على أننا في الواقع لا نستطيع أن نعرف تماما كيف كانت ملكية هذه المصانع، ولا سيما ما يعرف منها باسم طراز العامة، ولا غرو فإننا نعرف عن «الطراز»
107
حقائق متفرقة؛ ولكن تغيب عنا أشياء لا بد من معرفتها، إذا أردنا أن نتبين تماما علاقة الحكومة بصناعة النسج الأهلية والضرائب التي كانت تثقلها بها، وازدهار هذه الصناعة على الرغم من ذلك كله، وانخفاض أجور العمال، وتسرب الأرباح إلى خزائن الحكومة، أو إلى جيوب موظفيها، أو جيوب أصحاب المصانع من علية القوم، أو إذا أردنا أن نعرف إلى أي حد كانت تبلغ رقابة الحكومة على صناعة النسج في مراحلها المختلفة، وهل كانت الأقمشة تختم بخاتم رسمي، ولا يتولى البيع والتجارة إلا تجار تعينهم الحكومة، يقيدون ما يبيعونه في سجلات رسمية، كما كان لف الأقمشة وحزمها وربطها وشحنها يقوم به عمال حكوميون يتناول كل منهم ضريبة معينة.
ومهما يكن من شيء فإن نظام الطراز انتشر في سائر أنحاء العالم الإسلامي، وكان لجزيرة صقلية نصيبها منه؛ فازدهرت صناعة النسج فيها على يد حكامها من المسلمين، حتى لقد يصعب كثيرا التمييز بين الأقمشة المنسوجة في مصانعها والأقمشة المنسوجة في مصر وسورية والأندلس. وإن صح ما ذكره المقريزي من أن الأميرة عبدة ابنة المعز لدين الله تركت فيما خلفته «ثلاثين ألف شقة صقلية»،
108
فإن ذلك يدل على كثرة ما كانت تنتجه المصانع الصقلية، ويثبت أن منتجاتها كانت تقدر في مصر حق قدرها؛ فكان القوم يستوردون منها بعض الأقمشة النفيسة.
وقد ظلت صناعة النسج بصقلية زاهرة في عصر النورمنديين، وتمت مصانع النسج في القصر الملكي، ويشير ابن جبير في رحلته إلى فنى اسمه يحيى من فتيان الطراز، كان ممن يطرزون بالذهب في المصانع الملكية بعاصمة جزيرة صقلية،
109
على أن المشاهد في الموضوعات الزخرفية على الأقمشة المنسوجة بصقلية في العصر النورمندي هو أنها ذات صلة وثيقة بالأساليب الزخرفية البيزنطية؛ وذلك بتأثير النساجين اليونانيين الذين أسرهم روجر الثاني في إحدى الغارات البحرية في بحر الأرخبيل سنة (1147م)، وألحقوا بمصانع النسج في القصر الملكي، وأمرهم بأن يعلموا رعاياه أسرار صناعتهم. واتسع نطاق صناعة النسج في صقلية،
110
صفحه نامشخص