وصل السيد بيرد وكادجو إلى المنزل من دون أن يقابلوا أحدا، وأثناء الفطور في صباح اليوم التالي قال أحد الصبية: «لا أحد يعلم بأمر رحلة الليلة الماضية عداك يا أبي وأمي وتوم وأنا وكادجو، أليس كذلك يا أبي؟»
ابتسم السيد بيرد وأومأ مجيبا إياه أن نعم، لكن الأم رفعت بصرها إليهما وقالت بابتسامة رقيقة كانا يرغبان في رؤيتها: «بلى، يا عزيزي، الرب يعلم.»
الفصل السادس
أشرقت شمس الصباح وأطلت من نافذة كوخ العم توم على وجوه حزينة. كانت الطاولة الصغيرة موضوعة أمام نار المدفأة ومغطاة بقطعة قماش للكي، وعلى ظهر أحد الكراسي الموضوعة بجوار النار وضع قميص رديء الجودة لكنه نظيف. وأمام العمة كلوي كانت هناك قطعة أخرى من الملابس تكوى كل طية وحافة فيها بدقة شديدة. كانت العمة كلوي ترفع يدها بين الحين والآخر لكي تمسح الدموع التي تترقرق في عينيها وتتحدر على وجنتيها. وكان توم قد جلس والكتاب المقدس على ركبته، واتكأ برأسه على يديه، لكن لم يتحدث أي منهما. كان الوقت لا يزال في الصباح الباكر وكان الأطفال نائمين بعضهم بجوار بعض في سريرهم المتحرك. نهض توم وسار نحوهم في صمت ووقف ينظر إليهم.
همس قائلا: «هذه هي المرة الأخيرة .» واختنق بعبرة كبيرة بينما مال بوجهه نحوهم.
لم تجبه العمة كلوي، لكنها كانت تكوي الملابس وتجعلها ملساء بقدر ما يمكنها، ثم وضعت المكواة من يدها وصاحت باكية فجأة وقالت: «أوه، توم. لا يمكنني أن أتحمل ذلك؛ لا يمكنني! لا أعلم أين ستذهب، ولا أعلم كيف سيعاملونك. إن من يذهب في النهر لا يعود أبدا. إنهم يجوعونهم هناك، هذا هو ما يفعلونه! تقول سيدتي بأنها ستعيدك؛ لكنني لا أصدق ذلك، لا أصدق بأي طريقة!»
قال توم: «أنا في حماية الرب يا كلوي. لا تنسي هذا. وأشكره على أنني أنا من تم بيعي، وليس أنتم جميعا والأطفال. أنتم هنا بمأمن، ويمكنني أن أتحمل ما يلقى على عاتقي من أعباء.» ثم أضاف بنبرة مرتجفة: «لنفكر في نعم الرب علينا.» «أوه، توم. لا يمكنني أن أتحمل ذلك، لا يمكنني!»
قالت العمة كلوي: «نعم! لا أرى في ذلك نعمة. ليس ما يحدث بصواب، ليس صوابا! وسيدي يعلم ذلك!»
قال توم: «لا تتحدثي بسوء عن سيدنا يا كلوي. لقد وضع سيدي بين يدي حين كان صبيا صغيرا، كما كنت أخبر السيد جورج في الليلة الماضية. وأراه الآن وهو سعيد ويتقدم في العمر. لقد وعدت سيدي الكبير أنني على استعداد للموت في سبيله إذا ما لزم الأمر، وأظن أنني لا أستطيع أن أتحدث بسوء بشأن بيعه إياي من أجل إنقاذ ممتلكاته، بالطبع لا. بالإضافة إلى أن سيدي لم يكن يملك من أمره شيئا. من المؤكد أنه سيفتقد توم العجوز.»
وضع طعام الإفطار البسيط على الطاولة وهرع الأطفال ليتجهزوا. لم تستغرق عملية ارتداء الملابس طويلا، وخرج الأطفال مسرعين ليقحموا وجوههم السوداء اللامعة في دلو ماء المطر المعلق تحت الطنف في زاوية الكوخ، ثم دخلوا مرة أخرى ليجففوا القطرات المتلألئة أمام نيران المدفأة.
صفحه نامشخص