لكن قلب العمة كلوي كان يسبق آذانها في الإنصات، ثم ازداد جمال وجهها الأسود بفعل مشاعر الحب والعرفان، وقالت بنبرة منكسرة: «غنيا أيها الصبيان! أسمعاني أفضل ما لديكما من ألحان. إنني أسمع صوت عجلات العربة على الطريق هناك. لقد أوشك والدكما على العودة إلى المنزل.»
أمسك الصبيان بآلتي البانجو وغنيا ورقصا وكأنهما طائران يخفقان بأجنحتهما الخيالية، ونزلت السيدة شيلبي عن درج المنزل الكبير وسارت نحو الكوخ. وجدت السيدة شيلبي الأولاد في حالة من البهجة، ورأت على وجه الزوجة المنتظرة المخلصة أمارات الترقب والأمل.
فقالت بنبرة لطيفة للغاية: «أيتها العمة كلوي، لا ترفعي سقف آمالك عاليا. ربما لم يتمكن جورج من العثور على توم في النهاية. أنت تعرفين أننا لم تصلنا أي أخبار.» «سيدتي، توقفوا جميعا عن الشك. أنا متيقنة. أنصتي!»
رفعت المرأة السوداء يديها نحو السماء وقالت: «سيدتي، توقفوا جميعا عن الشك. أنا متيقنة. أنصتي!»
جاء صوت صبياني جميل من بعيد، كان خافتا في البداية لكنه ظل يقترب، وكان الكلام يصل إليهم متقطعا، وتساقطت الدموع على الأوجه البيضاء والسوداء على حد سواء، بينما سمعوا وهم ينتظرون:
ما أجمل العودة إلى الوطن! ما أجمل العودة إلى الوطن!
فليحفظه الرب دوما، فليس هناك ما هو أجمل من الوطن.
كان الصوت يزداد قربا ووضوحا وقوة، فاختلطت البسمات بالدموع، وفي غضون لحظات كانت العربة تندفع عبر الباحة، فتوقفت عند باب كوخ العم توم وعلى متنها راكبان سعيدان.
الفصل الخامس عشر
أزهرت الورود ونباتات البيجونيا خمس مرات عند كوخ العم توم المجاور لمنزل عائلة شيلبي الكبير. وقد أحدث مرور السنوات تغييرات غريبة على مناطق الجنوب الجميلة، فقد سحقت الحقول الجميلة تحت أقدام الجيوش، ونشبت معارك الحرب الأهلية الفظيعة على الأراضي الهادئة المفعمة بالحياة والتابعة للمزارعين الجنوبيين. كان جورج شيلبي قد وفى بوعده وحرر جميع العبيد الموجودين في ممتلكاته حين عاد إلى منزله مع توم. ذهب بعض أولئك العبيد إلى ولايات أخرى، لكن مكث معظمهم معه على أساس أنهم عمال مستأجرون يعملون في المكان، وكانوا في مكانهم بمثابة حراس لشرف «السيد الشاب» وأمه أثناء فترة أهوال التمرد والثورة. والآن خبت نار المعارك ودبت الحياة مرة أخرى في المنزل القديم. كان توم قد أصبح مدير المزرعة، وقد استطاع - بحكمته وحصافته - أن يعوض الخسائر التي تكبدتها العائلة خلال سنوات الحرب الأربع. وفي حين أن المزارع المجاورة له أصبحت خربة ومهجورة، كانت أراضي عائلة شيلبي منتجة كما كانت دائما، وتم استكمال أعمال الزراعة والحصاد من دون انقطاع، بغض النظر عن الظروف التي تمر بها البلاد.
صفحه نامشخص