظهر سوسن على الباب وهي تقدم رجلا وتؤخر أخرى، تدعك عينيها اللتين لا يزال يملؤهما النوم. نصار يهبط واضعا ركبتيه على الأرض ويفتح ذراعيه. تقبل سوسن وجفونها مطبقة، وعلى وجهها غضب لا يعرف سببه، وتقذف بنفسها في حضن أبيها بطريقة ميكانيكية بحتة. أبوها يحضنها ثم يقبلها. ويمسح إفرازات أنفها) .
نصار :
مين حب بابا؟ ... مين روح بابا؟ ... مين بوس بابا؟ (يصعر خده للتقبيل، فتطبع سوسن على خده قبلة باردة نائمة، ثم تنفر منه فجأة، وتبدأ في البكاء) .
سوسن :
أنا ما لي هه.
نصار :
ما لك روحي؟ بتعيطي ليه؟ ما لك سوسو؟
سوسن : (تندفع في بكاء عال) .
نصار (بقلق شديد) :
ما لك حبوب؟ ما لك؟
سوسن (وهي تسكت فجأة عن البكاء) :
عايزة حصان.
نصار : (مقهقها) بس كده؟ حصان؟ حصان وبس؟ حصان وعروسة وعريس ينفع للجميل دهه. حاضر! (يفتح درجا في الدولاب ويخرج منه حصانا من الصفيح على هيئة لعبة) اتفضلي ... حصان جاي من سبق الخيل على طول.
سوسن (تعرض عنه) :
لا ... عايزة حصان كبير.
نصار :
ما هو كبير أهه.
سوسن :
كبير أركبه يا أخي. إيه ده؟
نصار (يقهقه) :
بس كده؟ حاضر. النهارده وأنا راجع أجيبلك واحد.
سوسن (تبكي من جديد) :
أنا ما لي هه ... أنا عايزاه دلوقتي.
نصار :
أمري إلى الله. (يدخل حجرة النوم ويعود مرتديا جلبابا أفرنجيا ومعه مسند)
اتفضلي اركبي.
سوسن (تبكي) :
لا ... دا مش حصان.
نصار :
أمال دا إيه؟
سوسن :
دا مسند يا شيخ ... الله!
نصار :
يا فتاح يا عليم! ودي يا خويا قايمة م النوم، إيه اللي فكرها بالحصنة دلوقتي!
سوسن (تبكي وتضربه) :
أنا مالي هه. عايزة حصان ... هاتلي حصان حالا.
نصار :
ودي مشكلة إيه دي يا ولاد؟ (تبرق ملامحه)
عايزة حصان؟
سوسن :
آه (وتواصل البكاء) .
نصار :
دلوقتي حالا؟!
سوسن :
آه (وتواصل البكاء) .
نصار :
مش تركبيه يعني؟ بس كده؟ حاضر (يسجد أمامها)
انتي حتلقي أحسن من كده احصنة. اركبي يا ستي ... اركبي.
سوسن :
لأ ... هه ... أنا مالي ... هو انت حصان؟ أنا مالي. أنا عايزة حصان.
نصار :
يا بنتي والنبي أنا أجدع من ستين حصان ... شايفة؟ أهه. (يمشي على يديه وقدميه كالحصان ويستعرض نفسه أمامها. وينهق ويصهل ويضرب الأرض بقدمه).
آدي الحصنة ولا بلاش. يلا قبل ما يلعب. حتركبي ولا أنادي أمك تركبني أكتر ما هي ركباني؟ يلا (يصهل) . (تدخل فردوس من الباب الأيمن، جميلة التقاطيع، مكتنزة الأعضاء، عايقة، شديدة البياض، ولا بد قد قضت وقتا طويلا في وضع التواليت تمسك بمقشة.)
سوسن (تراقبه ثم يخفت بكاؤها تدريجيا ثم تضحك فجأة وتجري وتقفز على ظهره وتنهال عليه لكزا وضربا) :
شي يا حصان ... شي يا حصان ...
فردوس :
يا عمي (ترى المشهد فتدهش وتقف في مكانها لا يلحظها نصار) .
نصار :
برررررم ... برررررررم (يصهل ويتجه بسوسن إلى الباب الذي تقف عنده فردوس وحينئذ يكتشف وجودها واستغرابها)
معلشي يا مرات ابني ... بكرة يا ست فردوس لما تخلفي بإذن الله حيتعمل فيكي أكثر من كده.
سوسن (تنهال عليه) :
شي يا حصان ... وقفت ليه؟ شي ... الله!
نصار :
حاضر ... (ثم يضرب الأرض بقدمه ويصهل بصوت منخفض خجول ويخرج من الباب الذي جاءت منه فردوس) .
فردوس :
إيه العيلة المهووسة اللي ربنا وقعني فيها دي يا خواتي؟ إلهي يجازي اللي كان السبب.
كوثر (داخلة من الباب الأيسر ومعها مقشة أخرى) :
مالها العيلة يا ست هانم! مش قد المقام؟
فردوس (تنظر إليها ولا تجيب، ثم تخاطب الحائط الذي أمامها) :
إيه الرزالة دي؟ حد داس لها على ديل دي رخرة؟ بقى يا رب رضينا بالغلب والغلب مش راضي بينا؟
كوثر :
حاكم هناك ... أصل هنا غلب والعشة اللي جاية منها سقفها نايلون.
فردوس (تهدد الحائط) :
إذا كان لسانك شبر أنا لساني دراع ... وإذا كان ليكي أهل يترد عليهم.
كوثر (تخاطب الحائط الآخر) :
أنا؟ أنا لي أهل، إنما الدور يا حسرة على اللي كانوا بيشحتوا لها القرايب يوم كتب الكتاب.
فردوس : (للحائط) شاهدين؟
كوثر (للحائط) :
خيبة بالويبة. أنا خلصت النص بتاعي بس لسان يضرب بالقلة.
فردوس :
شوفوا الكذب العلني يا خواتي ... بقى اللي اكنس دا النص؟
كوثر :
الكدابين إنتو والنصابين إنتو، وإذا كان ع اللي اكنس ده أكتر من النص ببلاطة كمان.
فردوس :
والنبي أنا مانا كانسة إلا لغاية عاشر بلاطة. واللي مش عاجبه يخبط دماغه في الحيط.
كوثر (مواجهة فردوس أخيرا) :
بقى شوفي يا بت ... أنا مالياش في البيت شغل، واللي بعمله بعمله بخطري ... وبقية الأرض تكنسيها ورجلك على رقبتك ... دا مش بيتي عشان اشتغل فيه ... أنا إذا كنت هنا النهارده بكرة يجيني عدلي وأروح بيتي.
فردوس :
بكرة يجيها عدلها! ياخي اسم الله عليكي وعلى عدلك. إيه الألاطة دي كلها؟ اللي يسمع كده يقول الخطاب حفيت ... بكرة يجيني عدلي قال! وبقى لنا عشر سنين على دي الحال ولم ييجي العدل ولا العريس طل.
كوثر :
شايفين؟ شايفين بنت المركوب بتقول إيه.
فردوس :
أنا أبويا مركوب؟ أنا أبويا مركوب؟ والنبي انتي اللي أبوكي ستين برطوشة قديمة.
نصار (داخلا) :
لا والله وانتي الصادقة سبعين. هم ستين ينفعوا؟
كوثر :
شايف يا بابا؟
فردوس :
وأنا آجي البيت ده عشان أتشتم ويبقى أبويا مركوب؟ كان أبويا يا حاج مركوب؟
نصار :
والله أبوكي ما هو مركوب ... أنا اللي ستين مركوب. حاكم الخلفة النجسة تجيب لأهلها الزفارة (لكوثر)
تسوى إيه إني أتهزأ أنا دلوقت؟ انطقي يا صاحبة العصمة انتي. انطقي! يا بت لما أكلمك إبقي راعيني.
كوثر (تبدأ في البكاء) :
كل مرة تيجي علي؟
نصار :
انتي اللي بتيجي على روحك. حاكم ما فيش أعدى للبني آدم من لسانه. اللسان عدو الإنسان. أيوة كده والله العظيم (ينغمها)
اللسان عدو الإنسان. حلوة دي (يقترب من فردوس ويضع يده على كتفها)
وانتي يا ست فردوس معلشي. (يطبطب عليها)
الحلاوة دي كلها تنهان في بيتي؟ معلشي حقك علي. امسحيها في دقني دي. وآدي راسك أهه (يهم بتقبيل رأسها ثم يعدل ويقبل جبهتها) .
فردوس (تنحني وتقول في شبه بكاء) :
والنبي علشان خاطرك انت بس يا عم الحاج (كوثر تلقي نظرة موتورة إلى أبيها وفردوس، ثم تخرج من الباب الأيسر) .
نصار :
جوزك راح الورشة ولا لأ؟
فردوس :
من بدري. (يدخل محمد وهو في العاشرة يرتدي بيجامة، وشعره مشعث ولا تزال به آثار النوم.)
محمد :
صباح الخير يا بابا. أنا جعان عايزين ناكل.
نصار :
وده وش تقول به صباح الخير؟ فز قوم اغسل وشك (محمد يخرج بسرعة ويعود بسرعة وقد رش على وجهه بعض الماء ويجلس) .
محمد :
أنا جعان.
نصار :
جوع في عينك ... انت لازم في بطنك دود يا ولد، مش لما يصحى أخوك سعد.
محمد :
أخويا سعد مش حيصحى.
نصار :
ليه؟
محمد :
عشان دا صحي من زمان وخرج.
نصار :
وخرج فين؟
محمد :
الله! الواحد جعان ... مهو كل يوم بيروح المعسكر.
نصار :
معسكر إيه يا ولد؟
محمد :
معسكر التدريب ... ما تيلا بقى.
نصار (ممسكا محمد من كتفه) :
تدريب إيه؟
محمد :
الله وأنا مالي، ده دي! أنا عارف تدريب إيه، عشان يحاربوا ولا إيه!
نصار (يهز رأسه) :
بقى كده؟ كل يوم بيروح ... وعشان النهارده الراحة وأول يوم أفطر فيه معاكم من زمان عرفت. كل ده يحصل وما اعلمش ... من زمان بيروح يا ولد؟
محمد :
أظن كده.
نصار :
وما قلتليش ليه؟
محمد :
انت سألتني؟
نصار :
سألك البلا. بقى كده؟ والله عال! فز قوم انده امك.
محمد :
يوه! هوة الواحد إذا شفتوه ماتريحوهشي أبدا؟ لازم روح وهات وجيب وودي ... أعوذ بالله! والله الواحد ينتحر أحسن.
نصار :
فز قوم امشي انده امك.
هنية (واقفة في باب الوسط) :
عايز حاجة يا نصار؟
نصار :
عايز أسألك سؤال ... تعالي هنا. أنا باشتغل في البيت ده إيه؟
هنية :
بتشتغل إيه ... إيه. والله ما أنا عارفة بتشتغل إيه.
نصار :
إذا ما كنتيش انتي عارفة أنا عارف. عارفة بشتغل إيه يا هنية؟
هنية :
إيه؟
نصار :
طرطور.
هنية :
يا فتاح يا عليم!
نصار (بانفجار) :
ما هو لازم أعرف بالظبط أنا هنا بشتغل إيه ... لازم حد يفهمني مركزي في البيت ده. إنتم عامليني سيم. عامليني ستارة وبتشتغلوا من ورا ضهري. عايزيني أبقى آخر من يعلم. إزاي يا ولية سعد يخرج كل يوم يتدرب وأنا معرفش؟ وأسألك ماله؟ تقوليلي عايز فلوس. دول يومين قاعدهم على بال ما أدبر له القرشين عشان يسافر مصر، يقوم يقعد يتدرب فيهم وأنا معرفش، وتبقي عارفة ولا تقوليليش. أنا لازم أعرف إن كنت أنا هنا الحاج نصار ولا الحاجة عيشة!
هنية :
وبتزعق لي ليه أنا؟ لما ييجي ابقى اعرف شغلك معاه.
نصار :
هو المهم إنه ييجي يا أفوكاتو المودة والإخاء انتي. المهم إزاي يتدرب من غير ما أعرف؟ إزاي؟ البسي هدومك حالا وروحي دوري عليه وهاتيه يا اختي يا بتاعة المهندس باش.
هنية :
أجيبه منين؟ وأنا عارفاه فين.
نصار :
علي الطلاق بالتلاتة ...
هنية :
ما تحلفش لحسن وديني ما انا رايحة.
نصار :
ودينك ينفع ... ارمي علي يمين الطلاق ارمي. (يلتفت فيلتقي نظره بمحمد.)
محمد :
والله ما أنا خارج من هنا إلا اما آكل الأول. أكلوني الأول وبعدين انشالله أروح في داهية.
نصار :
فز يا ولد.
محمد :
والله العظيم ما أنا رايح إلا لما آكل.
نصار :
ما ترمي انت راخر يمين الطلاق.
محمد :
لأ. عيب! هو أنا قليل الأدب علشان أحلف بالطلاق؟ (يسمع خبط على الباب.)
هنية (بفرح) :
هوه ... أنا أفتح له.
نصار :
هوه. (يجلس على الكنبة ويضع ساقا فوق ساق ويعدل المنظار ويستعد) . تسمع فرقعة قبقاب في المدخل، ثم يظهر مسعد. (يرتدي قميصا أبيض غير نظيف وبنطلونا أصفر وقبقابا، له شارب خفيف).
مسعد (وهو داخل) :
أبا. أبا.
نصار :
هو انت؟ ياخي املا بقك ذوق وقول صباح الخير. شفتش زفت أخوك؟
مسعد :
زفت اخويا؟ زفت اخويا مين؟
نصار :
زفت اخوك سعد.
مسعد :
زفت اخويا سعد؟ شفته.
نصار (بلهفة) :
فين؟!
مسعد :
فين؟ هنا.
نصار :
امتى؟
مسعد :
امتى؟ إمبارح.
نصار :
يا جدع شفته النهارده؟
مسعد :
النهارده النهارده؟
نصار :
أيوة!
مسعد :
لا. النهارده ... النهارده ما شفتوش.
نصار :
طب روح دور عليه وهاتهولي دلوقت حالا من تحت طقاطيق الأرض.
مسعد :
من تحت طقاطيق الأرض منين؟
نصار :
ما اعرفشي.
مسعد :
ما تعرفشي؟ وأجيبه منين؟
نصار :
هاتهولي والسلام .
مسعد :
أجيبه والسلام منين؟
نصار :
بقولك من تحت طقاطيق الأرض.
نصار :
يا سي مسعد قشطة أخوك ما تعرفشي فين، اتحرك شوفه راح فين.
مسعد :
راح فين؟ يمكن لسة نايم مافتشتوش في أوضة النوم ليه؟
نصار :
ياخي جك داء البعيد ... فتشنا ومالأقنهش.
مسعد :
يبقى لازم بقى خرج بدري.
نصار :
إنت جبت الذكاء دا كله منين؟ طب دانا ماعنديش ربعه. والله عشت يا نصار وخلفت.
مسعد :
أهو احنا كده يا ولاد العرب ... نغيب نغيب ونتريق على بعض. يا اخوانا مش كده الواحد برضك عنده إحساسات.
نصار :
ولما عندك إحساسات سايب الورشة وجاي ليه دلوقتي؟ انت مش عارف إن اللي هناك صنايعية ما يهمهمشي إذا اتنهب اللي فيها؟ عارف ولا مانتاش عارف؟
مسعد :
عارف ولا مانيش عارف؟ عارف.
نصار :
طب سايبها وجاي ليه؟ أقطع دراعي مش من هنا، من هنا، إن ما كان زمان نص الغرى اللي هناك طار. طار والا ما طارشي؟
مسعد :
طار ولا ما طارشي؟ ما طارشي.
نصار :
وجاي ليه أمال؟
مسعد :
جاي ليه؟ أيوة صحيح جاي ليه؟ مانت خدتني في دوكة. واحد جه يسأل عليك.
نصار :
واحد مين؟
مسعد :
مين؟ اللي بيجيلك كل مرة.
نصار :
مين يعني؟
مسعد :
مين يعني؟ مش عارفه؟ الراجل اللي بيحصل الكمبيالات. بتاع الشركة اللي شاريين منها الموتور.
نصار :
نهارك مهبب! هو احنا لاقيين فلوس ندي لخوك؟ وقلت له إيه؟ أنا مش قايل لك تقول له إني سافرت ولا مت ولا رحت في داهية.
مسعد :
ما قلت له.
نصار :
قلت له إيه؟
مسعد :
قلت له أبويا مش هنا.
نصار :
قال لك أمال فين؟
مسعد :
إيش عرفك؟ دا قال كده بالظبط. قلت له أبويا مش هنا. ف البيت.
نصار :
جدع! براوة عليك! يحميك! قال لك إيه؟
مسعد :
قال وآدي قاعدة لما ييجي.
نصار :
وجيت تندهني؟
مسعد :
صح كده، وجيت.
نصار :
شرفت.
مسعد :
شرفت؟ آدي احنا كده يا ولاد العرب ... نغيب نغيب ونتريق على بعض.
نصار :
حالا دلوقتي روح قول له إنك جيت لقيتني سافرت على مصر . اتحرك! يلا أنا داخل ألبس هدومي وأروح أشوف الواد راح فين. انت لسة هنا؟ (نصار يخرج من الباب الأيمن، مسعد يتوجه إلى الباب الأيسر.)
مسعد :
وافرض قال اني مستنيه هنا لما ييجي من مصر؟ أعمل إيه انا؟ (تظهر فردوس عند الباب الأيسر.)
فردوس؟ واقفة كده ليه؟ ما تخشي.
فردوس :
اسمع ... انت ما تكلمنيش.
مسعد :
ماكلمكيش؟ يا خويا إيه اللي جرى للناس النهارده؟ كله ع الحامي ع الحامي. الله! ما تطولوا بالكم شوية يا جدعان. دي مش أصول دي ... كل شيء يتحل على رواقة ... مالكو مستعجلين على إيه؟ الدنيا ما طارتشي. أهي قاعدة على قفا من يشيل بقى لها ياما، وياما لسة حتقعد ... على مهلكو شوية. مالك؟
فردوس :
أنا ماعدليش قعاد في البيت ده.
مسعد :
ليه مش لاقية كراسي ولا إيه؟
فردوس :
اسمع! طولة لسان محبش ... يا نشوف حتة لوحدنا يا اعرف شغلي. أنا مش أستنى هنا عشان كل ساعة أنشتم ويتلعن أبويا ع الجزمة، ويا ريتني على كده عاجبة. دا أنا هنا خدامة ... يرضيك كده؟ دانا هنا باشتغل خدامة (تنخرط في البكاء) .
مسعد :
أهو انتي تشوفي لك طريقة إلا البكاء ده. أنا ساعة ما بشوف حد بيعيط قدامي مزاجي بيتعكر، ولما مزاجي بيتعكر معرفشي أعمل حاجة.
فردوس :
ومن غير مزاجك ما بيتعكر هو انت بتعمل حاجة؟ دا انا كأني مجوزة أبو الهول (تبكي) .
مسعد :
أهو أنا مزاجي اتعكر دلوقتي.
فردوس :
ما يتعكر ولا يتهبب. دا انت شرابة خرج.
مسعد :
أنا يا بت؟ دا انا جوزك.
فردوس :
انت جوزي؟
مسعد :
أمال انتي جوزي.
فردوس :
والله ما انا عارفة أنا مجوزة مين في البيت ده؟
مسعد :
مش عارفة مجوزة مين؟ يخرب بيتك. انتي متجوزة حد تاني؟
فردوس :
الجوز هوه اللي يحافظ على الواحدة ويحميها. وانت هنا ولا كأنك هنا.
مسعد :
ولا كإني هنا؟ لأ، متربية صحيح.
فردوس :
أمال إيه فايدتك هنا؟
مسعد :
فايدتي هنا؟ طب دا أنا اللي شايل البيت دا كله وقايم به. أبويا خلاص شغلته دلوقتي إنه يلبس ويجج ويتأنتك في أوضة المكتب يقابل الزباين الهاي. أنا اللي بعرق وبشتغل. عرقي دا هو اللي بينزل الخشب يمسحه وعلى أجعص بلوك يشقه وعلى راس المسمار بدقة واحدة يدفنها في اللوح. استني استني! بصي لإيدي دي (يشمر ساعده الأيمن)
شايفة دي تخن إيه ودي رفع إيه! تعرفي دي أتخن ليه؟ عشان شايلة بيتنا ده كله زي قرن الثور ما هو شايل الدنيا. دي لو اكسرت يدشدش البيت، ولو عيت يموت البيت. شايفة دي من دي؟ شايفة؟
فردوس (تزيح يده) :
أنا مالي أنا ومال إيدك وتخنها والشغل والورشة؟ أنا هنا في البيت. البيت اللي مالكشي كلمة ولا قيمة فيه ... أنا حتى ما أقعدشي مع واحد مالوش قيمة.
مسعد :
قيمة؟ قيمة إيه بقى؟
فردوس :
كلمة مسموعة، مركز، طلب يمشي، أي حاجة. دانا اتفقعت مرارتي.
مسعد :
اتفقعت مرارتك؟ أما مالهاش حق. يا فردوس دا بيتنا حعمل لي فيه قيمة ولا مركز على مين؟ على أبويا؟ على أخويا؟ على أختي كوثر؟ هنا كلنا سوا سوا. نعيش سوا نموت سوا. وع الخير والشر سوا، وانتي بقيتي واحدة منا ولازم تبقي معانا.
فردوس :
مش باقولك شرابة خرج؟ حد منهم بيقول زي انت ما بتقول. كل واحد بيقول يلا نفسي وانت اللي عامل لي جدع وكلنا سوا. والحكاية إنك بتشتغل هنا مرمطون، وأنا جوزي ما يبقاش مرمطون.
مسعد :
المرمطون، ده يا بعيدة هو اللي يشتغل لأغراب. أنا باشتغل لمين؟ لاخويا عشان يخلص علام ولأختي عشان تجوز. فيها إيه دي؟
فردوس :
فيها انك صايع وحتفضل صايع كده. وبكرة أخوك يبقى مهندس ويخلف ولاد يبقوا أولاد الباشمهندس، ويجوز واحدة تبقى الست، وانت ولادك يبقوا ولاد المرمطون، ومراتك تبقى هي الخدامة.
مسعد :
أهو كلامك ده كلام خدامين ... دانتي فوقتي الواحد بكلمتينك دول. يا بت هو ضروري الواحد يبقى قبطان عشان يبقى كويس؟ ما كويس كده. أنا مبسوط على كده. أخويا مبسوط إنه حيبقى مهندس ... أنا مبسوط إن انا اللي بساعده عشان يبقى مهندس.
فردوس :
وحينوبك إيه وحينوبني إيه م المساعدة دي؟
مسعد :
ينوبنا إيه؟ هو ضروري الواحد ينوبه حاجة عشان ينبسط؟ كفاية إني بادي من غير ما باخد. فكرك انتي؟ لو مرة تعمليها بعقلك وتدي من غير ما تاخدي مش حتسليها أبدا.
فردوس :
مش حسلاها أبدا؟ الأكادة لسانك معايا زي البروة ومعاهم ولا تقدر تقول تلت التلاتة كام. يا أبو الهول انت، احنا لازم نشوف لنا سكن لوحدنا. فتح بقى وفوق! دا أنا وقعتي منيلة قوي. (يدخل نصار وقد ارتدى بذلة كاملة.)
نصار (يلمح الدموع في عين فردوس) :
الله! مالها فردوس؟ مالك يا حبيبتي؟
مسعد :
أصلها عاوزة يا سيدي ...
فردوس (مقاطعة) :
عاوزة إيه يابو لسان مزحلق انت؟ اسكت يا خويا لا انا عايزة ولا مايزة. (تخرج.)
نصار :
انت لسة هنا؟
مسعد (وهو يتجه إلى الباب الأيسر) :
أديني ماشي أهه ... أديني ماشي. كله ماشي. (يخرج لسانه ويتحسسه)
بقى حد يقول على اللسان الحلو ده مزحلق يا جدعان؟! (يجلس نصار على الكرسي الموضوع بجوار الحائط في وضع لا يراه الداخل، وفي نفس الوقت يندفع محمد داخلا وساحبا سعد من يده وقد وضعها فوق كتفه وتقبل هنية على صراخه).
محمد :
أهه أهه جبتهلكم أهه ... مش جدعنة دي؟
هنية :
وجاي كمان بالقميص مقطوع؟ أنا عميت من كتر لضم الإبر. والله والله ما أنا مادة إيدي عليه. (ثم لمحمد)
انت لقيته فين يا ولد؟
سعد :
هو أنا إيه؟ أرنبة ضايعة؟ ما تسأليني أنا.
هنية :
دا أبوك كان ناقص يهد البيت دا.
سعد (مقاطعا) :
بلا أبويا بلا عمي (أمه تحاول عبثا أن تغمز له وتفهمه أن أباه موجود)
أبويا ده كان زمان، دلوقتي أنا أبو نفسي. أنا مش عيل صغير، أنا راجل، لازم تفهموا كده. حادرب وححارب زي ما انا عايز؛ أنا حر في نفسي. وديني لمحارب واللي مش عاجبه يشرب من أوسع بحر.
نصار :
حتحارب مين إن شاء الله؟
سعد (متلفتا إليه ومدركا وجوده ومرتبكا، يقول وهو يسرع بمغادرة الحجرة من الباب الأيمن) :
لا مؤاخذة يا بابا ما كنتش أعرف انك ... لا مؤاخذة.
نصار :
تسمح كلمة يا بيه؟ (سعد يتوقف دون أن يلتفت.)
كنت فين؟
سعد (وهو لا يزال موليا ظهره وينظر بوجهه فقط) :
كنت كده (يشيح بيده) .
نصار (مقلدا إشارة سعد) :
كده فين؟ (هنية تأخذ كوثر وسوسن إلى الداخل) .
سعد :
في المعسكر.
نصار :
معسكر إيه؟
سعد (ملتفتا بكليته ورأسه إلى الأرض) :
بتدرب.
نصار :
بتدربو إيه؟
سعد :
بندرب ... حرب العصابات والتكتيك العنيف.
نصار :
عصابات وتكتيك عنيف؟ فكرك يخيل علي أنا الكلام ده؟ أقطع دراعي مش من هنا ... من هنا ... إن ما كت بتضحك علينا وتروح حتة بطالة انت وصاحبك المصوراتي الصايع اللي ساكن على السطوح، ولا الواد صاحبك ده اللي اسمه سامح، ولا هباب ولا بتشربوا خمرة ولا بتلعبوا قمار.
سعد :
يا بابا.
نصار :
بلا بابا بلا ماما. أنا أصلي ما يعجبنيش كلمة بابا دي. كنا زمان بنقول لأبهاتنا وكنا بنحترمهم دلوقتي بتقولولهم يا بابا وبتضحكوا عليهم. انت شايف الجرح اللي في رجلي ده اللي طوله تلاتين سنتي، ده عشان وأنا راجل قدك كده اتأخرت مرة بعد العشا بربع ساعة، فمسكني أبويا وعمي الله يرحمهم ويدشدش الطوب اللي تحت راسهم، وفضلوا يضربوا فيا لغاية أدان الفجر، إزاي تعمل عمل زي ده من غير ما تقول لي؟ إزاي ما تعمليش اعتبار؟ ومين يضمن لي إنك بتروح المعسكر؟
سعد :
يا بابا إن ما كنتش مصدقني اسأل ماجد وعبد الفتاح وسامح.
نصار :
أسألهم؟ أسألهم دا انتم حتى بقيتم زي البنات. الواحد يسأل البنت انتي كنتي فين؟ تقول كنت مع فلانة صاحبتي. ويروحوا يسألوا صاحبتها تقول كنت مع فلانة صاحبتي. والاثنين كانوا راندفو. أسألهم؟ إنت فاكرني داقق عصافير؟ بص لي كويس. شايف هنا عصافير؟
سعد :
يا بابا أقسم لك بشرفي.
نصار :
زي ما أقسمت لي بشرفك إن كتاب الماتيماتيكيا ولا اسمه إيه ثمنه عشرة جنيه، وإنه لازم قوي إن ما جبتوش تسقط، وأروح أسأل ع الكتاب ألاقيه مصلحة في وزارة الأشغال.
سعد :
يا بابا ...
نصار :
تعال هنا. بقول لك تعال هنا (يتقدم سعد ويقف نصار)
شممني بقك. وريني صوابعك. طلع المنديل .
سعد :
اسمح لي دي إهانة يا بابا.
نصار :
هو انت لسة شفت إهانات؟
سعد :
يوهوه ... دي مش عيشة دي (يسرع في اتجاه الباب الأيمن) .
نصار :
تعال هنا. أنا خلصت كلامي؟ تعال هنا (سعد يقف عند الباب ) إيه حكاية التدريب دي اللي طلعت لنا فيها على آخر الزمان؟
سعد :
أنا ما طلعتش فيها ولا حاجة.
نصار :
بتدربوا ليه؟
سعد :
بنستعد.
نصار :
لإيه؟
سعد :
زي ما انت شاري المسدس الجديد اللي جوة ده، شاريه لإيه؟
نصار :
لما أسألك تجاوبني بس، والمسدس ده ينفع يخوف. إنما انتم إيه حكايتكم؟
سعد :
الله! انت مش عارف يا بابا؟ إيه يا خويا ده؟ بنستعد للمعركة.
نصار :
معركة إيه؟
سعد :
الله! ما انت عارف كل حاجة يا بابا. مش عاوزين يهجموا على مصر عشان أممنا القنال؟
نصار :
وعشان أممنا القنال يهجموا علينا؟
سعد :
انت بتسألني أنا؟ ما تسألهم هم.
نصار :
هم؟ هم البعدا لو كانوا عاوزين زي انت ما بتقول يهجموا ما هجموش ليه من زمان؟ ما عملوهاش ليه من ساعتها؟ مستنيين إيه؟
سعد :
بيستعدوا ... فاحنا رخرين لازم نستعد. الله انت مش عارف يا أخي الحديث اللي بيقول: وجهزوا إليهم ما استطعتم من الخيل.
نصار :
أولا أنا مش أخوك أنا أبوك. ثانيا لما نجيب سيرة الحديث لازم تقول الحديث الشريف. ثالثا ده مش حديث دي آية قرآنية معروفة كالشمس. رابعا يا خويا انت تعلمت الديانة فين؟ في بار اللوا؟ دا أنا لو طلبت من الخواجة ماستو كلي إنه يقول الآية دي كان قالها مظبوطة. ولا أخلاق ولا دين ولا حاجة أبدا. صحتها يا باشمهندس:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم
صدق الله العظيم. والكلام ده يبقى صحيح لما يكون فيه قدامك عدو انت شايفه وهو شايفك، إنما هم فين الأعداء دول؟
سعد :
في قبرص وإسرائيل وبريطانيا.
نصار :
ماهم طول عمرهم في قبرص وإسرائيل وبريطانيا. ماهجموش علينا ليه؟
سعد :
أصل شوف يا بابا ... احنا استقلينا دلوقتي وبدينا نقوى، الاستعمار مش عايز كده، عايزين يرجعوا تاني يحتلونا.
نصار :
ولما هم يا حضرة عايزين يرجعوا كانوا طلعوا من هنا ليه؟
سعد :
احنا طردناهم.
نصار :
انتم مين؟
سعد :
احنا الشبان والرجالة اللي زيي كده.
نصار :
الشبان اللي زيك اللي كل اللي بيقدروا عليه انهم يسبسبوا شعورهم ويبصبصوا للبنات؟
سعد :
أيوة، هم دول بالظبط. بس هم دول اللي طلعوا الإنجليز. احنا الجيل اللي هزم الإنجليز، واحنا اللي حنردهم برضك ونهزمهم إذا فكروا انهم يرجعوا تاني ... ما تسيبنا نهزمهم.
نصار :
انت تهزمهم؟
سعد :
كلنا نهزمهم.
نصار :
حد ييجي يا بني قدام القطر ويصدر له؟
سعد :
احنا القطر.
نصار :
يا شيخ اتلهي. الجيل بتاعنا قال! عايزين تصلحوا الدنيا وانتم نفسكم عايزين تصليح. الأعداء اللي بتقول عليهم دول مش في قبرص ولا دياولو. يا شيخ أعداءك وحياتك هنا (مشيرا إلى صدر سعد)
جواك. ابقى الأول اتدرب على حرب العصابات اللي هنا. انت فطرت؟ يا هنية هاتي لسعد يفطر. (يكمل الجملة وهو خارج.)
سعد :
ما فيش فايدة. عقول جمدت على كده خلاص وربطت. الأعداء هنا قال؟
هنية : (تدخل حاملة طبقين في صمت وتضعهما على التربيزة).
سعد :
شيلي اللي انتي جايباه ده مش فاطر (يخرج سيجارة ويشعلها) .
هنية :
وسجاير إيه دي رخرة كمان؟
سعد :
وحشيش وخمرة وأي حاجة حاعوز أشربها حاشربها. عايزة إيه بقى؟
هنية :
هي عين وصابتك؟
سعد :
بطلوا تخريف بقى. (يمسك كوبا من فوق الكونسول ويقذفه إلى الركن بعنف فينكسر) . بطلوا تخريف بقى، إحنا عايشين في عصر الذرة، وانتم تقولوا الأعداء هنا، الأعداء هناك في قبرص وإسرائيل وحلف بغداد واحنا لسة هنا.
هنية :
أعداء مين يا بني إن شا الله العدوين اللي يكرهوك.
سعد :
أنا عارف أعداء مين (يخاطب أمه)
فيه صحيح أعداء هنا (مشيرا إلى صدره)
بس دول ظل للأعداء اللي برة، الواحد بيبقى مكار ليه؟ علشان الأعداء هم اللي علموه يمكر عشان ينتصر عليهم. بيبقى أناني ليه؟ عشان عدوه أناني. أعداءنا اللي جوانا هم الاستعمار برضك. هم الإنجليز. وإذا غلبنا الأعداء اللي برة، حنغلب ظلهم اللي جوة. وما فيش طريقة لقهر اللي جوة إلا بالقضاء على العدو اللي برة. النفس أمارة بالسوء ليه؟ لأن العدو أمار بالسوء ... إبليس والشيطان هم العدو، فاهمين؟
هنية :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يابني. إنت جرى لك إيه؟ افتكر مين بص لك وانت خارج عشان أرقيك بحتة من هدومه.
سعد :
ولا انتي فاهمة ولا حاجة! وبرضه الأعداء عندك هم المصريين اللي زيك اللي بيحسدوا قال. ارقيني من الأمريكان والإنجليز. ياباي! والله انتو عايزين وباء ... طول ما في مصر ناس زيكم حانفضل وراء العالم بمليون سنة ... شيلي الأكل ده بقول لك.
فردوس (تظهر على الباب) :
حانطبخ إيه يا نينة النهارده؟
هنية (بزعيق هائل) :
سم هاري.
فردوس :
دا أتبن بختي مايل قوي (تختفي).
سعد :
اوعي سيبيني! عدو عاقل أحسن منكم والله، ولا حتى مجنون. دا انتم إيه؟ إنتم عبيد. أخلاق عبيد وفلسفة عبيد. حتى ربنا بتعبدوه عن خوف! كل عيشتكم ليها محور واحد بس هو الجبن. ما تبصليش كده أنا مش مجنون ولا برج من عقلي طار. إمتى بقى حتسيبو الخوف الأزلي ده؟ إمتى حتتحركوا وتبقوا بني آدمين؟ عشتم مذلولين وعايزين تذلونا معاكم. فول؟ جيبالي فول؟ كل عيشتكم فول. زي ما الحب بتاعه مهري في الطبق وراكد ومستسلم، انتم كده.
هنية :
اسمع يا وله. أنا ساكتالك م الصبح، إنما وديني وما أعبد ... (تنظر إليه بوعيد شديد) .
سعد (بتحد) :
ودينك إيه؟ (هنية لا تنطق وتظل تحدق فيه برهة ثم تستدير فجأة وتسرع خارجة)
ما فيش فايدة دي عقول متحجرة. (سعد ينتظر إلى أن تخرج ثم يقف في مكانه مترددا برهة ثم يتوجه إلى النافذة ويحدق من خلالها ويتلفت حوله ليتأكد من أن أحدا لا يراه ثم يصفر صفارة خاصة ويشير بيده وكأنه يخاطب شخصا ما عبر الشارع)
هاللو. (ثم لنفسه)
يا سلام! البت احلوت قوي ... وعاملة شعرها كده ليه؟ (بصوت عال)
عاملة شعرك كده ليه؟ زعلانة؟ طيب معلشي. أصل امبارح كان عندنا تدريب. أيوة، كتفا سلاح، جنبا سلاح، وبتنا هناك. أشوفك طيب النهارده . (ثم لنفسه)
الله يخرب بيت مخك. (يأتي بيديه إشارات عصبية على أنه يريد أن يراها اليوم) ... النهارده ... عايز أشوفك النهارده، أنا (يشير بإصبعه) ... وانتي (يشير بإصبع اليد الأخرى)
نتقابل (يضم الإصبعين معا) ... مانتيش فاهمة؟ (لنفسه)
إيه غباوة بنات الأيام دي أعوذ بالله! (يتلفت ثم يرفع صوته ويقول بالإنجليزية: أريد أن أراك اليوم) ... أيوة الساعة ستة. هناك برضه. أيوة ستة، واحد اتنين تلاتة أربعة خمسة ستة، بوسة بقى ... بوسة عشان خاطر بابا. (يدخل نصار من الباب الأيمن، ويقف على الباب دون أن يلاحظ سعد)
عشان خاطر باباك. طب عشان خاطر باباي أنا. هه! (يقبلها في الهواء) (ثم لنفسه)
والله الأبهات لهم فايدة أهه! استني ... استني يا مجنونة. (يضرب الهواء بيده في فروغ بال، ثم يلتفت فيفاجأ بأبيه واقفا)
الله!
نصار :
هو ده التكتيك العنيف ولا إيه؟
سعد :
الله انت هنا من زمان يا بابا؟
نصار :
م الساعة ستة.
سعد :
دي أصلها ...
نصار :
ولا أصل ولا فصل ولا لزوم للشرح، حتقول إيه؟ بس يعني كنت دور على بنت من حتة ثانية. ما حليتشي في عينك إلا بنت محمد أفندي؟ الراجل صاحبنا طول النهار قاعدين ع القهوة مع بعض. ثم بنته يعني ... يا شيخ ... جتك البلى دي مناخيرها تسد حارة.
سعد :
طب ... طب ... طب ... خلاص (يقول هذا وهو يغادر المسرح من الباب الأيمن) . (ينتظر نصار إلى أن يختفي سعد وينظر من الشباك ويخرج لها لسانه، في تلك اللحظة تدخل هنية)
هنية :
بتعمل إيه يا نصار؟
نصار :
باعمل إيه إيه؟ بلم مصايبكم، إيه اللي كسر الكبايه دي؟ علي الطلاق بالتلاتة ما انا شاري بدالها ... انتم لكم كل يوم دستة. دا بالطريقة دي يتخرب البيت خراب مستعجل. (تقترب هنية من الركن وتنهمك في لم أجزاء الكوب.)
نصار :
إيه اللي كسرها؟
هنية :
وقعت مني.
نصار :
وقعت منك إزاي؟
هنية :
غصب عني. (هنا ترفع قامتها فتلمح الفتاة في النافذة المقابلة فتنظر إلى نصار ثم إلى الفتاة مرة أخرى وتقول.)
هنية :
نصار!
نصار :
ما لك يا ولية!
هنية :
نصار!
نصار :
جرالك إيه؟
هنية (لنفسها) :
يكونشي الراجل اتلحس يا ناس؟ أصل جنس الرجالة ده لما بيكبر بيخرف (ثم لنصار)
البت دي واقفة متسمرة في الشباك ليه؟
نصار :
وايش عرفني أنا؟ بتسأليني ليه؟ بنات ملاديع ... تلقاها واقفة مستنية حد يعاكسها.
هنية (بعد فترة صمت) :
حاج!
نصار :
أخ ... يا فتاح يا عليم ... يا ستار يا رب ... تعرفي إنك لما بتناديني كده ركبي بتسيب ... يا ولية على إيه عقدة البوز دي كلها؟ تلاتين سنة مجوزك ماظبطتكيش مرة متلبسة بضحكة. انتي حد حاكم عليكي بالحزن المؤبد؟ (هنية تهم بالبكاء)
طيب أنا غلطان، حاكم أنا عارف البكا عندك كيف، مزاج، أفيونة. لازم تغيري ريقك على طورة. دانتي بتعملي كل المقدمات دي عشان تعيطي بس ...
هنية :
مانا اللي أستاهل ... أنا بعيط عشان مين؟ مش عشان بلاويكم. إنتم كل واحد عايش على كيفه، وإذا ضحك ضحكة يضحكها برة. وإذا زعل ولا اتخانق ما يلقاش حتة يزعل فيها إلا هنا. الهم كله أنا شايلاه، كنت أذنبت يعني؟ عشان إيه دا كله يا رب؟ وما ينوبني إلا طولة اللسان بتاعتك.
نصار :
الدرس الديني ده أنا حافضه كله وسمعته مليون مرة، ومستعد أسمعه بالكلمة الواحدة ... فيه إيه؟
هنية :
سعد.
نصار :
ما له؟
هنية :
أمال كان بيكلم مين؟ كان بيكلمني؟ انت عايزه يجيني البعيد متشال على نقالة؟ اعمل حسابك قبل ما يحصل ده لازم تموتني الأول.
نصار :
به. به. به. يا فتاح يا عليم! بقى كده خلاص موتيه وحطتيه على النقالة وعايزة تموتي نفسك رخرة؟ يا خويا الستات دول عندهم التشاؤم بالسليقة. بقى الولد بيدرب، فانتي خلاص أعلنتي الحرب وجبتي العساكر وانضرب سعد ومات. أعوذ بالله!
هنية :
أمال بيدرب ليه مش عشان يحارب؟
نصار :
يحارب إيه يا ولية؟ هي فين الحرب (سوسن تدخل من الجانب الأيمن)
تقدري تقولي لأمك فين الحرب يا سوسن؟
هنية :
أمال بيدرب ليه؟
نصار :
عشان فاضي. عشان مش مضطر يأكل عيلة. عشان لاقي صحابه بيعملوا كده. عشان فرحان بالبندقية. فيها إيه دي؟
هنية :
فيها إن لما تقوم الحرب حيجيبوه يحارب.
نصار :
لما تقوم الحرب.
هنية :
ما هي حتقوم.
نصار :
وايش عرفك يا فيلد مارشال هنية؟
هنية :
يا خويا بلا نيلة ... الجرانين مليانة والناس بتتكلم.
نصار :
خلي الجرانين تتملي والناس تتكلم. حد يصدق كلام الجرانين؟ دا من قبل ما تخلص الحرب العالمية اللي فاتت وكل أما الواحد يفتح جرنان يلاقي فيه إن الحرب العالمية التالتة على الأبواب. دا من سنة 45 الكلام ده، وفاتت سنين وسنين ولا جت الحرب على الأبواب ولا طلبت. دا اللي يصدق كلام الجرايد ده يبقى مخه ورق.
هنية :
أنا قلبي من جوة حاسس. افرض يعني قامت.
نصار :
قلبك من جوة ده تنبؤاته زي تنبؤات مصلحة الأرصاد تمام. وإذا كان بيقول كده فيبقى مش حتقوم أبدا. حرب إيه يا ناس اللي حتقوم؟ العيال بتهيص برة أهه، والدنيا صافية زي الفل، والناس كل واحد مشغول بلقمته، ويقولوا الحرب حتقوم!
هنية (وهي خارجة) :
أنا قلت لك أهه، وبكرة تقول قالتها.
نصار :
روحي يا شيخة جك داء الحرب.
سوسن :
بابا. يعني إيه الحرب يا بابا؟
نصار :
يعني إيه إيه؟ ربنا ما يوريها لك يا بنتي.
سوسن :
ليه يا بابا؟ بس قول لي يعني إيه؟
نصار :
انتي عارفة يا سوسن يوم القيامة؟ أمك ما قالتلكيش عليه؟ لما بتندك الأرض وتبرق السما وتبقى الجبال كالعهن المنفوش؟ أهي الحرب لما تقوم تبقى القيامة قامت.
سوسن :
خليها تقوم يا بابا.
نصار :
تفي من بقك! ليه يا بنتي ليه؟
سوسن :
عشان أتفرج على يوم القيامة.
نصار :
ربنا ما يجعلنا نوعاها يا بنتي، ولا انتي توعيها، ولا ولاد ولاد ولادك يوعوها ... ربنا ما يوريكي يا بنتي.
سوسن :
لا لا. خليه يوريني يا بابا.
نصار :
ألاه يا سوسن ... روحي يلا! روحي العبي ... يلا روحي!
سوسن :
إخص عليك يا شيخ، إنت كل واحد تزعق له؟ إيه ده يا شيخ؟ دا انت خسرت خالص ... هه، أنا مخاصماك. (تخاصمه بإصبعها الصغيرة ثم تخرج.) (يسمع قبقاب مسعد ثم يدخل.)
مسعد :
أبا. أبا.
نصار :
ما لك؟
مسعد :
ما لي ؟ جرجس أفندي مندوب الشركة.
نصار :
ما له؟ مش قلت له إني سافرت مصر.
مسعد :
قلت له. قال لي حتى لو كان راح الصين مانيش منقول م الورشة إلا لما ييجي.
نصار :
وعملت إيه؟
مسعد :
عملت إيه؟ جيت أقول لك.
نصار :
بقى بذمتك مش مكسوف من نفسك؟ انت بني آدم انت؟ ماطردتوش برة ليه؟ ما مسكتش القدوم وخبطته خبطتين على نافوخه ليه؟ والنبي واللي نبى النبي أقطع دراعي من هنا هه، إنك جحش.
مسعد :
جحش؟ أنا مش المرة اللي فاتت مسكت له القدوم وطلعته برة قلت لي تمسك له القدوم ليه يا جحش؟ بقى إذا مسكت له القدوم أبقى جحش، وإذا ما مسكتش القدوم برضه أبقى جحش؟ والنبي جحش صحيح اللي يسمع كلامك. جحش ابن جحش ...
نصار :
اخرس! غور من وشي، جتك البله.
مسعد :
تعرف يا أبا؟ أنا مش جحش. أنا حمار. أنا أقل حتى م الحمار ... حتى الحمير بترفص. أنا أصلي حمار ابن ناس ما برفصشي (يستدير ويمضي إلى باب الوسط) .
نصار :
انت زعلت يا مسعد؟
مسعد (وهو مخنوق بالبكاء) :
الله يسامحك!
نصار (يمضي إليه ويأخذه تحت إبطه الأيمن) :
إخص عليك يا مسعد. حقك علي ... معلشي. فين سعد؟ الظاهر إني خسرت خالص زي ما بتقول سوسن. مزعلك ومزعلها ومزعل سعد وكوثر، وحتى محمد راخر مزعله، وأزعلكم على إيه يا ولاد؟ حد ضامن الموت من الحيا؟ ما تزعلوش. تعال يا مسعد. (يأخذه تحت إبطه الأيسر)
فين سعد؟ يا سعد. تعال يا سعد، يا سوسن. تعالي يا كوثر. (يقبلون على دفعات مترددين فيضمهم تحت إبطه الأيسر ويتقدم بهم وبمسعد إلى منتصف الحجرة)
تعالوا يا ولاد، إنتوا زعلانين مني؟ أما انتو مالكوش حق صحيح. أنا أبوكو برضه يا ولاد ... وانتو أولادي. دا احنا عيلة يا ولاد، ودي أمكم. (مشيرا إلى هنية التي تقف عند الباب)
عارفين يعني إيه عيلة؟ دي عيلتنا يا ولاد، انتم لمتنا وكترتنا وبركتنا. (يقبلهم جميعا)
إخص عليكم، أنا ليا مين إلا انتم؟ وانتم ليكم مين غيري؟ أهو انتم ولادي وأنا أبوكم. وحش أبوكم، كويس أبوكم. وإنتم ... تزعلوا مني ولادي، تطيعوني ولادي، تعصوني برضك من صلبي. ربنا يخليكم! ربنا ياخد من عمري ويضيف لأعماركم! ربنا يشقيني ويسعدكم، ويعريني ويكسيكم، ويحرمني ويكفيكم، ويقعدني ويوفقكم. يا أعز أحباب في الدنيا، يا ولادي.
الأولاد (في وقت واحد) :
الله. الله! ما تقولشي كده يا بابا. احنا ولادك وانت أبونا. أحسن أب ف الدنيا أبونا.
محمد (يقبل من الخارج في اندفاع عظيم) :
بابا ... بابا بابا بيقولوا اليهود هجمت يا بابا. والحرب قامت والله العظيم. (يحل عليهم الوجوم ثم لا تلبث جماعتهم أن تتفرق وينظر نصار إلى محمد ثم إلى بقية أولاده بذهول.)
نصار :
بتقول إيه يا غراب البين انت؟ حرب إيه؟ احنا في إيه ولا ف إيه؟
سعد :
شفت يا بابا مش قلتلك، أهي الحرب قامت.
سوسن :
صحيح؟ صحيح يا أبيه؟ سامع يا بابا. هيه. هيه. يا حلاوة يا عيال ... يا حلاوة يا عيال ... القيامة قامت. (ستار)
الفصل الثاني
(
المنظر:
قطاع طولي في بيت العائلة، يشمل حجرة نوم الوالدين إلى يمين المسرح، وتحتل الصالة المنطقة الوسطى الكبرى من المسرح، بينما يحتل المدخل الجانب الأيسر.
حين يرفع الستار تبدو الصالة فقط، بينما الجزءان الآخران (المدخل وحجرة النوم) تحجبهما ستائر داخلية تفتح حين تنتقل إليهما الأحداث في جزء متقدم من الفصل.
الصالة مستعملة حجرة طعام، في المواجهة يفتح عليها باب يؤدي إلى حجرة مسعد وزوجته، إلى يمينه باب على شكل «آرش» يؤدي إلى المطبخ وبقية أجزاء البيت.
في الصالة كل معدات حجرة الطعام التي تستعمل للزينة أكثر ما تستعمل لتناول الطعام. وإن كان قد أصابها القدم وشاخت.
بين باب حجرة مسعد والباب المؤدي إلى المطبخ توجد ساعة حائط غريبة الشكل تبدو وكأنها أول ساعة حائط صنعت، وإن كانت لا تزال تؤدي عملها ولا تزال دائرة. أسفل الساعة توجد حقيبة يعتز بها الحاج نصار كثيرا ولهذا يعلقها في هذا المكان المرتفع. الحقيبة قديمة جدا ومصنوعة من الخشب ويطل منها منشار علاه الصدأ.
حين يرتفع الستار نجد سعد وسامح يقفان في المدخل أمام الباب الخارجي يرتديان القمصان والبنطلونات. سامح شاب طويل نحيل أطول من سعد كثيرا وله «قتب» ويرتدي نظارة طبية سميكة، وتحس من ملابسه وطريقة حديثه أنه كما يقولون «ابن عيلة» أي أنه ابن عائلة أغنى قليلا من العائلات المتوسطة.
الوقت حوالي التاسعة والنصف مساء.)
سامح :
تفتكر نوصل هناك إمتى؟
سعد :
حنقوم من هنا الساعة اتنين، أظن نوصل هناك ع الصبح.
سامح :
ياخي قول حنوصل ع الضرب على طول.
سعد :
حد عارف يا سامح؟
سامح :
بس الواحد مش فاهم حاجة ... إزاي الهجوم اليهودي دا يحصل، وإيه حكاية الإنذار دي؟
سعد :
شوف. دلوقتي إنت مش مدني، إنت راجل عسكري، ما عليك إلا التنفيذ ... مش شغلنا نناقش دلوقتي. أمر نسافر العريش لازم نسافر ... اضربوا نضرب.
سامح :
وإذا قالوا موتوا برضك نموت؟
سعد :
مش دي اللحظة اللي بنستعد لها من زمان؟ أهي جاتلك لحد عندك ... سامح ياك تكون خايف؟
سامح :
أنا؟ هو ده معقول؟ أخاف من إيه؟ دكها حيكون معاه بندقية وأنا معايا بندقية حاخاف منه ليه؟ (يضحك وكأنه قد تذكر شيئا)
مش انت اللي كنت دائما تقول إن الإنسان يجب أن يكون أشجع الحيوانات؟ والحيوانات ما بتخفشي من بعضها ... عمر أسد ما خاف من أسد، ولا القطة بتخاف م القطة، فاشمعنى الراجل يخاف من راجل زيه؟
سعد (مبتسما) :
تخاف ليضربك.
سامح (بحماس) :
أضربه قبل ما يضربني.
سعد :
يمكن هو اللي يضرب الأول.
سامح :
أنا اللي أكيد حاضرب الأول.
سعد :
تضمن منين؟
سامح :
لأن هو اللي حيخاف الأول، واللي يخاف الأول رصاصته تطلع الآخر.
سعد :
وإيش ضمنلك إن رصاصته تطلع الآخر؟
سامح :
درر صديقي سعد الغالية.
سعد :
درر إيه؟
سامح :
مش فاكر الضهر واحنا بناكل سندوتشات من الكانتين، وانت متحمس وبقك مليان طعمية وبتقول: أنا مش ممكن أخاف؛ أنا الأقوى؟ هو جاي يسرق بلدي وأنا بدافع عنها؟ هو غريب وأنا في أرضي؟ هو بيحارب بماهية وأنا بحارب بإيمان؟ هو اللي حيخاف الأول؟
سعد :
لأ برافو! جدع يا سامح! قد نصبتك فارسا على العريش فاركع وتقبل بركاتي. (يركع سامح)
اذهب فأنت فارس. إنما قول لي، بذمتك مش خايف بجد؟
سامح (بعد أن ينظر إليه مليا من فوق نظارته) :
شوية. وانت؟
سعد :
أبدا ... إيدي أهه.
سامح :
وتفتكر أنا جبان عشان خايف شوية؟
سعد (بعصبية) :
جبان؟ إيه الكلام الفارغ ده؟ دا هم شوية الخوف الصغيرين دول هم الشجاعة. أنا مرة واحد قال لي إن شوية الخوف دول هم اللي بيعملوا أشجع الشجعان، هم المصل اللي ضد الجبن، زي الواحد ما بياخد جرعة مرض صغيرة فتديلو مناعة ضد المرض الكبير. اذهب يا بني فأنت فارس العريش بلا نزاع ... بس إياك، باباك ما يزعلش.
سامح :
بابا؟ انت مش عارفه؟ دا لما غبت عن التدريب يوم كان حايطردني من البيت. دا راجل واخد الحكاية جد قوي ... الظاهر من كتر قراءته لروايات الجيب ... طول النهار قاعد يقرا فيها وسايب زباين الأجزاخانة ... دا أنا إن ما كنتش أسافر يمكن يضربني بالنار ... والله يعملها بعقله. دا ملك منظمة سيده، اسمع! ما عندناش وقت، أنا مروح وحافوت عليك واحدة ونص تمام؟
أصفر لك تطلعلي على طول. أوكي؟ سعيدة بقى.
سعد :
سعيدة يا سامح. (سامح يأخذ طريقه هابطا السلم ثم يتوقف ويلتفت إلى سعد.)
سامح (بصوت مرتفع) :
تحيا مصر يا سعد.
سعد :
وطي حسك. (ثم بصوت منخفض)
تحيا مصر يا سامح. (يختفي سامح ويدق سعد جرس الباب الخارجي فيخرج مسعد بجلباب النوم من حجرته ويوقد نور الصالة ويفتح الباب.)
مسعد :
سا الخير يا باشمهندس.
سعد (يرد بهز رأسه) :
بابا نايم؟
مسعد :
نايم قوي.
سعد (متوقفا في الطريق إلى الباب الآرش) :
مسعد
مسعد :
خير.
سعد :
احنا مسافرين الليلة الميدان. وأنا ... وأنا ...
مسعد :
الميدان الميدان؟ حتحارب يعني ولا إيه؟ دي الظاهر بقت جد. دا مراتي عندها حق. مسافر صحيح؟
سعد :
أمال بنلعب.
مسعد :
طب بقى ماتسبنيش خدني معاك.
سعد :
يا أخي اعقل. انت فاكرها إيه؟ دي حرب، حرب، الحرب يا اخوانا! الحرب اللي عمالين نستناها وندرب لها.
مسعد :
وأقعد أنا هنا أعمل إيه؟
سعد :
بس أنا عايز آخذ رأيك في حاجة يا مسعد.
مسعد :
مسافر الليلة الليلة؟
سعد :
بقول لك عايز آخد رأيك في حاجة ... أقول لأبويا ولا ماقولوش.
مسعد :
الحاج نصار؟
سعد :
أيوة.
مسعد :
وانت يعني إذا قلت له يسيبك؟
سعد :
ما فيش قوة تقدر تمنعني.
مسعد :
إلا أبوك دا عنده قوة ذرية، والله ما يعرف لو قطعت رقبته ما يخليك تخطي العتبة.
سعد :
يعني أسافر من غير ما أقول له؟
مسعد :
خلي دي علي أنا ... دي سهلة.
سعد :
بس يا مسعد ... يمكن ... يمكن أموت.
مسعد :
لا لا لا موت إيه؟ إن شاء الله حتجيب أجلهم وتيجي زي الهبوب.
سعد :
دي حرب يا مسعد.
مسعد :
جرى إيه يابو السعود؟ ما تشد أعصابك أمال.
سعد :
أعصابي زي الحديد. انت فاكرني يعني ممكن أخاف؟ إيه الكلام اللي بتقوله ده؟
مسعد :
طب ... طب وطي حسك لحسن أبوك يسمع، لا تلحق تروح ولا تيجي، واسمع انت إن شاء الله ماشي إمتى؟
سعد :
سامح حيفوت علي واحدة ونص.
مسعد :
طب وانت خارج تحاسب قوي، إوعى تعمل صوت لحسن الراجل يصحى ويحوشك ... وأنا حتلقاني مستنيك ع المحطة. حافظ على نفسك يا باشمهندس وارجع لنا سليم وربنا معاك.
سعد :
طب خش انت يا مسعد، خش انت.
مسعد :
حتلقاني ع المحطة. (يدخل إلى حجرته ويوصد الباب).
سعد (يهم بالنداء عليه) :
يا مسعد: (ولكنه يعدل عن النداء ويتمشى قليلا في الصالة حتى يصل إلى مرآة الشماعة فيحدق في صورته ويحدث نفسه).
تعرف المشكلة إيه يا سعد؟ انت مش خايف. كل الحكاية إنك خايف لحسن ساعة الجد تخاف. صحيح انت خايف لتخاف. فعلا أنا حاسس بكده. حاسس كأن الدنيا مغيمة خوف، وكأنها حتمطر، ولو! لازم أقاوم كل ده. منين جالي إحساسي ده؟ منين؟ بس معلش ... الفار ما بيخافش م الفار، والأسد ما بيخافش م الأسد. وأنا مش حاخاف، دا ضعف سخيف لازم أتخلص منه. تحيا مصر يا وله. (يخرج من الباب الآرش وما يكاد يختفي حتى ينفجر باب مسعد مفتوحا وتخرج منه فردوس وهي في ملابس الخروج ومعها حقيبة وفي أعقابها مسعد في حالة تحفز ظاهر.)
مسعد :
خشي يا بت جوا اختشي.
فردوس :
مش داخلة.
مسعد :
علي الطلاق ...
فردوس (مقاطعة) :
مانا داخلة، وديني إن ما وديتني لرايحة لواحدي.
مسعد :
يا بت إنذار إيه ده اللي انتي خايفة منه؟ افرضي حتى ضربوا البلد ما هو بيت أبوكي برضك ف البلد، وإذا كان فيه موت فالموت هنا مش زي الموت هناك؟
فردوس :
هناك أهلي، أموت ف وسطيهم.
مسعد :
وهنا أهلك برضك.
فردوس :
هنا أهلك انت.
مسعد :
يا بت ما دام اجوزنا ماعدشي فيه لا أهلي ولا أهلك دلوقتي أنا أهلك وانتي أهلي، جاك داء الجرب في أهلك. إذا عشنا نعيش مع بعض إذا متنا نموت مع بعض، في حضن بعض كمان ... كده ولا لأ؟
فردوس :
لأ.
مسعد :
ليه يا فردوس؟
فردوس :
أنا عندي أموت في حضن عزرائين أحسن. (تتجه إلى الباب)
جاي معاي ولا أروح لوحدي؟
مسعد :
لا جاي معاكي ولا مروحة لوحدك وإن رسيت على قتيل.
فردوس :
أبقى أصحي عم الحاج يروحني.
مسعد :
عمك الحاج؟ لو كان اجوزك ونسيكي عمك الحاج ده؟ ولا يعني كان اجوزك ونسيكي؟ ... جك داء في عمك الحاج.
نصار (من الداخل) :
الداء يجيلك ما تبراش منه يا مسعد يا ابن هنية. حاج مين اللي جه داء؟
مسعد :
هو انت سمعت؟ (بصوت مرتفع) دا الحاج أبوها. خشي يا بت ما دام صحي بقى نروح نشوف رأيه إيه ف العبارة دي.
فردوس :
والله ما أنا مستنية إلا دقيقة واحدة، وإن ما جتشي ما الا قايلة لعم الحاج يروحني.
مسعد :
أيوة، ما انتي كأنك مراته ... والله باينك مراته. طب تكوني مراتي إزاي وأنا لا خطبتك ولا اتجوزتك؟ هو اللي شافك وخدني أشوفك قلت له بقها واسع، يقوم الراجل يومها يقول لي إيش فهمك انت في النسوان يا جردل؟ هو لولا أمك كان بقها واسع كنت اتجوزتها؟ تبقي مراتي إزاي؟ نشوف رأي عمك الحاج إيه يا ست مراتي.
فردوس :
بقى بقي أنا اللي واسع يابو شلاضيم (وهي داخلة)
دقيقة واحدة، سامع! أنا ما استناش أموت هنا. (مسعد يغلق وراءها الباب ويتمشى في الصالة محدثا نفسه.)
مسعد :
تموتي هنا؟ أما حكاية! تعمل إيه يا وله يا مسعد يا وله؟ الحكاية زنقت قوي ورسيت لما بقت عيلتك كده ومراتك كده. عيلتك بتحبها ومش هاينة عليك. ومراتك يا وله يا مسعد يا ولة حلوة وبرضه مش هاينة عليك، أبوك كوم ومراتك كوم. تاخد أنهي كوم فيهم؟ تسيب أبوك وتاخد مراتك، ولا تسيب مراتك وتاخد أبوك؟ ولا تسيب أبوك ياخد مراتك وتاخد انت مرات أبوك؟ هو انت بقى مسطول وابتديت تخرف يا وله يا مسعد يا وله. (يشاور فكره هنيهة)
طيب تكلم أبوك في الموضوع ده، ولا دا موضوع ما يصحش الكلام فيه؟ كلمه ولا أقول لك بلاش، ما تكلموش. ولا كلمه أحسن. (يتجه ناحية باب حجرته ثم يعدل عن رأيه ويتجه ناحية حجرة أبيه، ثم يعدل ويتجه إلى باب ثم إلى باب أبيه ويدق عليه).
أبا. أبا نصار.
نصار :
عايز إيه؟
مسعد :
عايزك في كلمة.
نصار :
وفرها للصبح.
مسعد :
مستعجلة قوي.
نصار :
وانت حواليك مستعجل؟ خليها للصبح.
مسعد :
ماتستناش.
نصار :
والله إن ما كانت مستعجلة لمخليها ليلة سودة فوق راسك. خش. (يفتح مسعد الباب ويدخل ويرفع الستار المسدل على حجرة النوم في نفس الوقت فيبدو ما بداخلها ويدير مفتاح النور فيظهر بطول الحائط المواجه سرير نحاس يرقد عليه نصار وهنية، وعلى اليمين دولاب ملابس بمراية كبيرة جدا، وبجوار الحائط الأيسر كنبة إسطمبولي.)
مسعد :
يابا، فردوس عايزة تروح عند أهلها.
نصار (يستدير ليواجهه وهو لا يزال راقدا على الفراش) :
ليه؟
مسعد :
عشان الإنذار الإنجليزي.
نصار :
إنذار إيه يا بني؟
مسعد :
مش أنذروا بضرب البلد! ودي قال دي عايزة تروح عشان إذا ماتت تموت مع أهلها.
نصار :
بقى دي الكلمة اللي قلقت منامي علشانها؟ ياخي جك البعيد داء ... روح اجري ومدد رجليك. إنذار إيه وكلام فارغ إيه؟
مسعد :
يعني ما خليش فردوس تروح؟
نصار :
والله إذا كنت راجل وتعرف تحكمها ما تخليهاش.
مسعد :
إذا كنت راجل؟ والله كلك نظر يابا.
نصار :
روح يا شيخ، روح نام. وله يا مسعد (ينظر إليه نظرة ماكرة ويغمز بعينه) يمكن كلامها ده إنذار ليك يا واد عشان تتحرك ... اتحرك بالطزانة اتحرك.
مسعد :
لا يابا. أنا في الحاجات دي بغداد لي قوي. (يتجه إلى الباب خارجا ولكنه يعدل عن خروجه ويقول)
أمال الإنذار ده حكايته إيه! دا كل الناس عمالة تقول.
نصار :
امشي روح نام واصطبح على خير. وخليهم يقولوا.
مسعد :
يعني فكرك ما فيش ضرب؟
نصار :
يا بني روح نام. دا كله تهويش (يعتدل في الفراش)
أنا مش عارف الناس جرى لهم إيه؟ اتلحسم؟ يا عالم اليهود زي عوايدهم عملوا مناوشة وبقى لهم عشر سنين نازلين مناوشات، الإنجليز زي عوايدهم حبوا يستفيدوا من الحكاية دي ويتمحكوا فيها زي طول عمرهم ما بيتمحكوا، فنقوم نقول خلاص قامت الحرب.
مسعد (بصوت جاد) :
لأ الظاهر يابا الحكاية المرة دي جد.
نصار :
جد في عينك! إيش عرفك انت بالإنجليز؟ اسألني أنا اشتغلت معاهم خمس سنين وأعرفهم كويس قوي، دول أكبر مهوشتية في العالم. أيام الحرب كنت باشتغل في ورشة في التل الكبير اسمها ال «فايف بي أو دي»، تعرف كانوا طول النهار بيشغلونا ف إيه؟ نعمل دبابات خشب وورق وندهنها بوية عشان يهوشوا بيها روميل. الإنذار بتاعهم دا ورق.
مسعد :
ما بيقولوا فيه أسطول كمان في البحر يابا، دا راخر ورق؟
نصار :
أمال؟ لازم يسبكوا التهويش، مهو حاكم تهويش عن تهويش يفرق ... فيه واحد يهوشك تفتكره جد، وفيه واحد يكلمك جد تفتكره تهويش ... أهو الإنجليز دول حركاتهم طول عمرها تهويش ومصيبتنا إننا بنفتكرها جد.
مسعد :
دا فيه ناس حتى شافت الأسطول بعينها.
نصار :
ولا شافت ولا ديالو ولو. أهو اللي يقول شاف الأسطول يبقى لازم مسطول. انت مصدق حكاية الأسطول دي؟
مسعد :
هو أنا مسطول؟
نصار :
يحاربونا ليه؟ احنا عملنا فيهم حاجة؟ دول كانوا هنا قاعدين قلنا لهم يلا راحوا ماشيين، ولو كان في نيتهم حاجة كانوا تلحموا وقالوا مش ماشيين. وأزية ما آزيناهمش. خدها يا بني قاعدة كده على ميزان المية ما دام ما تأزيش حد ما حدش يأزيك أبدا. فاهم؟ روح نام بقى دوشتني الله يدوشك.
مسعد :
يعني أنام؟
نصار :
نام بقولك. (يخرج مسعد ونصار يكمل موجها حديثه لهنية)
يا ولية كل ليلة تستكرديني وتنيميني ع الحرف وانتي عارفة إني باحب أنام جوة، ولا يكونشي ده إنذار ليك انت راخر يا نصار؟ (يمد يده ويطفئ النور، وفي نفس الوقت يلتقي مسعد وهو يخترق الصالة بفردوس وهي خارجة من حجرتهما.)
فردوس :
هه؟ جاي معايا؟
مسعد (بإصرار) :
مانتيش مروحة.
فردوس :
والله العظيم مانا ...
مسعد (يقاطعها بصوت رهيب) :
قلنا مانتيش مروحة.
فردوس (تتراجع بظهرها إلى باب حجرتهما) :
وحد قال إنه عايز يروح. (تدخل بظهرها ويطفئ مسعد نور الصالة ويدخل وراءها ولا يقفل الباب.)
مسعد :
اقلعي هدومك ونامي.
فردوس :
مش نايمة انت شريكي؟
مسعد (بنفس الصوت الرهيب) :
قلنا نامي.
فردوس :
الله مانا رايحة ف النوم أهه. (يغلق باب حجرة مسعد ويطفأ نورها ويصبح المسرح في ظلام دامس، بعد فترة يبدأ شخير نصار يتصاعد. ثم تختلط به دقات الساعة الموضوعة في الصالة معلنة الواحدة بعد منتصف الليل، ثم يزيق السرير في حجرة نصار.)
هنية :
حاج، حاج نصار. سامع؟
نصار (بصوت النائم) :
فيه إيه؟
هنية :
فيه حس في الصالة.
نصار :
لازم القطة.
هنية :
هو أنا عبيطة دا رجل بني آدم بتتحرك.
نصار (يمد يده على السرير ويوقد نور الحجرة) :
مين اللي برة؟ (تسمع خبطة الباب.) (بصوت أعلى)
بنقول مين اللي برة؟ (بصوت هامس)
فين المسدس يا هنية. أنا كنت حاطه تحت حرف المرتبة، هو فين؟
هنية :
شلته في الدولاب.
نصار (وهو يفتح الدولاب ويتناول المسدس) :
بقى دا كلام؟
هنية :
وهو يعني انت بتعرف تضربه!
نصار :
أنا ما بعرفش، إنما إيش عرف الناس إني ما بعرفش أضرب نار.
هنية :
حاسب على روحك يا خويا، وإن كان حرامي سيبه ياخد اللي هو عايزه. كله فدا شعرة من شعرك.
نصار :
يا ولية سقطي قلبي . (يقف خلف باب الحجرة ثم يفتحه ببطء وهو يقول بصوت عال)
مين اللي برة؟ بنقول مين اللي برة؟
سعد (من داخل الباب الآرش) :
دا أنا.
نصار :
انت مين؟
سعد :
أنا سعد يا بابا.
نصار (يخرج إلى الصالة ويوقد نورها) :
سعد؟ ليه كده يا بني، ليه كده يا حبيبي؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. دا أنا شوية كنت حاضرب نار. انت خارج ولا داخل ولا انت فين؟
سعد :
أنا هنا يا بابا (يخرج من الباب الآرش وهو يرتدي ملابس الميدان) .
نصار :
انت كنت نائم من بدري، إيه اللي صحاك؟ دا انا بإيدي لافف عليك الغطا، صحيت ليه؟ (يفرك عينيه) الله إيه إلي انت عامله ده؟ لابس كده ليه؟
هنية : (تظهر على باب حجرة النوم مرتدية الروب) الله! إيه ده يا سعد؟
سعد :
ما فيش. استدعونا قالوا لازم نسافر الليلة ونقدم نفسنا، اللي تم تدريب واللي ما تمش.
نصار :
تسافروا فين؟
سعد :
غزة.
نصار :
ليه؟
سعد :
ما انت عارف يا بابا ... اليهود هاجمين. انت مش عارف إن فيه حرب، وكمان فيه إنذار مشترك، الله! ما انت عارف.
نصار :
ويعني كنت عايزنا نصحى ما نلقاكشي ولا إيه؟
سعد :
والله اللي حصل كده، مارضيتشي أزعجكم. وآدي انت عرفت أهه.
نصار :
تخرج سرقة كده؟ انت رايح تحارب ولا رايح تشترك في سطو؟
سعد :
حانعمل إيه؟ الواحد بييجي يعمل الحاجة قدامكم. ماترضوش، بتضطرونا نعملها من وراكم.
هنية :
شفت بقى يا نصار؟ آدي اللي أنا عاملة حسابه من بدري. أقول لك سعد بيدرب تقول لي ولا يهمك دا لعب عيال. أقولك حايحارب تقول لي هو فيه حرب؟ يقولوا اليهود هجمت تقول تهويش. طب دلوقتي أنا أعمل إيه؟ أشق هدومي؟ أرقع بالصوت؟ ألم علي البلد؟ صرفني حالا أعمل إيه؟ أهو رايح يموت نفسه أهه ... أعمل إيه؟
نصار :
اعملي لنا فنجان قهوة.
هنية (مختنقة بالبكاء) :
أعمل إيه أنا في مصيبتي السودة دي؟
نصار :
بقول لك اعملي لنا فنجان قهوة. تشربها إيه يا سعد؟ سكر زيادة؟ واحد سادة وواحد زيادة يلا اتحركي. انتي ليكي في الطبيخ في الغسيل، إنما مسائل الحروب دي سيبيها لنا.
هنية :
أسيبها لكم؟ أسيبها إزاي؟ لهو ابن مين ده؟ انت عارفه ابن مين ده؟ دا انت إذا كان هو مسمي على اسمك بس ... إنما دا حتة مني أنا ... أسيبكو إزاي؟
سعد :
اسمعي وحياتك، كتر الكلام مش حيفيد. خلاص انتهى وقت الكلام. دلوقتي عايزيني أسلم عليكو أسلم. كلمة واحدة غير كده ما حاسمعهاش. مفهوم؟
هنية :
يعني تجيني شايلينك على نقالة ومش عايز كلام؟ تجيني الدم مدهولك ولا البعيد متقطع حتت ومش عايز كلام؟ انطق يا نصار. صرفني أعمل إيه دلوقتي؟
نصار :
اعملي القهوة بقولك.
سعد :
يا ستي أنا لي دماغ بفكر بيه. وإذا كنتي عايزاني أرجعلك تاني ما تقوليش كده. أنا اللي في دماغي هو اللي حانفذه، إن شالله تنطبق السما ع الأرض.
هنية :
هي اللي بتكلمك غريبة يا بني؟ دانا أمك.
سعد :
أمي ما تندبشي علي كده.
هنية :
أمال عايزني أزغرتلك.
سعد :
أيوة. حد يودع ابنه بالطريقة دي؟ هو أنا رايح ...
نصار (وهو يدخل حجرة النوم) :
أيوة صحيح هو رايح يحارب ولا رايح يندفن؟
هنية :
ما هو يحارب زي يندفن. هم بيعملوا إيه غير إنهم بيدفنوا بعض.
سعد :
يوهوه يا نينا. ما فيش فايدة من كلامي معاكي، ما فيش فايدة، أنا في وادي وانتي في وادي. حرب ولا دفن انتي عايزاني أقعد جنبك؟
نصار (عائدا وهو لا يزال يرتدي البالطو فوق الجلباب) :
صحيح عايزاه يقعد جنبك يا ولية؟
هنية :
أنا حارد على مين ولا على مين؟ انت عايز تقتلني يا نصار انت وابنك؟ أنا كنت عملت إيه في دنيتي يا ربي عشان يجرالي دا كله؟ عايز يسافر تبقى تموتوني الأول.
نصار :
يا هنية، قلت لك روحي اعملي القهوة.
هنية :
ابعد عني يا أخي، سيبني أتكلم، أنا إن ما اكلمتش دلوقتي حاتكلم إمتى؟
نصار (يغضب حقيقي) :
علي الطلاق بالتلاتة إن ما رحتي تعملي القهوة لتبقي طالق. سامعة، ولا مانتيش سامعة؟
هنية :
أبقى طالق أبقى طالق. وبعد سعد حايهمني إيه؟ أنا ضامنة إني حاخلف تاني ولد ويكبر ويتعلم ويبقى مهندس زيه كده؟ احلف زي ما انت عايز.
نصار : (بنغمة خاصة) يا هنية.
هنية :
يا نصار ارحم، ارحم يا نصار، دانا قلبي مهري من جوة. قلبي استوى يا ناس ارحموا. (تخرج وهي في حالة تأزم عنيف وبكاء.)
نصار :
أعوذ بالله! إيه ده؟ نسوان عقولها فارغة. تعال يا سعد. ما شاء الله ما شاء الله. حد طايل يكون له ولد بقى راجل زيك كده ورايح يحارب ويدافع عن بلده؟ حد يزعل مندي يا ولاد؟ تعال يا سعد. تعال هنا ف النور أما أبصلك كويس. بالزمة مش حاجة تفرح القلب؟ ولا يا سعد، يخيبك! بسم الله ما شاء الله. تعال كده. (يقف بجواره واضعا كتفه بجوار كتف سعد.)
دا انت بقيت طولي حتى أطول مني. وشوف المغفلة أمك عايزة تقعدك جنبها.
سعد :
مرسيه يا بابا ... يا سلام عليك، انت هايل. طب بقى قبل ما نينا تيجي وتعمل لنا حكاية، سلام عليكو بقى. أصل سامح حيفوت علي دلوقتي عشان نروح سوا. سلام عليكو. أشكرك قوي يا بابا. مش حانسى لك دي أبدا. انت أروع إنسان في الدنيا. إنت وديني بطل. يعيش الحاج نصار بطل مصر والقومية العربية!
نصار :
أمال إيه؟ إنت فاكر يعني إن أبوك واد هلفوت من إياهم؟
سعد :
أشوف وشك بخير يا بابا. عن إذنك بقى.
نصار :
على فين؟
سعد (باستغراب) :
ماشي.
نصار :
كدهه م الباب للطاق؟ استنى يا أخي شوية نشرب فنجان القهوة وأقولك كلمتين من كلام الأبهات الفارغ ده اللي بيقولوه في المناسبات دي.
سعد :
ضروري يا بابا؟ ما فيش وقت.
نصار :
إلا ضروري؟
سعد :
طب والنبي بسرعة يا بابا. (يفتح مسعد باب حجرته ويطل منها وقد ارتدى جلباب نوم.)
مسعد :
الساعة كام يابا؟
نصار :
الساعة اللي تسد بقك فيها وتنام.
مسعد :
أنام إزاي وانتو عاملين الهيجان ده ف الصالة؟ شوية كده يا جدعان اعملوا معروف. (يختفي ويغلق الباب.)
سعد (يهمس) :
عايز تقول إيه يا بابا؟ وحياتك بسرعة . سامح أصله ...
نصار (مقاطعا) :
لاه ... بسرعة إيه؟ دانا على مهلي قوي دا انت لازم تقعد هنا هه. وتقعد كويس. أيوة كده وتولع سيجارة.
سعد :
ما باشربش.
نصار :
بتشرب.
سعد :
أقسم لك يا بابا ...
نصار :
لا تقسملي ولا أقسملك. أمال إيه اللي نافخ جيبك اللي فوق دهه؟ طلعها (يمد نصار يده ويخرجها)
ولع واديني واحدة وولع لي. وافتح لي مخك قوي واسمعني. أنا باشتغل إيه؟
سعد :
يا بابا أنا مستعجل بتشتغل إيه إيه؟ صاحب ورشة نجارة.
نصار :
وعارف أنا كنت الأول إيه؟
سعد :
الله! مالوش لزوم ده.
نصار :
حاتعرف لزومه حالا. شايف الشنطة دي؟ دي كنت باسرح بيها على باب الله، أصلح كنب وكراسي. وفكرك أنا ابتديت كده. عارف أنا ابتديت أشتغل من إمتى؟
سعد :
يا بابا.
نصار :
ابتديت وأنا عندي تسع سنين. وبكتير؟ بتلاتة تعريفة ف اليوم. أي وحياة الحسين والطاهرة بتلاتة تعريفة ف اليوم. كنت عايش بهم أنا وأمي. وتعرف علشان أوصل لصاحب ورشة كان لازم أعمل إيه؟ كان لازم أتعشى شهور بعيش حاف، وأبات أنا وأمك ليالي في الضلمة، وما اشتريش الجزمة إلا مستعملة وكل خمس سنين، وأفضل أمشي حافي وأشيلها تحت باطي عشان نعلها ما يدوبش. علشان أبقى صاحب ورشة كان لازم أدوس على كرامتي كتير، وأصهين كتير، وأتلزق على قفايا ما تعدش، وأسمع شتيمتي بوداني وأسكت، ويتلعن أبويا قول ألف مرة ف اليوم، علشان أبقى صاحب ورشة اتغربت وسافرت واشتغلت مع خواجات ويهود ونماردة، وشلت غارات إسكندرية كلها على دماغي، وأسرني الطلاينة في طرابلس مرة، وتهت ف الصحراء أربعين يوم وأكتر من كده حاجات لو تعرفها يقف لها شعر راسك. وعملت دا كله ليه؟ عشان أبقى صاحب ورشة. وأبقى صاحب ورشة ليه؟ علشان ما تشوفوش انتم اللي أنا شفته. علشان ما تعيشوش فقرا. الفقر انت يا بني ما تعرفوش. ما تعرفوش يعني إيه الواحد لما يبقى فقير، ما وقعتشي الدبانة ف الطبق اللي قدامك مرة واضطريت تشيلها وتغمس مطرحها، ما كلتش العيش المخشب ولا الحاف ولا المعفن، ولا كانتشي غدوتك كلها أبدا عبارة عن حصوة ملح، ما قملتش، ما حستشي مرة أبدا إن ريحتك طالعة وإنك قرفان من نفسك، ما احتاجتش الشيء ومالقتوش، ماعشتش أمي لا تعرف تقرا ولا تكتب وكل ما تشوف كلام مكتوب تحس إنك تور، وإن اللي بيقروا بس هم اللي بني آدمين، عارف؟ مقدر لما الواحد يحس إنه تور بجد، وإن كل الباقيين بني آدمين؟ مقدر دي؟ ما تعرفشي انت الفقر يا بني وكان لازم ما تعرفوش، وعلشان كده أنا تعبت واتعذبت واتغربت وشقيت عشان أضمن إنكم مش حاتشوفوا اللي شفته.
سعد :
يا بابا فاهم. بس دي حاجة واللي احنا فيه حاجة تانية.
نصار :
مستعجل على إيه؟ جايلك أهه في اللي احنا فيه وجاوبني. تقدر تقول لي، أديني كافحت العمر الطويل دا كله، وثروتي النهارده إيه؟
سعد :
الورشة طبعا.
نصار :
لاه. ورشة إيه؟ ثروتي انتم. إنت ... إنت بالذات ثروتي. إنت كفاحي في التلاتين سنة دول. إنت اللي طلعت أخوك مسعد دهه من المدارس علشان أقدر أشغل معايا واحد ف الورشة وأعلم واحد ... أعلمك إنت ... إنت اللي فات من عمري وانت اللي جاي، إنت مستقبلي ... مستقبل إخواتك، إنت اللي حاضمن بيك مستقبلهم. وبعد ما عملت أنا دا كله في سنين طويلة وسنين، جاي انت بسلامتك النهارده عايز تضيعه في شربة مية. في لحظة، في نزوة طايشة، في لعبة؟ وعايزني أسيبك؟ وعايزني أطاوعك؟ ياخي دا ولا في الأحلام.
سعد :
خلصت يا بابا.
نصار :
يعني إيه خلصت؟ هو أنا بتكلم علشان انت ترد علي؟ هو احنا في محكمة؟ أنا باتكلم كلام تسمعه وبس.
سعد :
مش ممكن أسمعه وبس. ما فيش حد ف الدنيا بيسمع وبس. أنا مش شاكوش ولا دكر أرنب مربيينه ف البيت. أنا بني آدم. أنا ابنك صحيح إنما أنا إنسان لي عقلي وتفكيري ولساني، ولي كلامي اللي لازم تسمعه.
نصار :
عايز تقول إيه؟
سعد :
اسمع يا بابا. المرة دي احنا مش بنكلم على مصاريف الكلية أو تمن البدلة. المسألة عامة ... قضية عامة يا بابا. حاجة ماكنتش أبدا أعتقد إنها ممكن تبقى موضوع مناقشة بيني وبينك. بابا ... لازم تفتح عينيك كويس وتشوف اللي جوايا. ما تغمضش عينيك ... انت قاعد مغمضهم من زمان كل اللي كنت شايفه في إني سعد ابنك. لا، أنا مش ابنك وبس، أنا واحد تاني. لي حياة تانية وآمال مؤمن بيها. الله! أنا بحب بلدنا يا أخي ... جريمة دي؟ اشنقني بقى.
نصار :
واشنقك ليه يا بني؟ أنا كمان بحبها. دا حب الوطن من الإيمان يا بني. بس الحب شيء والموت والجنان دا شيء تاني.
سعد :
دا مش جنان يا بابا. أنا مش أهبل ولا طايش ولا اللي بقول عليه دا نزوة. دا مش من النهارده بس، دا من أيام أما كنت باجيلكو بهدوم مقطعة م المظاهرات وتقول لي بتعمل كده ليه؟ أسكت. تحلفني إني ما اعملهاش أرجع أعملها تاني ... أنا مؤمن بحاجة تانية، والإيمان ده عايش جوايا من زمان. والخلاف اللي بيننا ده مش أول خلاف، بس كان زمان ع المظاهرات دلوقتي ع الحرب. زمان ما كنتش أعرف أقول ليه، دلوقتي عرفت. دلوقتي أقدر أكلم.
نصار :
ما تكلم يا أخي ... اتكلم. عاوز تقول إيه بسلامتك؟
مسعد (خارجا من حجرته وهو بجلباب النوم) :
ما دام بقى ما فيش نوم وفيها كلام، نسمع.
نصار :
خش أوضتك واقفل عليك بابك.
مسعد :
وأعمل إيه؟
نصار :
تنام وما اسمعشي حسك.
مسعد :
وأنام إزاي وأنا جوة سامع حسك؟ ربنا ما يحرمنا من حسك. يعني يا سي سعد ماكنتش قادر تخرج من سكات وكان بلاش الهللولة دي؟
سعد :
انت بتقول إيه انت راخر؟ انت فاكرني عملت دوشة وصحيتهم؟ هم اللي صحيوا.
مسعد :
وأديني أنا راخر صحيت. نقعد نسمع بقى وأمرنا إلى الله.
نصار :
تقعد بأدبك ولا تفتحشي بقك. عاوز تقول إيه يا باشمهندس؟
سعد :
عايز أقول إيه؟ أيوة (يتنحنح مرتبكا)
النهارده بلدنا في خطر. أيوة خطر صحيح. ولازم ندافع عنها.
نصار :
هيه؟
سعد :
أنا مع احترامي لكلامك يا بابا بس أنا شايف إن مصر عندك هي عيلتنا بس. عندي أنا عيلتنا الحقيقية هي مصر ... وعيلتنا دي في خطر فلازم ندافع عنها.
نصار :
تدافع عن مين يا بني؟
سعد :
عنا يا أخي ... الله! عنك ... عن أخويا مسعد ده. عن جيراننا. عن أمي. عن قرايبنا وأصحابنا وأصحاب أصحابنا عن كل المصريين أهل بلدنا. وأهل إسكندرية وحلب وكل واحد يقول أنا عربي.
مسعد :
الظاهر الواحد ابتدى يستمخ م الكلام.
نصار (لمسعد) :
احترم نفسك واقفل بقك العكر دا ولا تفتحوش. (ثم لسعد)
يا بني جيرانا مين وأهل إسكندرية مين؟ أنا محدش جاع لما جعت، ولا حدش اتعرى لما اتعريت، اشمعنى ساعة الجوع أجوع لوحدي، وساعة الموت عايزني أموت علشانهم؟ ما حدش يابني بيجوع عن حد، ولا حدش بيموت عن حد. كل واحد بيدافع عن نفسه بس، ويدافع لما يكون حد مهاجمه.
سعد :
أمال لما المسألة كده كنت بتتعب وتجوع وتخاطر بحياتك علشانا ليه؟ ما قلتش ساعتها إن كل واحد مسئول عن نفسه.
نصار :
وانتم غرب عني يا بني؟ دا انتم عيلتي وأولادي، إنتم أنا.
سعد :
وأهي مصر رخرة أنا.
نصار :
انت ابني يا بني.
سعد :
بس النهارده لازم أكون ابن مصر.
مسعد (يغمغم لنفسه) :
الكلام كلام حلو يا جدعان بس يا خسارة الرك ع التنفيذ.
نصار : (لمسعد) ولا كلمة بقول لك. (لسعد) مصر دي إيه دي؟ مصر دي كانت خلفتك ولا ربتك ولا علمتك ولا قاست عشانك؟ إنت ابني أنا.
سعد :
أنا ابنك وانت ابنها وكلنا أولادها. ومش انت ربتني بس ... كل الناس ربوني، وانت ما علمتنيش القراية والكتابة اللي علمني مدرس مصري، واللي عالجني دكتور مصري.
نصار :
كل الناس مين دول؟
سعد :
الناس اللي سلفوك وانت فقير، واللي قاولوك لما اغتنيت، واللي اشتغلت عندهم وانت صبي، واللي اشتغلوا عندك لما كبرت، واللي بنوا بيتنا وبيضوه، واللي بيصطادوا لنا السمك، ويزرعوا لنا الرز. ماتعرفشي دول؟ هو فيه حد بيعلم نفسه ولا يربي نفسه؟ دول كلهم النهارده في خطر ... مش لازم أدافع عنهم؟
نصار :
وتعرض نفسك للهلاك؟
سعد :
أعرضها.
نصار :
وإذا مت تبقى عملت إيه بشطارتك؟
سعد :
أبقى عملت الواجب.
نصار :
الواجب؟
سعد :
أيوة الواجب اللي خلاك تخاطر بحياتك علشانا.
نصار :
حاقول لك إيه يا بني؟ كلامك جميل بس مش داخل هنا (مشيرا إلى قلبه)
دماغي يا بني وياك بس قلبي أوديه فين؟
سعد :
قلبك يجمد قلبي.
نصار :
قلبي أنا؟ يا بني انت مش شايف قدامك إلا البلد اللي بتقول عليها بس، مانتاش شايفني ولا حاسس بي ... أنا شايفها وشايفك. وإذا كان من جهتي أنا إن مصر بتاعتي، فافرض لا قدر الله مت ساعتها تبقى مصر بتاعتك عندي تسوى إيه؟ قنال السويس يسوى إيه؟ الشعب اللي بتقول عليه يسوى إيه؟ الدنيا بحالها تسوى إيه؟ انت مستعد تموت عشان البلد تعيش، وانت ما تعبتش فيها ولا لكشي فيها أي حاجة. أنا تعبت فيك ولي فيك كل حاجة، ومستعد أموت ميت مرة عشان تعيش انت مرة واحدة.
سعد :
مستعد تموت علشان أنا أعيش. كلام كويس ... وإيه فايدتي أنا بقى؟ أنا فين في الحكاية دي؟ هو انت تعمل كل حاجة وأنا ما اعملش حاجة أبدا؟ اسمع يا بابا، أنا ممكن أكون رايح صحيح أدافع عن بلدنا، بس انت عايز الجد أنا لي هدف خاص من المرواح.
نصار :
هدف إيه؟
سعد :
عايز أعرف أنا أستحق أكون راجل ولا ما استحقش. عايز أعمل حاجة ... عايز أمتحن نفسي ... عايز أشوف ساعة الجد الواحد يبقى إزاي.
نصار :
وتمتحن نفسك على حسابي أنا؟ وتمتحن نفسك ليه؟ ما انت أهه راجل ملو هدومك قدامي.
سعد :
راجل إيه يا ناس! الرجولة دي مش سن، دا لقب كبير ... رتبة، لازم الواحد يعمل حاجات كتيرة علشان يستاهلها. الناس بتقول على الواحد راجل لما بيكون شجاع وملو هدومه. وبتقول عليه مرة مش لأنه أنثى، لأنه خواف وجبان وجعجاع. فانت عايزني مرة ولا راجل؟
نصار :
أنا عايزك مهندس.
سعد :
عشان أبقى مهندس لازم الأول أبقى راجل، والمهم إنك تخلف راجل مش مهندس.
نصار :
ما انا خلفت رجالة أهه. انت يا بني عندي أرجل راجل.
سعد :
وهو المهم عندك؟ المهم عندي أنا، سيبني أثبت لنفسي وأطلع راجل.
نصار :
تثبت لنفسك إيه يا بني؟ انت قدامنا راجل ابن راجل. قدامنا راجل ولا لأ يا مسعد؟ ما تنطق! افتح بقك العكر ده وانطق.
مسعد :
قلنا ننطق قلتو اطلعو م البلد.
نصار :
انطق.
مسعد :
كلامه معقول يابا.
نصار :
طب اخرس بقى ما تنطقشي.
مسعد :
أهو ده جزى للي يقول كلمة الحق.
نصار (بزعيق) :
تثبت لنفسك إيه؟ تثبت لنفسك علشان تضيع نفسك؟ تيجي تثبت إنك راجل تطلع جثة.
سعد :
الله! ما تسيبني يا أخي. إذا طلعت جثة طلعت لنفسي، وإذا طلعت راجل طلعت لنفسي. ما تسيبني أنا رايح أدافع عن حاجة مؤمن بيها، عن حاجة في دمي وكياني وأعصابي. الله! أنا حر في نفسي. لازم تفهم دي يا بابا. أنا مش جزء من ممتلكاتك. أنا صحيح كنت جزء منك بس دلوقتي كبرت وبقيت مستقل، بقيت واحد لوحدي لي رأي، ومن حقي ولا بد ان انفذ اللي في عقلي ... أنا، مش اللي في عقلك إنت.
هنية (داخلة حاملة صينية القهوة) :
اتفضل القهوة يا حاج نصار بالهنا والشفا. اشربها يا خويا وعمر مخك قوي. اشربها وديني كله منك انت ... وربنا المعبود كله منك.
نصار :
أول مرة أسمعك يا ولية تكلمي كلام مظبوط. كله مني أنا صحيح، أتعب نفسي أنا واضيع عمري وشبابي، وبعدين يطلعلي حتة ولد أوديه المدرسة يتعلم عشان ييجي في الآخر يقول لي أنا مش جزء منك.
سعد :
لا مؤاخذة يا بابا ما أقصدشي، أنا برضه متأثر من كلامك وزعلان لزعلك. بس انت فاهم إني رايح انتحر ... أنا مش رايح انتحر يا بابا، رايح أعيش، أقسم لك إني رايح أعيش.
نصار (بعصبية وضيق صدر) :
يعني ضامن إنك تعيش؟
سعد :
أضمن منين؟ حد ضامن إنه يعيش ... إنت ضامن يا بابا إنك تعيش؟
نصار :
اللي يلزم بيته يضمن حياته. اقعد هنا وأدي واجبك، وإذا كنت عايز تدافع دافع عنا وعن بيتنا.
سعد :
يعني أشوف الخطر جاي وأعمل إني مش شايفه؟ بلدنا وأرضنا في خطر وأقعد أنا في بيتي؟
نصار :
بلدك وأرضك أهم (مشيرا إلى أرض الصالة) .
سعد :
كل مكان في مصر النهارده أرضي.
مسعد :
فلتعيش يا خويا يا سعد ... أنا جسمي قشعر. أهه ده الكلام.
نصار (يجذب مسعد من يده) :
طب فز قوم بقى.
مسعد :
والله ما أقوم.
نصار :
علي الطلاق إن ما قمت ...
مسعد :
علي الطلاق ما أنا قايم!
نصار :
إنت بتحلف علي بالطلاق يا كلب؟
مسعد :
ما انت حلفت علي بالطلاق.
نصار :
طيب أما أروق لك. (ثم ينفجر بغضب شديد)
هو أنا كفرت يا عالم؟ أنا حالاقيها منين ولا منين؟ (لسعد) اسمع يا ولد. وديني لما تطلعلي أبويا من طربته يقول لي كلامك ده ما يدخل مخي.
سعد :
الله! هو انت بس يا بابا؟ دا أبو سامح كان حايطرده م البيت لما مارحش المعسكر يوم.
نصار :
سامح أبوه يا بني ما تعبش فيه. مولود وفي فمه معلقة من الدهب، أبوه دكتور صاحب أجزاخانة. إنما أنا تعبت فيكم. عايزني ألعب بيكم قمار؟ حرام عليك يا بني دا أنا أبوك. انت نسيت إني أبوك؟
سعد :
الكلام ده نفسه سمعته من أمي دلوقتي.
نصار :
ما انت يا بني اللي خليت كلامي يحصل كلام أمك. ماعدش عندي أقوله إلا كلام النسوان.
مسعد :
وحامق روحك كده ليه ما تسيبه يروح.
نصار :
ما تخرس انت قطع لسانك. فز اصلب حيلك قوم. فز قوم علي الطلاق ما انت قاعد.
هنية :
قوم يا مسعد قوم.
مسعد :
نقوم. هه ... قمنا (يخبط على باب حجرته)
يالله يا بت يا فردوس. مش عايزة تروحي بيت أبوكي؟ يالله بينا أوديكي.
فردوس :
لا مش حاروح.
مسعد :
الله! ما كان دلوقت راكبك عفريت المرواح.
فردوس :
أنا جاني الهاتف دلوقتي وقال لي الصباح رباح يا فردوس.
مسعد :
بقى جالك الهاتف؟ والله عال! يلا معاي يا بت.
فردوس :
ما قلنا الصباح رباح.
مسعد :
علي الطلاق ...
نصار (متدخلا) :
طلاق في عينك. انت ما فيش في بقك إلا كلمة الطلاق؟ غور من وشي.
مسعد :
ماغورشي. دهده! ما تسيبونا بقى ندبر أمورنا وكل واحد أولى بمراته.
فردوس :
أنا مش من أمورك يا ادلعدي.
مسعد :
ليكي حق، إذا كنتي بتسمعي كلام الهاتف ولا تسمعيش كلامي (يحاول جذبها بالعنف)
يلا يا بت.
نصار (يجذبه من يده) :
قلت لك غور من وشي ... اسمع يا ولد انت وهو ... اللي مش سامع منكم يسمع. البيت ده بيتي أنا، وطول ما أنا عايش كلمتي بس هي اللي تمشي فيه، وأمورك دي تدبرها في بيتك لما يكون لك بيت.
مسعد :
برضه ليك حق يا حاج ... البيت ده يظهر إنه مش بيتي (لسعد)
مستنيك ع المحطة يابو السعود بس ماتتأخرش، حاكم شايفك ملقلق كده إوعى يغلبوك.
نصار :
على برة امشي.
مسعد :
ماشي يا حاج أهه ماتعكرشي دمك. ماشي، إياك اعتر لي أنا راخر في حتة مصر تنفع لي.
هنية (بعد اختفاء مسعد) :
يا مسعد، يا مسعد.
نصار :
سيبيكي منه. كلها سواد الليل ويقرصه الجوع وتلقيه راجع. وانت بقى يا سعد باشا إيه رأيك؟
سعد :
أنا؟ أنا معادي مع سامح قرب يا بابا ... وأنا ما عنتش قادر أتناقش، وما فيش فايدة من النقاش. ولا عمري باقنعك ولا عمرك بتقنعني، فبنتناقش ليه؟ (يأخذ طريقه إلى الباب) عن إذنك يا بابا. سلامو عليكم.
نصار (معترضا طريقه) :
رايح فين؟
سعد :
إوعى يا بابا.
نصار :
أوعى؟ أوعى إزاي يا بني؟ انت فاكرني مجنون؟ أسيبك تموت! دا انا أبقى حيوان، دا حتى الكلاب يابني بتحافظ على أولادها، أسيبك إزاي؟ البلد فوق دماغي من فوق. إنما إذا كان لا بد حد يموت أموت أنا، أنا خلاص يلا حسن الختام، إنما انت لسة بدري ... لا يمكن أسيبك تتفعص. انت مش بتقول الناس هم اللي عملوا لي الورشة داني مديون لهم وهم دلوقتي في خطر؟ أنا اللي أرد الدين. هي مصر عملت لك انت إيه؟
سعد :
إوعى يا بابا! كفاية إنها عملتك لي، وهي اللي حاتعمل لي المستقبل.
نصار :
كلام فارغ، مستقبل إيه؟ هو فيه بعد الموت مستقبل؟ خليك انت للمستقبل وخليني أنا مع اللي فات. أنا بدالك. (تسمع صفارة من الخارج.)
سعد :
دا سامح يا بابا ... إوعى من فضلك، ماحدش بدال حد. يوم ما قامت الحريقة الصغيرة في الورشة كل الناس كانت بتطفي وما كانش حد بيقول أنا بدال حد ثم (بحماس) النهارده حريقة كبيرة في الورشة الكبيرة. إوعى من فضلك. الله! انت عايزني أتخانق معاك ولا إيه؟
نصار :
اللي تحسبه.
سعد (بهياج) :
مش كده يا بابا عيب. إوعى.
نصار (يدير له خده) :
اضرب. تحت أمرك.
سعد :
يوه! يا ناس مش كده. مش كده. الله ماتخلينيش أتجرأ عليك. إوعى من فضلك (يهم بدفع أبيه) .
نصار :
الله! كده يا سعد، هي حصلت؟
سعد (منفجرا) :
إنت اللي مخليني أعمل كده. وأنا بقول لك أهه. أنا مستعد أرتكب أي حاجة. فاهم؟ أي حاجة. وديني أي حاجة.
نصار :
يعني ما فيش فايدة يا سعد؟
سعد :
ريح نفسك.
نصار :
طيب يا بني انت حر، أنا عملت اللي علي وانت حر. آدي انت بقيت كبير ومتعلم صلاة النبي راجل ترفع علي إيدك. انت حر.
سعد :
يا بابا ...
نصار :
ما دام المسألة حصلت كده خلاص يا بني اللي عايزه اعمله.
سعد :
إنت أصلك ...
نصار :
انتهيت. بس لي رجاء واحد عندك ... رجاء صغير. (تسمع صفارة سامح من الخارج.)
سعد :
إيه؟
نصار :
تستنى دقيقة واحدة ألبس وآجي معاك أودعك ع المحطة.
سعد :
ما فيش داعي يا بابا تتعب نفسك، وسامح دلوقتي قلق وما فيش وقت.
نصار :
أتعب نفسي إيه يا بني؟ وده معقول! حد عارف الموت م الحيا يا سعد؟ يمكن يمكن يا بني - حد عارف - أودعك واللقا بقى يا بني يوم اللقا؟
سعد (مخنوقا بالبكاء) :
بابا.
نصار :
دقيقة واحدة ألبس وأجيلك.
سعد :
بس بسرعة يا بابا وحياتك.
نصار (يتجه إلى الباب الآرش ثم يتوقف) :
بس أنا خايف يا باشمهندس من حاجة ... انت مالكشي أمان، تخليني أخش من هنا وتمشي انت من هنا.
سعد :
لا، مش حامشي يا بابا ... بشرفي ما حامشي.
نصار :
على بابا الكلام ده؟
سعد :
ثق في كلمتي يا بابا ... وبسرعة ما فيش وقت أرجوك.
نصار :
لا لا يا عم. انت تدخل هنا (مشيرا إلى باب حجرته)
وأقفل عليك بالمفتاح لحد ما أخلص لبس. ما اضمنكشي إلا كده.
سعد :
عيب يا بابا.
نصار :
تبقى لازم عايز تضحك علي وتمشي.
سعد :
أبدا أبدا.
نصار :
إذا كان كده خايف تخش ليه؟
سعد (بعصبية) :
أنا مش خايف بس ما عدشي وقت.
نصار :
خش خش ما تخفش تعال (يجذبه من يده ويدخله الحجرة) . (تسمع صفارة سامح من الخارج.)
سعد :
يا بابا ما فيش وقت. أنا خشيت أهه، ما فيش داعي تقفل.
نصار :
وده اسمه كلام؟ يبقى لازم في نيتك حاجة (يتجه إلى البوفيه ويفتح درجا فيه)
المفتاح كان هنا. أهه.
سعد (يضحك) :
أنا ما فيش في نيتي حاجة. بس إوعى انت يا بابا يكون في نيتك حاجة وتقفل علي ولا تفتحشي.
نصار :
هو أنا يا بني عيل صغير؟ يرضيك أحلفلك بإيه؟
سعد :
برحمة والدك اللي ما بتحلفش بيها باطل.
نصار :
طيب يا سيدي. ورحمة أبويا (يغلق الباب بالمفتاح مرتين)
ما انا فاتح أبدا يا سعد إلا أما يرجع كل شيء كما كان.
سعد :
الله! مش كده يا بابا. مش وقت الهزار. افتح الباب (يخبط على الباب).
نصار :
أنا صدقت أقفل عليك. (تسمع صفارة سامح من الخارج.)
سعد : (ينهال على الباب ضربا)
افتح. الله! افتح بقول لك. دا شغل عيال ده. انت حلفت برحمة أبوك. افتح يا بابا. (يسمع طلقة مدفع ثم صفارة سامح من الخارج.)
نصار (وهو ينظر من الشباك) :
يا أستاذ سامح سعد سبقك على المحطة وبيقول لك تحصله. مع السلامة.
سعد :
افتح الباب بقول لك. وديني أكسره (يخبط على الباب) .
نصار :
تكسره؟ دا يا بني باب زان أنا اللي عامله على إيدي. إن كنت جدع اكسره. انت مش عايز تثبت إنك راجل؟ اكسره إن كنت راجل.
سعد (وهو ينهال على الباب خبطا ودفعا) :
افتح بقول لك، وديني أرمي نفسي م الشباك.
نصار :
دا حديده مايفوتشي دراع. ارمي.
سعد :
افتح يا حاج نصار. افتح بقول لك. دا مش شغل رجالة ... دا شغل جبانات. افتح ... افتح يا جبان.
نصار :
أنا جبان يا بني؟ معلهش. بكرة لما تخلف تعرف أنا عملت كده ليه ... وساعتها حاتعرف إن أبوك ما كانش بيعمل كده لأنه جبان. (يتوج كلامه الأخير بهدير مدافع من الخارج.)
الفصل الثالث
(
المنظر:
نفس المشهد في الفصل الثاني ولكن الستارة اليمنى الداخلية مسدلة على حجرة نوم نصار، وكذلك الستارة اليسرى مسدلة على المدخل.
حين ترفع الستارة تسمع أصوات قنابل ومدافع وأزيز طائرات وصرخات آدمية بعيدة ومبعثرة.
الوقت بعد انقضاء أكثر من أربع وعشرين ساعة على أحداث الفصل الثاني، ونصار جالس في الصالة وسوسن على ركبته.)
نصار (يغني) :
أبوح يا أبوح،
كلب العرب مجروح،
وأمه وراه بتنوح.
يا هنية. فين يا ولية كباية المية السخنة؟
هنية (داخلة) :
أنا مش قايلة لك م الصبح إن ما فيش مية من أصله، لا سخنة ولا باردة ولا حتى للشرب. انت مش عارف المية مقطوعة م البلد. ما لك يا راجل جرى لك إيه؟
نصار :
أنا اللي جرى لي؟ ياخي قولي الدنيا جرى لها إيه؟ إيه اللي حصل يا ولاد؟ من يوم ما وعينا وبلدنا عايشة هادية، عمرنا ما سمعنا فيها حتى صوت بندقية، الناس رايحة جاية سلامو عليكم سلام ورحمة الله، الرجالة في شغلها والنسوان والعيال في المدارس والشمسة طالعة في أمان الله. نبص نلاقي في ساعة واحدة البلد بقت جهنم، ليه؟ إحنا عملنا إيه يغضب الله؟ ولا عملنا إيه يغضب العبد؟ ولا يكون دا حلم يا ولاد؟ ما تقولي يا هنية دا حلم ولا علم. ولا الواحد اتهبل يا هنية؟ بقى الشارع اللي جنبنا بقى تراب بحق وحقيق، واللي قبليه بقى صحيح راكية نار، واللي بتصفر دي قنابل يا سوسن؟ إيه يا خويا ده؟ بقى الطيارات دي نازلة دك في بيوتنا؟ ليه كل ده يا ولاد؟ وليه بلدنا لسة متحملاه؟ ليه وإزاي بلدنا لسة مستحملاه؟
هنية :
صدقت يا خويا وآمنت؟ يقولوا اليهود هجمت تقول مناوشة، يقولوا الإنجليز حاتضرب تقول تهويش ، الإنجليز ما يضربوش إلا اللي يضربهم. شوف بقى بعينك واسمع بودانك. عاجبك اللي انت شايفه وسامعه ده؟
نصار :
لازم يا هنية فيه حاجة غلط. مش ممكن! مستحيل! لازم فيه غلط يا ولاد واحنا مش عارفين. بقى كدهه؟ في ساعة يضيع كل اللي عملته في عمري. مسعد طار ما اعرفلوش حتة، والورشة ما اعرف جرى لها إيه، والبيت عمال يفقر عايز يقع، ومين عارف لسة حايجرى إيه؟
هنية (بعد صمت قصير) :
حاج.
نصار :
استر يا رب. ما لك؟
هنية :
انت مستغني عن أولادك. مستغني عن سوسن دي؟
نصار :
ليه؟
هنية :
من إمبارح يا راجل وانا صوتي اتنبح. وكل الناس هاجرت واحنا قاعدين نعمل إيه؟
نصار :
خليهم يهاجروا.
هنية :
والنبي انت لازم جرى لك حاجة.
نصار :
الناس هم اللي جرى لهم يا هنية، حد يسيب بيته وبلده في الوقت ده؟ بقى الفسحة نتفسحها في بلدنا ووقت الزنقة نسيبها ونجري؟ بيتنا ده نسيبه ونروح فين؟ نسيب بيتنا ده يا هنية؟ (يملس على الحيطان ).
هنية :
طب خلينا، ولما نفطس تحته يبقى فيها فرج.
نصار :
نموت؟ مش حنموت في بيتنا يعني؟ زي بعضه. دا البيت ده زي أبو الواحد، حد يسيب أبوه وقت الخطر؟ دا عمرنا ده. دا أغلى عندي من عينيا. دا أنا ما أقدرشي أعيش إلا فيه. الكنبة دي ألاقي قعدة زي قعدتها فين؟ دا عضمنا خد عليها وهي خدت عليه. ومش دي الأودة اللي ولدتي فيها سعد؟ وأمي الله يرحمها مش ماتت في الركن ده؟ والعيال جولنا هنا، وكبروا هنا، ولعبوا هنا، وبقوا رجالة هنا؟ نسيب ده كله ونروح فين؟
هنية :
ونستنى ونموت؟
نصار :
نموت هنا؟ زي بعضه. دا الواحد إذا عاش في حتة تانية كأنه ما عاش. وإذا مات هنا كأنه ما ماتشي.
هنية :
طب نقف برة زي بقيت خلق الله.
نصار :
ونسيب سعد لمين؟
هنية :
وانت قاعد تحرسه؟
نصار :
أمال أنا قاعد لإيه يا هنية؟
هنية :
والنبي انت لازم جرالك حاجة.
نصار :
ليه يا هنية؟
هنية :
تحرسه من إيه؟ انت فاكر إنه محبوس؟
نصار :
مش قافل عليه يا ولية قدامك؟
هنية :
وإيه فايدة القفل؟ انت مش عارف إن الكالون بتاع الباب خسران وبيقفل على سنة؟ يعني العيل الصغير اللي قد كدهه. يعني سوسن دي تزقه كده يتفتح.
نصار :
بتقولي إيه يا ولية؟
هنية :
إنت في نومة باينك. يا راجل مش من زي الأوان ده وأنا أقول لك يا نصار كالون الباب عايز تصليح، تقول لي خليه عشان يبقى باب النجار مخلع؟
نصار :
يا نهارك أبيض. طب هس وطي حسك. بقى الكالون خسران؟
هنية :
جرب وشوف.
نصار :
المصيبة السودة لو سعد عرف. إوعي يا ولية تفلت منك كلمة كده ولا كده لحسن الواد يبقى راح هدر.
هنية :
تفلت مني أنا؟ (ثم بصوت مرتفع)
بس اللي مش داخل مخي إن كل الناس تهاجر واحنا قاعدين.
نصار :
بلاش دوشة يا ولية. عايزة تهاجري خدي ولادك ويلا.
هنية :
ونسيبك؟
نصار :
ربنا يتولاني.
هنية :
بقى انت مش هاين عليك البيت وعايز تهون انت علي؟ ودي تيجي؟ دا أنا هنية يا نصار.
نصار :
وأنا نصار يا هنية. (خبط على الباب.) (ينظران إلى الباب ويرفع نصار يده إلى فمه محذرا هنية.)
سوسن :
غني كمان يا بابا.
نصار :
أيوة أغني. حاضر.
أبوح يا أبوح،
كلب العرب مجروح،
وأمه وراه بتنوح.
سوسن :
يا شيخ غناك يزعل. إيه ده؟ غني واحد اتنين أنا وياك يا حبيب العين.
هنية :
ما فيش أخبار عن مسعد؟
نصار :
من ساعة ما بعت له محمد ما فيش. يا ترى انت فين يا بني يا مسعد؟ مت ولا عايش ولا مجروح؟ إلهي لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه.
سعد : (يخبط على الباب بشدة) افتحوا يا غجر.
هنية :
كفاية بقى يا سعد، كفاية يا خويا، زمانك عورت إيديك.
نصار :
انتي عارفة كويس يا هنية إنه ما يعرفشي حكاية الكالون دي؟
هنية :
وحاعرف منين يا نصار؟ ما كل الولاد عارفين إن ما فيش في بيتنا كالون سليم. أنا داخلة أشوف لكم لقمة (تخرج من الباب الآرش ) .
سعد (من الداخل) :
يا بابا هددتك مانفعشي التهديد، اترجيتك مانفعشي الرجا، هو انت عدوي؟ دا لو واحد إنجليزي ماكنشي عمل أكتر من كده. دي خيانة عظمى دي. افتح الباب. (يخبط على الباب بشدة.)
نصار (يغني) :
يا طالع الشجرة،
هات لي معاك بقرة،
تحلب وتديني،
بالمعلقة الصيني.
سعد :
افتح. افتح بقول لك. انت جننتني. دا انت مش أبويا. دا انت عدوي. إنت فاكر إنك عامل كده عشان بتحبني؟ إنت مش بتحبني، إنت بتحب نفسك. إنت بتحافظ على نفسك، دي أنانية بشعة. ياباي. ماتخلينيش أشتمك أكثر من كده. افتح الباب! (يخبط بشدة).
نصار (لنفسه) :
يا رب استر لحسن الخبط الشديد ده يفتح الباب (ثم يغني) :
والمعلقة انكسرت
يا مين يداويني.
سعد :
تحبسني كده؟ وديني انت طابور خامس. أنا حافضل ألعن اليوم اللي كنت فيه ابنك. إنت أنقذتني م الموت صحيح إنما خسرتني على طول. افتح الباب بقول لك.
نصار (مضطربا) :
يا ساتر يا رب! (ثم يغني) :
رحت لرسول الله،
لقيته بيزغط،
في حمام أخضر،
يا ريت أنا دقته،
لجل النبي زرته.
سعد :
افتحوا يا سفلة. افتحوا يا أسفل خلق الله.
نصار :
عيب يا بني تشتمني، عيب يا حبيبي، تاخد لك قرص منوم تهدي أعصابك.
سعد :
الشتيمة عيب والخيانة مش عيب؟ وعايزني أنام؟ دا أنا بدبح. دلوقتي بتقتلني وانت مش داري. يا قاتل عايزني أنام؟ (يخبط بشدة على الباب.) (تدخل هنية ومعها صينية فيها طعام.)
هنية :
لقمة أهه. قوم كل. وعايزين ندخل له الأكل.
نصار :
هاتي. (يقوم ويتناول منها لفافة فيها طعام ويشب على أطراف أصابعه ويدخلها من الشراعة)
كل لك لقمة يا سعد.
سعد :
يلعن أبو أكلكم. دا أكل مجرمين ده، دا أكل خونة، هه. (
يسمع صوت خبط الطعام في الباب) .
هنية :
على كده حيموت م الجوع.
نصار :
ماحدش بيموت م الجوع.
هنية :
دهدي أمال الناس بتموت بإيه يا نصار؟
نصار :
بالرصاص يا هنية. سيبيه، وشيلي اللي انتي حطاه ده. حد له نفس؟
هنية :
أهه عندك ... وأنا رايحة بقى لحسن مرات شعبان بتولد وما فيش حد جنبها، وبعتت لي بنتها ييجي عشر مرات.
نصار :
وكوثر فين؟
هنية :
كوثر؟ إلهي يجيلها ويحط عليها البعيدة.
نصار :
ليه؟
هنية :
البت اللي ماكنتش بتمد إيدها لجنس شغلة في البيت أقوم أتلفت ما التقيهاش، واسأل عليها يقولوا راحت تحول مية م الترعة للناس.
نصار :
ناس مين؟
هنية :
أنا عارفة يا خويا اللي بيحاربوا ولا اللي في البيوت ماني عارفة. أهي بنتك ولما تيجي انت حر فيها.
نصار :
يا سلام عليكي يا هنية، عمري ما قدرت أمسكك. طول عمرك بتتزفلطي مني، ساعة تقولي أنا اللي رضعت وربيت ده ابني، وساعة تقولي أهي بنتك انت حر فيها، أصدق إيه ولا إيه؟
هنية (وهي خارجة) :
صدق بقى اللي تصدقه. والله احنا اللي بنزفلط ولا انتم يا رجالة اللي أكبر مزفلطتية؟
نصار (بعد ما تخرج) : (لنفسه)
بقى الباب مفتوح. إلهي يتوه عن دي يا رب. (ثم لسوسن)
ولد يا جميل الجميل. إوعي تقولي لسعد.
سوسن :
أوعى أقول له إيه؟
نصار (لنفسه) :
بحسبك عارفة. (ثم لها)
إوعي تقولي له إن ماما خرجت برة.
سوسن :
لا. أنا مش حاقول له كده.
نصار :
أمال حاتقولي له إيه يا سوسو؟
سوسن (بدلع) :
ح... أقول له ... إن ... إذا ... زقيت الباب كده ... يتفتح.
نصار :
لا لا لا. بلاش دي. أعملك حصان وحمار وفيل أبو زلومة وبلاش دي.
سوسن :
أمال ماما خرجت برة ليه؟ عايزني ما أقولوش كده ليه؟ هي رايحة حتة وحشة؟
نصار :
لا لا لا. دي رايحة تولد مرات شعبان يا بنتي.
سوسن :
تولدها إزاي؟
نصار :
يعني تطلع منها عيل صغير.
سوسن :
وده وقت عيال صغيرين انت راخر؟
نصار :
انتي بتقوليلي؟ قولي للنسوان. دايما رأيهم مخالف. وهي مرات شعبان بس؟ دا ييجي تلات أربع نسوان في حتتنا كانوا بيولدوا إمبارح والنهارده. يمكن والله أعلم يا بنتي الحرب بتسوي العيال بسرعة وينزلوا عشان يعوضوا اللي بيروح. يمكن يا بنتي ما حدش عارف.
إنتي بديتي تنامي. طول الليل ما نمتيش يا بنتي. ولا حد نام. أقوم أنيمك. بسم الله الرحمن الرحيم (يحملها على كتفه ويدخل من الباب. في هذه الأثناء يدخل محمد من الباب الخارجي. يدخل معفر الملابس زائغ النظرات، يجيل بصره في الصالة، وحين يلمح الطعام يتجه إليه بسرعة وينقض عليه. نصار يعود فيفاجأ به) .
نصار :
الله! محمد. وله. جيت إمتى؟
محمد (وهو يبتلع اللقمة) :
دلوقتي.
نصار :
مسعد فين؟
محمد :
مارضاش ييجي.
نصار :
يعني شفته؟
محمد :
أيوة.
نصار :
وكويس؟
محمد :
أيوة.
نصار :
وكويس؟
محمد :
زي الجن.
نصار :
قلت له زي ما قولتلك؟
محمد :
أيوة.
نصار :
قلت له إيه؟
محمد :
قلت له أبويا بيموت وعايز يشوفك.
نصار :
وكان باين عليك الكدب؟
محمد :
والله العظيم أبدا.
نصار :
وقال لك إيه؟
محمد :
قال لي قول لأبوك عيب يا بابا. هو مش سامع سعد كان بيقول إيه؟
نصار :
إخصي عليه. وعمل إيه؟
محمد :
مشي مع الناس.
نصار :
ناس مين؟
محمد :
اللي شايلين بنادق.
نصار :
وراح فين؟
محمد :
ماعرفش.
نصار :
إنشالله ما عرفت، جتك البله ... الحق علي أنا اللي أبعتك. شفت بقى يا سي سعد فصاحتك؟ أدنت ضيعت أخوك أهه. أخوك ضاع يا باشمهندس اتبسط بقى واتحمق. اتحمق زي ما انت عايز يا خويا وقول علي جبان. أهو أخوك ضاع. العوض عليك يا رب. دا العاقل مسعد. العوض عليك. يا ربي ليه كده بس؟ دا دراعي اليمين 40 سنة باصلي لك في اليوم خمس مرات ما قطعت ولا فرض. حتى وأنا عيان بقيت أصلي 40 سنة باصوم لك حتى وأنا معنديش سحور بقيت أصوم. وحجيت وزرت قبر رسولك مرتين. وما تقفشي جنبي يا رب؟ طب اقف جنب مسعد. احميه يا رب. احميه لجل خاطر نبينا احميه. دا دراعي اليمين احميه.
سعد :
أنا اللي أحميه يا بابا. أرجوك افتح.
نصار (مواصلا كلامه) :
يجعل اللي يضربه إيده تنشل.
سعد :
أنا اللي أشل إيده يا بابا.
نصار (يرد عليه) :
علشان تموت إنت؟ كفاية لحد كده. كفاية واحد راح. كفاية مسعد ضاع أجيبه منين؟ (ثم يلتفت لمحمد)
تعال هنا يا وله. قرب. قرب كمان، ما تخافش مش حاضربك ولا حاعمل فيك حاجة. بس قول لي. شفته فين؟
محمد (وهو يبتلع اللقمة) :
في شارع البحر.
نصار :
وشفته إمتى؟
محمد :
الصبح.
نصار :
الصبح؟ ومن ساعتها ما جيتشي ليه؟
محمد :
كنت قاعد برة.
نصار :
ليه؟
محمد :
الله. أنا عبيط آجي أقول لك كده عشان تضربني؟!
نصار :
أمال جيت ليه يابن النجس؟
محمد :
لما جعت جيت.
نصار (لنفسه) :
م الصبح بدري. كام ساعة يا ناس؟ دا زمانه مات وشبع موت. الصبر. الصبر يا رب. م الصبح دا زمانه مات وشبع موت. سامع يا سعد؟ مسعد زمانه مات يا ولاد. زمان مسعد مات يا ولاد.
مسعد (داخلا وملابسه مغبرة وممزقة ويده اليمنى مجروحة ومربوطة بقميص غارق في الدماء) :
ما متش يابا ولا حاجة، أنا هه.
نصار :
إنت؟ مسعد! جيت؟ يا بني! (يعانقه) استنى. انت سليم؟ جت سليمة يا بني. جت سليمة. دا أتينك عندي عزيز يا مسعد ولانيش داري. إخصي عليك. أنا ... أنا ... مش عارف أقول لك إيه! حم... حمد الله ... ع ال... سلامة ... مال إيدك؟ ما لها؟
مسعد :
تعويرة بسيطة.
نصار :
بسيطة إن شاء الله بسيطة. اقعد. بسيطة إنشا الله استريح. مدد رجليك (يكن مسعد رجليه احتراما لأبيه)
مدد ما تنكسفش. رجليك سلام، صدرك سليم؟ انت عارف لو كان الله لا يقدر جرى لك حاجة كان العوض على الله ف أبوك. إخصي عليك يا مسعد. أنا يا بني باقول إنك عاقل تقوم تعمل كده.
مسعد :
أعمل إيه يابا؟ ما هي لو كانت الحكاية بالعقل كان، إلا العقول ساعات بتتوه. لو شفت الناس وهي بتجري وتصرخ وتتعور وتضرب بالنار ما كنتش تستحمل.
نصار :
ورحت فين؟
مسعد :
أهو منين ما كانوا بينزلوا كنا بنروح.
نصار :
وإيدك ما لها؟
مسعد :
إصابة.
نصار :
نار؟
مسعد :
أنا عارف. أنا لقيتها بتخر دم.
نصار :
رصاصة في إيدك اليمين يا اسطى؟ كده يا مسعد تخرب بيتنا؟ إحنا اللي بنجيب لأرواحنا المصايب. أنا مش قلت يا ناس؟ لو كنت فضلت في الورشة كان حصل لك ده؟ إحنا نروح نضرب فيهم ليه؟
مسعد :
عشان بيضربوا فينا ... الله!
نصار :
ما هم بيضربوا فينا لما نضرب فيهم، إنما لو كل واحد اتكن في بيته وسكت ماحدش حايقرب له. الواحد يدافع عن نفسه بس إنما لزومه إيه نروح نجري وراهم ونزيط؟
مسعد :
وحد يابا كان قال لهم تعالوا؟
نصار :
إديني انت راخر محاضرات. ما هو كل واحد يشتغل مدرس عليا شوية. كفاية يا خويا فصيح واحد في العيلة. وآدي نتيجة الفصاحة ... إيدك اليمين. شفت يا سي سعد الجبان اللي قفل الباب كان بيعمل كده ليه؟ علشان ماتجيش متشال على نقالة زي أمك ما بتقول.
سعد :
لو سبتني كنت عورت إيد اللي عور إيده (يخبط الباب بشدة)
افتحوا الباب. افتح الباب يا مسعد حاتجننوني يا مجرمين. افتحوا الباب.
مسعد :
وعلى إيه؟ الحكاية بتشطب يا باشمهندس.
نصار (لمسعد) :
وهبطت لما خرجت غصب عني يا بطل. جسمك يا خويا ارتاح؟
مسعد : (يهز رأسه.)
نصار :
وكان معاك بندقية؟ وديتها فين؟
مسعد :
اديتها لواحد. إيدي وقفت.
نصار :
وضربت في الإنجليز زي ما انت عايز؟
مسعد :
ضربت.
نصار :
وحاربت؟
مسعد :
وحاربت.
نصار :
وما موتش؟
مسعد :
وما موتش.
نصار :
وحاربت إزاي؟
مسعد :
زي الناس ما بتحارب.
نصار :
كنت بتضرب نار؟
مسعد :
أيوة كنت بضرب نار.
نصار :
وعرفت تضرب؟
مسعد :
عرفت.
نصار :
ضربت إزاي وإنت ما اتعلمتش؟
مسعد :
اتعلمت وانا بضرب.
نصار :
وقتلت حد؟
مسعد :
قتلت.
نصار :
جدع. بس إوعى تكون قتلت كتير. قتلت كام؟
مسعد :
مش كتير.
نصار :
عشرة؟
مسعد :
أقل من كده.
نصار :
اتنين؟
مسعد :
زي كده.
نصار :
وماتوا قدامك؟
مسعد :
ماتوا.
نصار :
كانوا كبار؟
مسعد :
قدي كده.
نصار :
فرنساويين ولا انجليز؟
مسعد :
والله ما اعرف.
نصار :
حد كان معاك؟
مسعد :
ناس كتير.
نصار :
جرى لهم إيه؟
مسعد :
اللي مات مات واللي عاش عاش.
نصار :
وإنت ما موتش؟
مسعد :
ما موتش.
نصار :
ألف حمد يا رب. ألف حمد.
مسعد :
أنا دايخ.
نصار :
نزل منك دم كتير؟
مسعد :
أنا عارف!
نصار (مشيرا إلى القميص الذي يربط به يده) :
وقميص مين ده ؟
مسعد :
أي حد.
نصار :
اوعى يكون بتاع واحد مات.
مسعد :
أنا عايز أنام.
نصار :
أيوة يا بني. والصبح نشوف دكتور. وتاخد لك دلوقت قرصين ينيموك. قوم، قوم يا حبيبي، خش نام في أوضتك. اسند على كتفي. سليمة إن شاء الله. سليمة.
نصار (يدخل هو ومسعد إلى حجرة مسعد ويسمع صوته من الداخل) :
أيوة ... نام كده ... واتغطى كويس ... وابلع دول عشان يخلوك تنام. (ثم يخرج ويغلق الباب وراءه، ويتجه بسرعة إلى البوفيه ويعسعس في أحد أدراجه ويخرج مفتاحا ويغلق باب مسعد مرتين.)
الحمد لله (يقبل يديه ظاهرا وباطنا)
ألف حمد ليك يا رب. ألف حمد. الهوجة دي كلها والولاد لاتنين تحت باطي. آدي سعد (ممسكا بمفتاح باب الحجرة التي بها سعد)
وآدي مسعد (ممسكا بمفتاح الحجرة التي بها مسعد) . رجالتك تحت سقفك يا نصار، والمفاتيح أهم. ألف حمد ليك يا رب. دا ولا ليلة القدر. (خبط على الباب.)
نصار :
مين؟ خش. (تدخل فردوس.)
فردوس :
ياللي هنا. عم الحاج. أمال مسعد فين؟
نصار :
مسعد؟ العوض على الله في مسعد يا فردوس.
فردوس (تصوت) :
يا مصيبتي السودة هو البعيد جرى له حاجة؟
نصار :
بس بس. أعوذ بالله من عقول النسوان. حاتعملي الجنازة قبل ما يموت.
فردوس (فرحة) :
هو ما متش؟ هو فين يا عم الحاج. هو فين؟ مسعد فين؟
نصار :
أمال لما انتي محروقة عليه كنتي سايباه ومروحة بيت أبوكي ليه؟ عشان تموتي هناك؟
فردوس :
يا ريتني مت. هو أنا قدرت. دا يادوبي قعدت هناك يا عم الحاج وبعدين ... وبعدين ...
نصار :
بعدين إيه؟
فردوس :
قلبي كلني ماقدرتش.
نصار :
قلبك كلك؟
فردوس :
بحبه يا عم الحاج. ما عرفتش كده إلا أما بعدت عنه. على نياته وبحبه. بقبقابه بحبه. بكلامه اللي زي الطوب بحبه. بحبه بحبه بحبه ومستعدية أكنس البيت كله وأمسحه بلاطة بلاطة وأعيش طول عمري خدامته ... هو فين؟
نصار (مبتسما) :
جوة.
فردوس :
وما بتقوليش م الصبح ليه؟ وسليم؟ يبقى جوة وما تقوليش. (تتجه إلى الباب لتفتحه فيتقدم نصار ويفتح لها الباب.)
نصار :
أهو يا ستي صاحب المقام الرفيع.
مسعد (من الداخل) :
جيتي ليه يا بت؟ هو الهاتف غير رأيه ولا إيه؟
فردوس (بجفاء) :
أيوة هناك. كانت البت خدامتك؟ جاية علشان نسيت المشط يا ادلعدي. تسمح من فضلك تناولهوني. (يدفعها نصار دفعة خفيفة إلى الداخل ثم يغلق الباب بالمفتاح.) (يمسك بالمفتاحين ويقول.)
نصار :
ألف حمد ليك يا رب، الهوجة وطلعنا منها سلام. والنبي لصلي لك ركعتين شكر.
محمد (يخرج من الباب الآرش مندفعا) :
يا بابا. يا بابا.
نصار :
ما لك يا بني؟
محمد :
بيقولوا في الشارع إن ضرب النار حيقف بعد ساعة.
نصار :
يقف ولا يمشي، أنا يهمني إيه ما دام الولاد ف جيبي، خلي اللي يحصل يحصل.
محمد :
أخرج بقى ألعب شوية يا بابا؟
نصار :
ضرب النار حيقف؟ دا لو كان صحيح اللي بيقوله أطلع أنا راخر ألعب معاك. بقى القيامة تقوم وتنفض ونخرج منها سالمين؟
محمد :
أنا رايح يا بابا. آه. أنا رايح. (يخرج وظهره إلى الباب.) (دقات على باب الحجرة التي بها سعد.)
سعد :
عارف ضرب النار حيقف يعني إيه يا حاج نصار؟
نصار :
يعني الغمة انزاحت يا بني.
سعد :
يعني الغمة حلت يا حاج. يعني الإنجليز خدوا البلد ... يعني ضعنا ... ضاعت البلد وضعت انا معاها.
نصار :
لا البلد ضاعت يا بني ولا انت ضعت. البلد موجودة وحتفضل طول عمرها موجودة. وضرب النار بيك وقف، من غيرك وقف. إن كنت مت أهو كان وقف. وأهو وانت عايش أهو برضه وقف. يعني هو ضرب النار كان حايفضل لو كنت انت خرجت ومت ... بس لو خرجت انت ومت كنت حاتقضي علي وعلى العيلة. وآدي انت عشت وادي احنا حانعيش معاك، والبلد لسة عايزاك. (لنفسه)
مظبوط الكلام اللي بقوله ده ولا مش مظبوط؟ طب لما هو مظبوط ... أمال أنا زعلان ليه؟ ما دام الحكاية زي أنا ما بقول كده م الصبح، وأنا زعلان ليه؟ زعلان ليه يا نصار؟ زعلان من نفسك يا ترى؟ ولا من سعد؟ ولا من الإنجليز؟ ولا من الحرب ولا من الدنيا؟ يكونشي اللي عملته ده كان غلط يا نصار؟ بس يبقى غلط إزاي؟ مش شغلة الأب في الدنيا إنه يحافظ على أولاده؟ أمال أنا زعلان ليه؟ أنا عملت حاجة أكتر من كده؟ (الباب الخارجي يدق ويفتح فتدخل كوثر وملابسها مقطعة وعلى رأسها خوذة من خوذات العساكر الإنجليز وتحمل فوق الخوذة صفيحة ماء.)
كوثر :
إيدك يا بابا.
نصار :
إيه ده يا بنتي؟ (يساعدها في إنزال الصفيحة)
إيه اللي انتي لابساه ده؟
كوثر :
برنيطة واحد إنجليزي إدهالي جودة الفران. أمال إيه يا بابا دا الناس برة زي الوحوش ونازلين فيهم تقتيل. أمال فاكر إيه يا بابا؟ انت ما لك كده، ما لك صحيح؟
نصار :
مش عارف يا كوثر ... بايني زعلان.
كوثر :
زعلان مني؟
نصار :
وحازعل منك ليه يا كوثر؟
كوثر :
عشان قلت لي ما تخرجيش وخرجت.
نصار :
أيوة صحيح دا حصل ... إنما أنا مش زعلان من كده.
كوثر :
الله! أمال زعلان من إيه؟
نصار :
والله مانا عارف يا بنتي ... يمكن عشان منعت سعد. بس أنا لازم أمنعه، ولو ما منعتوش كنت زعلت قوي، فإزاي لما منعته أزعل، دي حاجة تجنن ... أنا منعته وأديت واجبي وأرضيت ضميري ونجي سعد وبقت الأشيا معدن والحمد لله، فأزعل ليه؟ حد يزعل لما يكون عمل اللي عليه؟ يمكن فيه حاجة تانية ... لازم فيه حاجة تانية هي اللي مزعلاني ... ما لك يا بت واقفة تبصي لي كده ليه؟ بتتفرجي علي ولا إيه؟ افرشي لي سجادة الصلاة. ما لي؟ بقيت فرجة يا ست كوثر. (كوثر تحضر السجادة وتفرشها قريبة من الباب الذي يدق عليه سعد.)
كوثر :
حاتصلي إيه يا بابا؟
نصار :
أحمد ربنا يا بنتي. دا أنا طماع قوي. أصلي ركعتين شكر على القيامة اللي قامت دي ... وربنا خرجنا منها بسلام. زعلان مش زعلان ألف حمد ليك يا رب. (يقبل يديه ظاهرا لباطن) ألف حمد لك يا رب.
سعد :
بقى يرضيك كده إن كل الناس تدافع عن البلد وأنا ما اشتركشي؟ يرضيك انك تعيشني بعد كده ذليل؟ أهي المعركة اللي أنا مستنيها انتهت، أجيبها منين دلوقتي؟
كوثر :
ما تزعلشي يا باشمهندس. الناس بيقولوا برة إنهم حايفضلوا يضربوا لما الإنجليز تطلع ... إبقى اضرب بقى معاهم. ما تفتح له الباب. ده دي! ما تفتح الباب بقى يابا.
نصار :
أقول لكم إيه بس؟ هو لو كان بإيدي يا غجر كنت قفلته عشان يبقى بإيدي إني أفتحه؟ (تسمع ضجة في الخارج.)
كوثر :
الله! لحسن يكونوا جم.
نصار :
هم مين دول؟
كوثر :
الإنجليز ... الله! أصلهم بيخشوا البيوت يفتشوها ويضربوا اللي يلاقوه فيها. (يبدأ المدخل والسلم يمتلئ بمجموعة من العساكر الإنجليز وهم يرتدون ملابس الميدان، وعلى رأسهم ضابط نحيف قصير القامة ذو كاب أحمر.)
نصار :
إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده؟ دي حاجة تخش العقل؟ هو طول ما الواحد ملازم بيته إيه اللي يجيب له الإنجليز؟ دا البيت ما خرجشي منه ولا طلقة. ييجوا منين؟ ما هو تعملي حسابك يا بنتي ... خديها قاعدة على ميزان المية ما دام ما تأذيش حد ... ما حدش يأذيكي.
كوثر :
طب أروح أشوف؟
نصار :
اعقلي يا بت جك داء يطير عقلك، امشي روحي هاتي شوية مية من الصفيحة وتعالي صبي لي أتوضا.
كوثر :
دول باينهم جم صحيح يا بابا.
نصار :
هي كلمة! يلا يا بت ... قلت لك قاعدة على ميزان المية. إيه اللي يجيبهم؟
سعد :
يا رب ييجوا. دا تبقى هي اللحظة اللي طول عمري باتمناها ... بس لو أطول رقبة واحد فيهم! (يدخل نصار من الباب الآرش وفي أعقابه كوثر.)
الضابط الإنجليزي :
أنتما الاثنين، إلى السطوح. فتشاها بدقة. أطلقوا النار على أي شيء يتحرك.
وأنتما إلى الطابق الأعلى.
سبنسر، جيمس، بيكر. منطقة السلم.
هندرسو. الطابق الثاني.
آرثر، هذه الشقة (مشيرا إلى باب الشقة المقابلة) .
جورج. هذه الشقة (مشيرا إلى باب نصار)
اسمعوا جيدا. لا بد من تنظيف المساكن في ظرف نصف ساعة. كل من يرتدي الكاكي اقبضوا عليه وإذا قاوم اقتلوه. أجل اقتلوه. وكذلك المدنيين. احذروا! قد يأتيكم الخطر من أي مكان. لا تتركوا شيئا للصدفة. هذا شعب في غاية الدهاء. من ينتهي ينتظر على الباب. نلتقي في الخامسة تماما. النساء ... لا يخدعنكم، حتى النساء هنا ملعونات. وتذكروا! أنتم جنود الملكة. وشرف الإمبراطورية في أيديكم. وعلى ما تفعلون يتوقف مصير الحضارة في الغرب. وأن يفقد أحدكم حياته إهانة فوق أنها خيانة، نلتقي في الخامسة، وحظ سعيد. والآن ... اذهبوا! (يختفي الجميع ما عدا آرثر وجورج.)
جورج (عسكري إنجليزي من مشاة الأسطول في حوالي الثلاثين، قامته تميل إلى القصر وصلعه مبكر وله كرش صغير ومعه مدفع كارل جوستاف) :
ستدخل هنا يا آرثر (مشيرا إلى باب الشقة المقابلة) .
آرثر : (زميل له، طويل وضخم وملامحه كبيرة وقاسية وعيناه محمرتان ويبدو كما لو كان في حالة سكر). كما ترى ... أتبادلني؟ انت تعلم أني موفور الحظ في هذه المناسبات.
جورج :
موفور الحظ؟
آرثر :
دائما حظي من نار ... ما دخلت مكانا كهذا في أي بلد حاربنا فيه إلا وظفرت بكبشة فيران.
جورج :
أتمنى ألا يظفر بك هذه المرة فأر منهم.
آرثر :
هذا كلام خائف يا جورج ... هل انت خائف؟
جورج :
أنا؟ لست أدري.
آرثر :
أنا أدري ... أنا مستعد أن أقتل ألفا من هؤلاء المصريين قبل أن يقتلني أحد.
جورج :
أما أنا فمشكلتي أني أخاف أن يقتلني هذا الأحد.
آرثر :
أصادق أنت؟ هذا جبن ... انت تعلم أن هذا جبن.
جورج :
لماذا لا تسميه حب الحياة يا آرثر؟
آرثر :
ولماذا تحبها هذا الحب الضعيف؟ الحياة في حاجة إلى القوي لينتزعها ويحياها.
جورج :
وإذا مات وهو ينتزعها؟
آرثر :
كان هذا أروع من حياة خاملة.
جورج :
عندك حق ... فليس وراءك من يميته قتلك. ليس لك شيرلي كابنتي تنتظرك في سوثهاميتون، ولا تريدك أن تعود إليها مجرد إخطار من وزارة الحرب بوفاتك.
آرثر :
أوتفضل أن تعود جبانا؟
جورج :
الحقيقة أني أفضل أن أعود فقط يا آرثر.
آرثر :
اسمع يا جورج! طبعا انت تقول هذا الكلام على سبيل الهزل. أليس كذلك؟ أنت تعلم أننا في الحرب ولا عمل لك إلا أن تقتل وإلا قتلت. أنت تعرف أن الحرب هي الحرب، إذا لم تقتل عدوك قتلك عدوك. هل تدرك هذا؟ إذا تراخيت ضعت. كم ساعتك؟ إلا بضع دقائق؟ أذكر أن ضابطنا القصير الأحمق قال إن الصفر هو الرابعة والنصف. أتعرف هذا؟ بعد لحظات إما أن تموت أنت أو يموت عدوك، وعليك أن تختار من يكون القاتل ومن يكون القتيل.
جورج :
أنا شخصيا لا أريد أن أموت.
آرثر :
وثق أن عدوك هو الآخر لا يريد أن يموت.
جورج :
لست أدري لماذا على أحدنا أن يقتل الآخر! أليست هذه مهزلة؟
آرثر :
بل هي سنة الحياة، فالحياة لا تحتمل إلا أحدكما.
جورج :
من زيف على الحياة هذه السنة السخيفة؟
آرثر :
وهل هذا وقت مراجعة الحقيقي والمزيف يا أحمق؟ راجع كما شئت فستجد نفسك دون أن تحس جثة هامدة حتى قبل أن تصل إلى نتيجة، هذه اللحظة لا خيار لك، إما قاتل وإما مقتول، فماذا تفضل؟ (يدخل نصار وقد توضأ ويقف على السجادة وينوي للصلاة.)
جورج :
إذا كان لا بد لأحد أن يموت، فلا أريد أن أكونه على أية حال.
آرثر :
أتمنى ألا تكونه، فقد حانت ساعة الصفر وجاءت اللحظة الحرجة يا صديقي فتقدم، وأتمنى لك حظا سعيدا.
جورج :
أجل! تمن لي أرجوك فإني حقيقة في حاجة إليه. (يركل باب نصار بقدمه ركلة قوية فيفتحه ويصرخ بصوت مرتفع.)
لا أحد يتحرك أيديكم أعلى. شفت أسكر؟
سعد (يشهق) :
دول جم. (ينظر من ثقب الباب)
أسكر؟ دا بيدور ع الفدائيين ... دا بيدور علينا ... آه يا ابن الكلب أقتلك إزاي دلوقتي؟ الباب مقفول؟ أخطر شيء الهدوم. (يخلع ملابسه العسكرية بسرعة ويرتدي جلبابا من جلابيب أبيه ويخفي الملابس العسكرية أسفل الدولاب)
لازم أستخبى، فين بس يا ناس؟ (ينظر بعينين زائغتين إلى محتويات الحجرة)
الدولاب. (يفتح الدولاب)
مسدس بابا أهه. تضربه يا واد؟ بس إزاي؟ إذا غلطت في النيشان ضعت انت وضاع أبوك. (يخفي المسدس مع الملابس أسفل الدولاب ثم يدخل في الدولاب ويقفل على نفسه.)
نصار (ينظر إلى العسكري) :
الحمد لله رب العالمين ... الله! إيه اللي جاب الراجل دا هنا؟ دا البيت ما طلعشي منه ولا طلقة؟ عايز إيه ده؟ كمل صلاتك يا ولة ولا يهمك.
مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين .
جورج (بصوت مرتفع جدا) :
لا أحد يتحرك. أيديكم إلى أعلى. (ثم لنفسه)
لماذا أنت عصبي هكذا يا جورج؟ لماذا أنت مضطرب؟ الرجل أعزل كما ترى وليس معه أحد، فماذا يخيفك؟ كف عن ارتعاشك يا جورج. هؤلاء هم الأعداء إذن. (ثم بصوت مرتفع) شفت أسكر؟ انطق يا جبان (يصرخ)
أيديكم إلى أعلى.
نصار :
غير المغضوب عليهم ولا الضالين . آمين. ياخويا هو متعفرت كده ليه؟ حد داس له على ديل؟ هم دول اللي بيقول سي سعد عليهم الأعداء؟ والنبي عقلك فارغ يا سعد. مش ده يا ولاد الكوبرال لاصكي اللي كان معانا في طرابلس ولا أنا ماباشوفش. ما له متقنزح ليه؟ دا كان بيقول على نفسه نجار وما كانشي يعرف يعشق اللوح في اللوح. لاه، دا باينه مش لاصكي. أهو شبهه. لاصكي ولا جورج، كمل الصلا يا واد انت حايهمك منه؟ كنت عملت له حاجة؟ بسم الله الرحمن الرحيم
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .
سعد (يخرج من الدولاب) :
أنا اتخنقت ... تحت السرير أحسن، أبوك برة مع العسكري لوحده تسيبه كده؟ يمكن يعملها بعقله. بس يعملها ليه هو كان عمل فيه حاجة؟ آه لو كان الباب مفتوح كنت وريتك شغلك يا ابن اللئيمة. (يدخل تحت السرير.)
جورج :
أيديكم إلى أعلى. حركة واحدة وأطلق النار. انطق. شفت أسكر؟
نصار :
عمال يبرطم يقول إيه الراجل ده؟ حد كلمه؟
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع ...
جورج :
انطق يا غبي. لا أفهم لغتك المتوحشة هه. أين الكوماندوز المختفين؟ انطق أيديكم إلى أعلى. حركة واحدة وأطلق النار.
سعد (خارجا من تحت السرير) :
بسهولة يلاقيك تحت السرير. أحسن طريقة تنام ع السرير ده وتعمل عيان. (يصعد إلى الفراش ويستلقي)
بس مش عيبة دي؟ معلش. حاسب إوعى تطلع صوت لحسن يضيع أبوك.
نصار :
قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم ... وبعدين ؟ لازم أركع. والراجل ده باينه مش عايزني أتحرك. تركع؟ يمكن يضربك يا واد. بس يضربك ليه؟ ما دمت ما آزيتوش يأزيك ليه؟ اتوكل على الله واركع. الله أكبر (يرفع يديه إلى أذنيه) .
جورج :
أيديكم إلى أعلى، احترس يا جورج. إنهم ملاعين. عقولهم مظلمة وقلوبهم أكثر ظلاما. ولا تعرف ما يحتويه الظلام من مكر (بصوت مرتفع)
حركة واحدة وأطلق النار.
نصار :
الله أكبر (يركع) .
جورج :
يركع! هذه خدعة. لا بد يريد قتلي. حركة واحدة وأطلق النار. أيديكم إلى أعلى.
نصار :
الله أكبر! (يعتدل استعدادا للسجود)
هو اتعفرت كده ليه؟ تسجد يا واد ولا ما تسجدش! هو عمل حاجة لما ركعت؟ اتوكل على الله واسجد.
جورج :
حركة واحدة وأطلق النار ... أيديكم إلى أعلى.
نصار :
الله أكبر! (يسجد) .
جورج :
خذ إذن أيها المتوحش. (يطلق النار على نصار في نفس الوقت الذي يدوي في الخارج صوت انفجار قريب. نصار يقع على الأرض ويضع يده على صدره مكان الإصابة، وينظر في ذهول شديد إلى جورج.)
سعد :
إيه ده؟ دي رصاصة ... في المليان! مش معقول؟ دي برة في الشارع. إوعى تتحرك أحسن أبوك يضيع.
نصار (فجأة يصرخ بصوت مرتفع) :
يا كلب! (ثم بصوت منخفض)
تأخذني على خوانة يا مجرم؟ تقتلني وأنا مآمن لك! الله! (بصراخ عال)
دا انت عدو. دانت عدوي ولا نيش داري (بصراخ) . كده تغدر بي يا عدو الله؟
سعد :
شوف الراجل يا ناس ... أفضل أناقشه سنين وما يقتنعش إلا دلوقتي. يا ترا إيه اللي أقنعه؟
نصار (وهو يهم بالقيام) :
دا إنت ...
جورج :
مكانك! (يسدد إليه المدفع.)
نصار :
إديني ... مستني إيه؟ خلص علي يا بطل. إديني كمان ... إديني وخلي الدم ده يسيل (يتأمل يده الملوثة بالدم)
دم. دم حقيقي. دم من قلبك سخن. دمك يا نصار. ما له اسود كده ليه؟ (يحدق حوله بعينين مفتوحتين)
دا الدنيا كلها سودة، أنا عميت ... أبدا! بيتهيألي إني فتحت (بصراخ)
أنا شايفك يا كلب. بس يا خسارة بعد فوات الأوان. بقى ما تفتحش إلا على رصاصة يا نصار ؟ تستاهل دا الأعمى هو اللي ما يشوفشي عدوه. وأنا عشت طول عمري أعمى ودلوقت بس فتحت. إديني كمان والنبي خليني أموت.
جورج (بهمس سريع) :
بالتأكيد كان ينوي قتلي ... أنا كنت أدافع عن نفسي ... ما أدراني أنه لم يكن مسلحا ... المكان لم يعد مأمونا ... الهواء كأن فيه أنفاس ألف رجل. من الواجب أن أذهب بسرعة (يتراجع بخطى حذرة وظهره إلى الباب).
نصار :
أموت فطيس كده. حتى ولادي قافل عليهم بإيدي (بشهيق رهيب)
أموت فطيس؟
سعد :
ليه السكوت ده؟ هم خرجوا؟ تقوم؟ لأ خليك مكانك لحسن تكون خدعة. (يأتي صوت سوسن من خلال الباب الآرش وهي تبكي وتقول):
سوسن :
بابا ... بابا.
جورج (وهو عند الباب) :
من؟ ماذا أسمع؟ أنا أعرف هذا الصوت (يتوقف ويعود إلى الداخل)
هذا بكاء ابنتي شيرلي؟ شيرلي هنا؟ لقد تركتها في سوثهامبتون مع عمتها، ماذا أتى بها إلى هنا؟ (تظهر سوسن عند الباب والنوم لا يزال يملأ عينيها وهي تدعكهما وتبكي.)
سوسن :
بابا ... بابا عايزة حصان.
جورج :
من؟ شيرلي مستحيل! ولكنها تشبهها تماما. تماما. الشعر والملامح وطريقة البكاء ونفس الكلمة. بابا.
سوسن :
بابا ... بابا. الله عايزة حصان يا شيخ! (تتقدم إلى الداخل بضع خطوات.)
جورج :
لا. مستحيل. ليست شيرلي.
سوسن (تتجه إلى أبيها وهي تبكي) :
بابا. عايزة حصان يا بابا.
جورج :
أنت ابنته؟ أنت عدوة إذن؟ (يصوب المدفع إليها)
لا أحد يتحرك. أيديكم إلى أعلى. حركة واحدة أطلق النار. (سوسن تتقدم ناحية أبيها ووجهها إلى جورج.)
سوسن :
مين ده يا بابا؟ الله عايزة حصان يا أخي (تبكي) .
جورج :
قلت لا أحد يتحرك. أيديكم إلى أعلى. حركة واحدة وأطلق النار (بصراخ)
أيديكم إلى أعلى. (تنظر إليه سوسن وتتوقف، ثم تخاطب أباها مشيرة إلى المدفع الذي في يد جورج.)
سوسن :
باب ... عايزة ... مش عايزة حصان. عايزة دهه.
جورج :
لماذا تشير إلي؟ ألا يحتمل؟ لا. مستحيل. لا تدع طفلة منهم تخدعك. لا أحد يتحرك. أيديكم إلى أعلى.
سوسن :
بابا. هات لي البندقية دي ... هاتلي دي. (بعد أن كانت في طريقها إلى أبيها تتحرك ناحية جورج.)
جورج (بذعر) :
قلت لك قفي ... حركة واحدة وأطلق النار. (سوسن ماضية في التقدم ناحيته)
جورج :
هه (يحرك التنك ويضغط على الزناد) .
سوسن (تسرع إليه) :
الله لأ. خليني أنا أعمل كده. خليني أنا أعمل كده أنا.
جورج :
أيديكم إلى أعلى ... حركة واحدة وأطلق النار. (تتقدم سوسن وتمسك ماسورة المدفع فيسدد جورج الماسورة إلى قلبها.)
سوسن :
خليه يديهالي يا بابا وأنا أديله بوسة. الله! بابا. (تقولها وهي تنظر في حب إلى وجه جورج.)
جورج (والعرق يتساقط منه) :
يا إلهي! إنها شيرلي. ولكني لا أفهم لماذا تتكلم هذه اللغة المتوحشة. شيرلي؟
سوسن (وهي تنظر إليه ولكنها تخاطب أباها) :
بابا ... بابا ... عايزة ده.
جورج :
بحق الشياطين إنها ابنتي ... مستحيل ... إنها ابنته هل أنت ابنتي أم ابنته؟ تكلمي ... تكلمي وإلا أطلقت النار.
سوسن (تجذب منه المدفع) :
إديني ده.
جورج (يدفعها بعيدا ويقول بجفاء) :
لا أنت ابنته. أنت عدوة. من يحاول أخذ سلاحي فهو عدوي. أيديكم إلى أعلى. (سوسن تجري مذعورة إلى أبيها وتحتضنه بشدة وهي تنظر إلى جورج.)
سوسن :
بابا. بابا. قوم يا شيخ. قوم الله! قوم حوش الراجل ... ده.
جورج :
أخفتها يا جورج. تبا لك. أنت فظ.
سوسن (في احتضانها لأبيها تكتشف الدم) (تنظر إلى جورج وتتوقف عن الكلام، ثم تقف وتشبك يديها فوق رأسها وتواجهه.) : (تنظر إلى جورج وتتوقف عن الكلام، ثم تقف وتشبك يديها فوق رأسها وتواجهه.)
كده تعور بابا. عورته ليه؟ عورت بابا ليه؟ (تبكي) .
جورج (وهو لا يزال مسددا إليها المدفع) :
يا إلهي ماذا تقول ...؟ رأسي ينفجر. أكاد أفهم ما تقول. أكاد أفهمه كلمة كلمة. لغتهم لم تعد متوحشة. إنها على لسان الأطفال مفهومة. لكأنها شيرلي التي تكلمني.
سوسن (بحدة) :
عورت بابا ليه يا بايخ؟
جورج (بانبهار) :
تماما. تماما. أعرف ما تقولين. أنت تعاتبينني. أنت تحاكمينني. (بصوت عال)
بحق الشياطين أكاد أجن. فلو كنت واقفا أمام الله يوم القيامة لما أحسست بخجل كهذا. سامحيني يا صغيرتي، لقد كنت في حالة دفاع شرعي عن النفس.
سوسن :
هو بابا كان عمل لك حاجة؟ تعوره ليه؟ انت مش عارف إن ده بابا؟
جورج :
يا للهول! سامحيني يا صغيرتي ... لم أكن أعرف أنه أبوك. كنت أظن أني جئت لأقاتل جنودا ... والجنود لا يظهر لهم أطفال ... وإذا بي ...
سوسن :
وإيه اللي جابك هنا يا بايخ؟ دا بيتنا، جاي بيتنا ليه يا بارد؟ حد كان قال لك تعال؟
جورج :
عفوك يا صغيرتي، هم الذين أتوا بي إلى هنا رغما عني وقالوا: اقتل كل من يتحرك. وحين تحرك أبوك قتلته ... أنا لم أكن أريد هذا ... أنا لم أكن أريد ترك ابنتي. حتى الخطابات يمنعونني من كتابتها إليها حفظا لأسرار العملية ... أنت لا تعرفينها ... هي مثلك تماما، واسمها شيرلي. إنك هي، أليس كذلك؟ يا إله السموات، خذني إلى جحيمك فورا ... فأهون عندي أن أموت مائة مرة ولا أواجه هذه الطفلة.
سوسن :
وواقف هنا ليه يا تلم؟ امشي من بيتنا. هو ده بيتكم دا بيتنا احنا. امشي! روح بيتكم! إنتم مالكوش بيت؟ سايب بيتكم وجاي بيتنا ليه يا تلم؟ يلا (تذهب إليه وتجذبه من بنطلونه وتدفعه إلى الخارج)
يلا ... روح بيتكم ... يلا ... إنتم مالكوش بيت؟
جورج :
لا تدفعيني أرجوك، شيرلي ابنتي لا تفعل هذا.
سوسن :
حاتمشي ولا أضربك بالبندقية؟ هه (تجذب منه المدفع) .
جورج (بزعيق هائل) :
لاه. أفق يا جورج ... ابعدي يا عدوة ... أيديكم إلى أعلى ... حركة واحدة وأطلق النار.
سوسن (تتراجع مذعورة من صراخه وتبكي ثم تنتابها حالة غضب طفولي جامح وتبحث عن الأحذية والقباقيب وتقذفه بها) :
امشي يلعن أبوك ابن كلب. يلا على بيتكم يا ابن الكلب. امشي انجر من بيتنا ... امشي!
جورج :
بحق الشياطين سأقتلك. فلتلحقي بأبيك إذن (يأخذ وضع استعد ويحرك الزناد)
فلتلحقي به ... أنا فقط أدافع عن نفسي، فلتلحقي به. (الضابط يدفع الباب ويدخل ومعه عسكريان.)
الضابط :
لماذا تأخرت يا عسكري؟ ما الذي أخرك؟ تكلم.
جورج (لنفسه وهو يغير من وضع المدفع) :
أنت؟ بحق العذراء لقد جئت في الوقت المناسب (ثم للضابط)
سيدي اقبض علي.
الضابط :
أقبض عليك؟ لماذا؟
جورج :
لقد ارتكبت جريمة.
الضابط :
جريمتك الوحيدة الآن أن تكون قد أهملت في تنفيذ الأوامر وإطلاق النار.
جورج :
جريمتي يا سيدي أني نفذت الأوامر.
الضابط :
إذن ليست هناك جريمة ... ماذا فعلت؟
جورج :
قتلت هذا الرجل.
الضابط :
وما الجريمة هنا؟ لقد قتلت عدوا.
جورج :
لا يا سيدي، لقد قتلت أبا.
الضابط :
هذا عدو.
جورج :
هذا أب.
الضابط :
أب من؟
جورج :
أب شيرلي.
الضابط :
شيرلي من؟
جورج :
شيرلي ابنتي.
الضابط (بابتسامة صفراء) :
قتلت نفسك إذن؟
جورج :
أجل يا سيدي، هذا بالضبط ما حدث. لقد قتلت نفسي.
الضابط (للجنديين) :
صدمة حرب. أف! تبا لوزارة الحرب هذه. هراء وسخف. لماذا يأتون بهؤلاء الضعفاء الحمقى لكي يقاتلوا؟ الحرب يلزمها رجال أقوياء، وهؤلاء مجرد أطفال يفقدهم مرأى الدماء عقولهم. جرداه من السلاح. (يحاول العسكريان انتزاع المدفع من جورج.)
جورج :
اذهبوا يا كلاب! تريدونه لتنفيذ الأوامر وقتل أنفسكم. اذهبوا عني.
الضابط :
قلت لكما جرداه من السلاح. (يحاولان مرة أخرى ويفشلان.)
حسنا، دعوه! تحرك يا عسكري ... باسم الملكة تحرك.
جورج :
كيف أتحرك يا سيدي؟ لقد قتلت نفسي ... أنا رجل ميت فكيف أتحرك؟
الضابط (وهو يهدده بمسدسه) :
تحرك يا عسكري وإلا أطلقت النار. تحرك. أيديكم إلى أعلى ... حركة واحدة وأطلق النار.
تحرك يا عسكري.
جورج :
الموتى لا يتحركون يا سيدي.
الضابط :
حسن؛ احملاه قسرا واذهبا به فورا إلى مستشفى الميدان. (يتعاون العسكريان على حمله فيما بينهما.)
جورج :
لا، لا، لا أريد الذهاب إلى المستشفى. لا أريد. بحق السماء خذوني إلى سوثهامبتون بلدي وواروني بالتراب هناك، ولا تخبروا شيرلي. بالله لا تخبروها. (يخرج العسكريان وهما يحملان جورج وخلفهما الضابط.)
سوسن (وهي ترفع رأسها من حضن أبيها) :
بابا! يأخي قوم بقى الإنجليز ماشيين قوم تفرج عليهم قوم.
قوم يا شيخ! طب أعمل لك البيضة وتقوم؟ (تمسك أصابع يده)
آدي البيضة. وآدي اللي شواها وآدي اللي قشرها. وآدي اللي قال هات حتة، لحسن أقول لأصحابها. زغزغزغ (تزغزغه)
الله! طب والله إن ما ضحكت لمخاصماك. هه! (تخاصمه بأصابعها)
أنا مخاصماك (تبكي.)
سعد :
سوسن، سوسن ، هم مشيوا؟ (يهبط من فوق السرير) . الهدوء ده مريب قوي. أنا حاسس إن فيه حاجة. (ينظر من ثقب الباب ويهمس بصوت خطير)
سوسن، سوسن. (يهمس لنفسه)
أنا سامع حاجة أنا شامم حاجة. (يخبط على الباب بشدة)
افتحوا الباب، افتحوا الباب.
سوسن (تكف عن البكاء) :
أفتحه أنا يا أبيه؟
سعد (بعصبية) :
ما تعرفيش انتي يا سوسن ... افتحوا الباب.
سوسن :
لا، أنا أعرف. ماما بتقول إني أقدر أفتحه ... أوريك؟ هه. (تترك أباها وتتجه إلى الباب وتتردد هنيهة. ثم تدير الأكرة وتدفع الضلفة فينفتح الباب.)
سعد :
مين اللي فتح يا سوسن؟
سوسن :
أنا.
سعد :
فتحتيه إزاي. جبتي المفتاح منين؟
سوسن :
أنا ما لي هه، أنا عملته كده (تدير الأكرة)
راح مفتوح.
سعد :
راح مفتوح؟ (تائها بعينيه في أنحاء الصالة)
يعني كان مفتوح م الأول، وإزاي ما أعرفش دي؟ الباب كان مفتوح. الباب كان مفتوح. أخبط والباب كان مفتوح؟ (يتقدم وفي عينيه رعب وغضب وذهول، ويقترب من أبيه ويحدق فيه، ويتحسس جبهته، ويمسك يده وهو يتمتم بكلمات غير مسموعة. يتحرك رأس نصار في بطء ويفتح عينيه.)
نصار :
سعد؟
سعد :
بابا الباب كان مفتوح، الباب كان مفتوح ... وجرى لك إيه يا بابا؟
نصار :
واحد إنجليزي ابن كلب هزر معايا يا سعد هزار تقيل.
سعد :
عورك يا بابا؟
نصار :
لا ... قتلني.
سعد :
قتلك إزاي يا بابا؟ مش معقول. دا الباب ...
نصار (مقاطعا) :
معلهش! ضحكت عليك أنا في حكاية الباب دي ... دا كان مقفول على سنة، يعني سوسن تقدر تفتحه، وانت اتهيأ لك إني قفلت عليك. ضحكت عليك في دي يا باشمهندس.
سعد :
ما يمكن أنا كنت عارف يا بابا؟
نصار :
هو ده معقول يا بني.
سعد :
ما يمكن خفت يا بابا؟
نصار :
هو ده معقول؟
سعد :
أنا اللي قتلتك يا بابا.
نصار :
اللي قتلني يا بني واحد إنجليزي.
سعد :
كنت أقدر أفتح الباب بطلقة وأخرج له.
نصار :
كنت قتلت نفسك وقتلتني.
سعد :
بس يرضيك إني أشتري حياتي بالخوف؟
نصار :
معلهش! وفيها إيه دي؟ أصل اللي رباك يا بني كان ميت م الخوف عليك، ما تطلعشي ليه إنت ميت م الخوف على نفسك. يلعن أبو اللي رباك. يلعن أبويا أنا.
سعد :
انت دايما تخلي نفسك مسئول عن كل حاجة يا بابا؟ حتى عن خوفي.
نصار :
ياخيه يابو السعود! معلهش خلاص أنا انتهيت. إنما تعرف دلوقتي بس نفسي الأيام ترجع تاني وأعيش تاني عيشة تانية غير اللي عشتها. أعيش ما أخافش. أعيش ما استحملشي إهانة وأربيكم تاني ... أربيكم وأنا مش خايف عليكم. علي الطلاق بالتلاتة إن اللي يرضى يعيش ذليل حلال فيه الموت.
سعد :
بابا. بابا، أنا عمري ما شفتك زعلان كده. دي، دي أول مرة أشوفك فيها زعلان بجد.
نصار :
أيوة يا سعد زعلان. من ساعة ما قلت لك خش الأودة ودخلت وقفلت عليك وأنا زعلان. وماكنتش عارف أنا زعلان ليه؟ كأن سهم الله نازل علي ومش عارف ليه؟ يتهيأ لي إني دلوقت بس عرفت أنا كنت زعلان ليه؟
سعد :
ليه؟ ليه؟
نصار (وقد بدأ نفسه يصبح غير منتظم) :
زعلان ... عشان ... انت ... طاوعتني ... أنا كان لازم ... أقول لك ... ادخل وأقفل عليك. إنما إنت ... إنت ... تطاوعني ساعتها ليه؟ تعرف ... لو كنت خالفتني ... وخرجت غصب عني ... يمكن ما كنتش زعلت ... كنت يمكن ... بيني وبين نفسي فرحت ... والله ... كنت ح ... أفرح إن شاء الله ينقطع دراعي ... مش من هنا ... من ... (يسقط ذراعه بجانبه، وتنحدر رأسه على كتفه، ويتصاعد منه شخير غير منتظم ... شخير الموت. ثم لا يلبث أن ينتهي).
سعد (يحدق في أبيه طويلا ويضع أذنه على قلبه، ثم يلوث إصبعه بالدم وينظر إلى إصبعه الملوثة، ثم ينتقل بنظره إلى سوسن، التي ما تكاد تراه ينظر إليها حتى تبكي ويستمر بكاؤها هنيهة ... وسعد يقول بهمس يكاد لا يسمع) ... :
طاوعته ليه؟ صحيح طاوعته ليه؟ دا الباب كان مفتوح، كان مفتوح، كان مفتوح. (يستمر يردد الكلمة وصوته ينخفض وينخفض حتى تتحول الكلمات إلى مجرد حركات من شفتيه المرتعشتين، وفجأة يقفز من مكانه كالملسوع ويصرخ بأعلى صوته «آي. أبويا مات». سوسن التي كانت تتفرج عليه وهي تنشج تتراجع مذعورة لدى سماعها الصرخة ويرتفع بكاؤها وتستمر تبكي بكاء متصلا إلى آخر المشهد. يقترب سعد مرة أخرى من جثة أبيه ويواصل كلامه في همس مذهول) . أبويا مات. أبويا مات. مات ... مات ... مات! (يكرر الكلمة وصوته يرتفع بها من الهمس إلى الصراخ)
مات ... مات ... مات ... والباب مفتوح. (يجري ويتحنجل في الصالة ويكلم الجدران وقطع الأثاث)
أبويا مات والباب مفتوح، أبويا مات والباب مفتوح، أبويا مات والباب مفتوح. (يتوقف ويدق على الحائط دقات منتظمة)
أبويا مات، أبويا مات، أبويا مات، أبويا مات. (يصرخ فجأة)
هأو أو ... (يجري رائحا غاديا في الصالة)
هيه ... يا حلاوة يا ولاد ... أبويا مات، أبويا مات، أبويا مات! (ينحني ويواجه سوسن ويمسكها من كتفيها وهي سادرة في بكائها)
أبويا مات يا سوسن. مات. وأنا باخبط ع الباب والباب مفتوح، الباب مفتوح، الباب مفتوح. (يقف فجأة وكأنه يخاطب السماء)
نظرية الضغوط العالية في عمل الأفران. نموت وتحيا مصر أنا هيمان ويا طول هيامي. عاش الطلبة مع العمال الكفاح كفاح الشعب. (ينهال على باب مسعد خبطا)
افتح يا مسعد بابك افتحه. أبوك مات يا خويا. قافل على نفسك ليه؟ (يخبط الباب بقدمه خبطة قوية فيحطمه ويفتحه)
افتحوا الأبواب ... أيها الناس افتحوا الأبواب. (يسمع صوت انفجار مروع قريب وينهار المنزل المجاور وينهار معه المثلث الأعلى الداخلي لحائط الصالة الأيمن ويمتلئ الجو بغبار ودخان)
إديله ... أيوة كده. انهاري يا بيوت، واندكي يا بلد، واتزلزلي يا سما، وافتحي بطنك يا أرض وابلعي الدنيا. (ثم يختنق صوته بالبكاء)
دا أبويا مات، دا أبويا مات.
مسعد (يظهر على بابه خائر القوى في غاية الشحوب) :
إيه اللي جرى يا سعد! (فردوس تخرج وراءه وتقبل كوثر من الداخل ويبكيان معا ويندبان نصار صامتتين ويفردان فوقه ملاءة بيضاء.)
سعد :
إحنا جدعان قوي يا مسعد ... أبويا مات. (يدخل جريا إلى حجرة النوم التي كان مختبئا فيها. يتقدم مسعد كالمأخوذ إلى الجثة ويركع بجوارها وتهطل من عينيه الدموع. ويرفع يد أبيه إلى شفتيه ويقبلها.)
مسعد :
الله يرحمك يا بابا. (يخرج سعد من حجرة النوم مندفعا وفي يده مسدس.)
سعد : (يلحظه مسعد فيثب عليه ويوقفه).
مسعد :
رايح فين يا سعد؟
سعد :
إوعى سيبني.
مسعد :
انت اتجننت؟ دا قبل ما تضرب طلقة واحدة تكون مت.
سعد :
انت اللي اتجننت ... إوعى سيبني آخد بتاره.
مسعد :
هو ده وقت التار؟ الناس بتحارب وانت عايز تاخد بالتار.
سعد :
يعني قصدك تقول إني مش قادر أحارب؟ ما تقولها وتسكت. قولها يا جبان ... خايف تقولها؟
مسعد :
يا سعد عيب!
سعد :
والله عال! مسعد العبيط بقى يقول عيب. إيش فهمك انت في العيب؟ هو العيب إني ما خدشي بتار أبويا. عيب إني باحبه؟ عيب إنه كان أحب واحد لي في الدنيا؟ دا انت تلقاك فرحان ... دا كلام واحد فرحان ده. افرح يا عم بقيت ريس العيلة، افرح.
مسعد :
العيب إنك تقول كده وأبوك لسة دمه سايح يا سعد.
سعد :
ما تتكلمشي انت عنه ... ما تمثلشي إنك زعلان ... ما يخلشي علي الكلام ده.
مسعد :
يا سعد أنا أبويا مات النهارده قصاد عيني ميت مرة. الناس بيموت لها أب واحد وأنا مات لي النهارده ميت أب. كلهم، كلهم ماتوا قدام عيني. كلهم اللبس دهه، والوش الأسمر دهه، والدم الأحمر ده ... دا أنا مات لي النهارده ميت أب.
سعد :
وأنا مات لي النهارده أب واحد ... إنما قد كل الأبهات. دا أبويا أنا ده، دا يسوى عندي الدنيا كلها. إوعى تجيب سيرته على طرف لسانك ...
مسعد :
يا سعد اختشي واسكت قاعد تهطرش في الكلام ليه؟ عمال تقول أبويا أنا بس ... ما هو كان أبونا كلنا، وكلنا كنا بنحبه ... وده وقت الكلام في حبه؟
سعد :
بقى الكلام عن حبه هطرشة يا جاهل يا مجرم. دا إجرام ده.
مسعد :
أقول لك إيه بس؟ اسكت بقى. انت كنت تعرفه منين عشان تحبه؟ حيالله كنت بتيجي كل أجازة زي الضيف وتمشي. أنا عشت معاه وعاشرته ... أنا شفته لما كان بيشتغل بمنطلون مقطع، وشفته لما لبس الحرير وقعد في المكتب. شفته وهو بيتخانق، وهو بيتوضا، وهو بيكذب وبيزود عيني عينك في الأسعار، عشت معاه وياما ضربني وقبحت فيه وجري ورايا وحدفني بالعدة، ودا كله خلاني أحبه أكتر. علي الطلاق حبيته أكتر. مش لأنه ولي ولا صاحب كرامات ولا حاج؛ لأنه أبويا اللي قوي وشفته ضعيف وشفته مزنوق وشفته جبار. اسكت ما تخلنيش أتكلم دا مش وقت الكلام. اسكت.
سعد :
أمال وقت إيه يا جعر؟
مسعد :
عيب يا سعد أنا أخوك الكبير.
سعد :
اخرس بلا أخويا بلا عمي. أنا بعد أبويا مليش لا أخ ولا أم ولا خال. أنا لي أعداء بس.
مسعد :
أنا أخرس؟ أنا اللي كنت أقول لأبوك إديني صاغ أشرب به شاي، فيقول لي ما فيش الفلوس كلها رايحة لأخوك سعد ... فأحس ساعتها كأني شربت شاي. صحيح أنا لازم أخرس ... أنا لازم أخرس قوي.
سعد :
اللي ما يعرفش قيمة أبوه لازم يخرس.
مسعد :
واللي ما يعرفش قيمة أخوه ما يعرفشي قيمة أبوه.
هنية (داخلة) :
جابت ولد يا نصار وسموه علشان خاطري على اسمك. الله! خير يا ولاد كفا الله الشر (تلحظ نصار)
نصار! ما له؟ حبيبي؟ لازم مات؟ مت يا أعز الحبايب؟ نصار؟ الله! كده! إوعى تكون عملتها. إوعى تكون خدتني غدر ومت (فردوس وكوثر تحاولان إمساكها ومنعها ولكنها تدفعهما وتجلس بجواره. ثم تتمدد بجانبه وتحتضنه وتظل ملتصقة به وهي لا تتكلم) .
سعد (يتجه إلى الباب فيعترضه مسعد مرة أخرى) :
إوعى سيبني لحسن وديني أسيح دمك ... سيبني آخد بتاره وبطلوا جبن بقى.
مسعد :
أنا اللي جبان يا سعد؟
سعد :
بتقول إيه؟ سامعين، سامعين بيقول علي إيه؟ سامعة يا سوسن بيقول إيه، السافل بيقول إيه؟
مسعد (بغضب) :
ما تخرس بقى ... كفاية بقى لحد هنا، وكفاية ما تخليش الواحد يتكلم.
سعد :
تتكلم تقول إيه؟
مسعد :
مش حاتكلم أنا. خلي الباب يتكلم.
سعد :
باب إيه يا عبيط؟
مسعد :
الباب اللي كان مفتوح وقاعد تخبط عليه وتقول افتحوا الباب.
سعد :
وأنا كنت أعرف إنه مفتوح؟ يا ريت كنت أعرف.
مسعد :
أيوة كنت عارف.
سعد :
انت كداب. ستين كداب في أصل وشك.
مسعد :
مش حارد عليك. مش انت اللي كنت دايما تقول إزاي نبقى أصحاب ورشة نجارة وكل أبوابنا بتقفل ع الفاضي.
سعد :
أنا عمري ما قلت كده ... انت كداب ... عمري ما قلت كده (يتوجه إلى الباب فيحاول مسعد مرة أخرى أن يعترض طريقه، فيوجه سعد إليه لكمة يتحاشاها مسعد)
انت خفت؟ (ينفجر ضاحكا)
هئ هئ هئ. إنت خفت؟ أسيح صحيح؟ هئ هئ (يضرب طلقة من المسدس في الهواء)
صدقت إني حاسيح دمك؟ (يضرب طلقة أخرى)
صدقت إني حاسيح دمك؟ (يضرب طلقة أخرى)
صدقت إني رايح آخد بتار حد؟ (يضرب طلقة ثالثة) .
مسعد :
عيب يا سعد اعقل، بلاش الرصاص اللي ف الهواء ده يمكن ينفع.
سعد :
هئ. الرصاص ينفع؟ (يضرب طلقة أخرى)
دا الباب كان مفتوح وكانت واحدة من دي كفاية (يضرب طلقة أخرى)
واحدة كانت كفاية عشان أبويا يعيش. الرصاص ينفع؟ (يفتح خزانة المسدس وينظر فيها ثم يغلقها)
باقي واحدة ... واحدة بس. (يخاطبهم جميعا)
عارفين الرصاصة الأخيره دي لمين؟ لي ... للبطل كي تنتهي المأساة. لي وحدي ... سأستمتع برصاصها المغلي وهو يخترق جمجمتي. (ينتحي ركنا من المسرح ويصوب المسدس إلى أذنه اليمنى. تهب هنية واقفة وتندفع معها فردوس ومحمد وسوسن وكوثر ويحاولون منعه.)
مسعد (يدفعهم بعيدا ويصرخ بصوت كالرعد) :
ابعدي انتي وهي. سيبوه ... إوعى حد يقرب له (يخاطب سعد الذي يقف وحيدا في الركن وفوهة المسدس إلى أذنه)
إن كنت جدع اضربها.
هنية (تصرخ في فزع) :
الحقونا يا هوه ... حوشوا يا ناس نصار مات والبيت حايخرب.
مسعد :
بس يا ولية؟ سيبيه. اضرب يا بطل، اضرب.
سعد :
أيوة سيبوني. ساعة الجد سقطت في امتحان الرجالة، ولازم أنجح غصبن عنكم، حانجح. أهه. شايفين؟ حانجح. حابقى راجل ملو هدومي وقد كلمتي أهه. (يغمره العرق وهو يضغط على الزناد وتتشنج عضلات وجهه ثم لا يلبث أن يلقي بالمسدس جانبا وينهار)
مش قادر. حتى دي مش قادر عليها. إذا كان ما قدرتش أضرب الغريب أقدر أضرب نفسي؟ (يتجه إلى مسعد ويعانقه ويخفي رأسه في صدره ويقول بصوت مخنوق بالبكاء)
أنا خفت يا مسعد خفت ومانيش عارف إيه اللي خلاني أخاف. إيه اللي قيدني وكتفني وشل حركتي مش عارف، مع إني والله والله مانا جبان. (ينخرط في نشيج صامت.) (يبدو جورج متسللا على السلم في المدخل حافي القدمين عاري الرأس وهو يحمل المدفع.)
جورج :
شيرلي ... شيرلي ... أين أنت يا شيرلي؟
سوسن (تكف عن بكائها المتصل وتندفع تحتضن سيقان أخويها المتعانقين مذعورة) :
حوشوا ... حوشوني. الإنجليز جم.
مسعد :
الإنجليز؟
سعد (رافعا رأسه من على كتف مسعد بدهشة شديدة) :
جايين هنا؟
جورج :
شيرلي يا حبيبتي. لقد غافلتهم وهربت. كانوا يريدون إبعادي عنك ولكني لم أستطع يا شيرلي. سآخذك وسنذهب معا إلى عمتك في سوثهامبتن، وهناك ماما يا شيرلي.
سوسن :
دا اللي كان هنا ... دا اللي عور بابا ... هم راجعين تاني بعد ما عوروا بابا؟ دول جايين. أنا خايفة قوي (تخفي رأسها في ساقي مسعد وتبكي.)
مسعد (يدفعها جانبا وقد انقلب شخصا آخر وينقض على المسدس الملقى على الأرض ثم يأمر الجميع) :
على جوة كلكم.
جورج :
لماذا تبكين يا شيرلي؟ هذا صوت بكائك أعرفه تماما. ماذا يبكيك يا حبيبتي؟ هل يضايقك أحد؟ هل عندك أحد؟ أنا قادم يا شيرلي لا تخافي. هم يحاولون إبعادك عني ولكني سأقتلهم جميعا لأنقذك. بابا قادم لينقذك ... أنا قادم يا شيرلي فكفي عن بكائك.
مسعد :
اعملوا لكم مروة ... خدهم يا سعد وخش انت العيلة عايزاك ... خش.
سعد :
عيلة مين وعوزة مين؟ هات المسدس (يغافل مسعد ويختطف منه المسدس)
دا باقي فيه رصاصة يا طلعت من إيد راجل وخدت تار راجل، يا ما طلعتشي ويموت كلب. يا حاتطلع الأول وتقتل عدو، يا حاتطلع الآخر وأموت جبان. كلمة واحدة ما فيش غيرها خش جوة خش.
جورج (وكأنه يحدث نفسه) :
صه! هذا صوت الزعيم. تبا لك كيف تجرؤ على لمس ابنتي. وأنا بطل في ضرب النار. أنا قادم يا شيرلي وسأقتل الزعيم (ثم لنفسه)
خذ حذرك يا جورج وأنت تتسلل. لا بد من مفاجأته. تحرك ببطء وبجوار الحائط.
سعد (يدفع مسعد وبقية إخوته إلى الداخل) :
ما تضيعش الوقت يا مسعد.
مسعد :
أنا فداك يا خويا ... وحياة رحمة أبونا تديني المسدس.
سعد :
والله لما يصحى ويطلبه مني هو ما اديهولك. خش!
جورج (لنفسه بهمس) :
خذ حذرك يا جورج فلا بد أنه ينتظرك في الداخل، وإذا لم تقتله قتلك. (ثم بصوت مرتفع)
سأعطيك يا زعيم درسا لن تنساه. جهز نفسك للموت. (حين يصبح سعد وحده، يرتبك ويرتجف المسدس في يده ويغمره العرق وهو جالس في وضع استعد بجوار جثة أبيه) .
سعد (ملتفتا إلى أمه التي كانت قد عادت إلى احتضان جثة نصار) :
إنتي هنا؟ أنا راخر بقول لسه إيدي بترجف ليه؟ إنتي السبب ... إنتي السبب في كل حاجة. قومي من هنا: ابعدي عني بقى.
هنية :
أنا يا بني، أنا عملت لك حاجة؟ أنا قاعدة أدعي لك في سري.
سعد (بعصبية شديدة) :
ما هي المصيبة في دعاويكي ... دي تعديد. طول عمرك تدعي لي وتندبي علي. طول عمرك ندابتي مش أمي. إنتي أم الخوف. إنتي مش أمي. كفاية بقى، قومي من هنا، حاتقتليني بدعاويكي زي ما كنتي حاتقتليني لما رفضتي أتعلم العوم وأنا صغير، فكنت حاغرق لما كبرت ووقعت في المية. قومي من هنا يلا.
هنية :
كده! هو انت فاكرني إيه؟ بقى يقتلوا نصار وتقول علي ندابتك؟ نصار يقتلوه يا سعد؟ (ثم بصوت خطير)
اسمع، انت عايزني أبقى أمك صحيح؟
سعد :
نفسي مرة في عمري.
هنية :
خد بتار أبوك.
سعد :
يا سلام! أول مرة في حياتي أحس إني مش مكسوف إن لي أم. أول مرة أحس إن ضهري محمي وإني راجل أقدر أحارب مليون. تعال يا كلب قرب علي ... تعالوا كلكم ... تعال يا جيش الإمبراطورية بحاله ... أنا قدكم ... أنا أكبر منكم ... الدم ده دم أبويا، مش حاشيله من هنا، وكل ما أشوفه حاغضب، وكل ما أغضب حاضرب. تعالوا يا كلاب. وحق أبويا الشهيد. (يظهر جورج فجأة عند الباب. وفي نفس الوقت يصرخ مسعد من الداخل «اضرب يا سعد!» وتنطلق رصاصة من مدفع جورج ورصاصة من مسدس سعد، ويواصل جورج إطلاق المدفع ولكن فوهته تعلو فتصيب الطلقات ترابيزة السفرة ثم ترتفع الفوهة وتصيب حقيبة النجار المعلقة على الحائط فتسقطها ثم تصيب السقف، ثم يسقط جورج على ظهره والمدفع لا يزال لاصقا بكتفه والطلقات تخرج منه إلى السقف.
تتوقف طلقات المدفع فجأة، وبعد جزء من الثانية تنطلق رصاصة أخيرة وتنفرد ركبة جورج المثنية ويفتح ذراعيه وهو يتأوه قائلا.)
جورج :
لا تخبروا شيرلي، بالله لا تخبروها. (ينثني رأسه ويموت) .
مسعد (خارجا من الباب الآرش ووراءه بقية العائلة) :
تسلم إيدك يا سعد ... تسلم إيدك يا خويا. (ثم يتوجه إلى جثة جورج ويحملها ويلقي بها من الفجوة التي حدثت نتيجة لانهيار الحائط) ، إلى حيث ألقت يا جورج. (أثناء هذا الوقت يظل سعد محدقا إلى المسدس برهة، ثم إلى جثة أبيه.)
سعد :
يعني كان لازم تموت عشان أبطل خوف؟ آه يا حبيبي يا بابا. (يعانق أباه ثم يكفكف دموعه، ويتوجه بخطوات ثابتة ناحية الباب الخارجي.)
هنية :
على فين يا بني؟ حاتعمل إيه؟
سعد :
أعمل اللي كان لازم أعمله من ساعتها.
مسعد :
طب استنى شوية.
سعد :
أنا اتأخرت يومين، وكفاية تأخير.
هنية :
طب مش ناسي حاجة؟
سعد :
أبدا.
هنية :
غلطان؛ مش المرة اللي فاتت كنت عايزني أزغرت لك وانت ماشي؟ (يتكسر صوتها)
نسيت دي ليه؟ روح! (تزغرد)
ربنا يا بني يحميك لشبابك. روح! خدها من قلبي وروح! (تزغرد وتختنق زغاريدها بالدموع) روح اتحنى بدمهم روح! معايا يا بنات. النهارده فرحه، والليلة ليلة دخلته ودي زفته روح دانت الليلة عريسنا. هو نصار مات عشان نحزن؟ نصار أهه يا بنات ... راجلي أهه ... زغرتوا له، روح! (بنفس الخطوات الثابتة يغادر سعد المنزل وزغاريد هنية وكوثر وفردوس تودعه مختلطة بطلقات المدافع الرشاشة المتقطعة في الخارج) . (ستار)
صفحه نامشخص