في الجزء الذي أسهمت به طومسون عام 2003 في مجلد «إعادة تقييم كليوباترا»، عرضت الألقاب التي أعطيت لكليوباترا في عقد إغريقي يرجع تاريخه إلى عامها السابع عشر ويطلق عليها فيه «كليوباترا ثيا نيوتيرا، فيلوباتور، فيلوباتريس» (طومسون 2003: 31-34). وترجمة هذه الألقاب هي «كليوباترا الإلهة الجديدة، المحبة لأبيها، المحبة لبلدها». قال بعض العلماء إن هذه البلد هي مصر، بينما قال آخرون إن «بلد» كليوباترا كانت اليونان المقدونية (طومسون 2003: 31، وبينجن 2007: 58-62). تستنتج طومسون من الأدلة الوثائقية القليلة الباقية أن كليوباترا كانت تعتبر مصر وطنها وأنها كافحت في أثناء حكمها من أجل حماية تلك الدولة واستعادة قوتها. بالطبع كانت تقدم امتيازات مثل التي منحتها لكانيديوس، لكنها كانت تفسر على أنها محاولات من أجل الحصول على دعم لرؤيتها. وبالتأكيد تدعم الأدلة الأثرية فكرة أن كليوباترا كانت تعتبر نفسها مصرية وكانت تظهر على هذه الهيئة بالكامل عند ذهابها إلى وطنها الأم. وعلى الرغم من علاقتها بالقيصر وعلى وجه الخصوص مارك أنطونيو، كانت كليوباترا تتمسك بمنصب ابنها كشريك لها في الحكم ووريثها. (6) كليوباترا فرعون مصر
كان منصب ملك مصر يعبر في مفهومه عن وسيط مقدس بين البشر الفانين والآلهة. وبالإضافة إلى هذا المفهوم الراسخ، أنشأ حكام البطالمة وأزواجهم المزيد من الأدوار المقدسة لهم من أجل تعزيز وضعهم بين الإغريق والمصريين (انظر الفصل السادس).
تظهر صورة من نقش بارز مهداة باسم «الملكة كليوباترا الإلهة المحبة لأبيها» فرعونا ذكرا وهو يقدم القرابين إلى إيزيس وحورس فوق النص المكتوب (ووكر وهيجز 2001: 156، رقم 154). فسر هذا اللوح في الأصل على أنه مثال على ارتداء كليوباترا لزي الفراعنة الرجال، إلا أن الحالة السيئة للنص وإعادة تقطيع الحجر الواضحة حول النص المنقوش قيل إنها دليل على أن هذا اللوح قد أعيد تقطيعه؛ ومن ثم أعيد استخدامه. قدم هذا اللوح باسم كليوباترا ولم يكن يعبر عن مرسوم ملكي رسمي. ومن غير المؤكد على ما يبدو إذا كانت الملكة سمحت باستخدام مثل هذه الصورة على نحو رسمي أم لا. يبدو أن صورة كليوباترا كانت تخضع لمراقبة دقيقة (أشتون 2003د: 25-30)، فإذا كانت كليوباترا تصور في صورة فرعون ذكر، فإن اللوح المكتوب بالديموطيقية الموجود في المتحف البريطاني، الذي توجد عليه صورتان لفرعون ذكر ومعه خرطوشة فارغة، قد يكون تصويرا للملكة وليس ابنها بطليموس قيصر. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن كليوباترا تظهر على النقوش البارزة في المعابد مع ابنها في زي ملكة وليس زي فرعون ذكر. فقد يكون التشبه بالذكور، مثلما فعلت كليوباترا الثالثة بظهورها بمظهر ذكوري في الصور، لا يتلاءم إلى حد ما مع ملكة قدمت نفسها على أنها وصية على ابنها وربطت نفسها بالإلهة إيزيس والدة حورس (الذي يرتبط به عادة الملك الحاكم). في مصر، عقب والدة ابنها، استمرت كليوباترا في التأكيد على دورها كأم الملك (أشتون 2003د: 26-29).
شكل 4-5: تمثال من البازلت لكليوباترا الثالثة. متحف تاريخ الفن، فيينا.
عثر مؤخرا على لوح آخر تظهر عليه كليوباترا السابعة مرتدية زي فرعون ذكر (فارمينبول 2006: 205-206، رقم 46، وكلاريسي 2007).
1
يوجد هذا اللوح حاليا ضمن مجموعة مقتنيات صينية ويبدو غير مكتمل، فيظهر مشهد تقديم القرابين حاكما يرتدي تنورة وتاجي مصر العليا والسفلى وهو يقدم الرمز الهيروغليفي لكلمة «حقل» إلى أسد راقد على مذبح. فوق رأس الحاكم توجد خرطوشة مكتوب عليها اسم «كليوباترا». يوجد نقش باللغة الديموطيقية (وهي أحد أشكال الخط الهيروغليفي، يكتب بحروف متصلة) تحت المشهد في مكان من الواضح أنه كان مخصصا لكتابة نقش إهدائي أكبر حجما. عندما نشر نص اللوح أشار كلاريسي إلى الفرق بين المشهد والنص في عمق حفره وجودته. يمكن تفسير هذه الملاحظة بالطبع على أنهما نفذا على يدي شخصين مختلفين؛ بحيث صنع الأول المشهد الزخرفي وحفر الثاني النقش الكتابي. ومع ذلك، فإن المساحة الكبيرة تحت مشهد تقديم القرابين تشير إلى أن العنصرين لم يتما في المرحلة نفسها وأن المشهد قد نحت على نحو منفصل عن الإهداء. يقول النص المكتوب بالديموطيقية «بيت دفن الأسد (المقدس)» (كلاريسي 2007). إذا كان هذا هو الشكل الأصلي للوح، فإنه يمثل تطورا مهما في معرفتنا طريقة تصوير آخر ملكة في عصر البطالمة. من الواضح أن الذي أهدى هذا اللوح شعر بأنه من المقبول إضافة خرطوشة باسم كليوباترا إلى صورة حاكم ذكر تماما على سبيل إعادة استخدام اللوح مثلما أعيد استخدام اللوح الموجود في متحف اللوفر. ما زلت غير مقتنعة بأن كليوباترا السابعة كانت تظهر رسميا بشكل حاكم ذكر، ومع ذلك إذا كانت صور الحكام الذكور السابقين عليها تستخدم على نحو غير رسمي من رعاياها، فمن الواضح وجود موافقة على تصويرها بهذا الشكل. (7) الأسماء والألقاب
أشار بعض الدارسين المعاصرين إلى أن ألقاب كليوباترا المصرية لم تكن أكثر من مجرد تعبير عن انتمائها إلى الكهنوت المصري (انظر شوفو 2000: 46، تيت 2003 للتعليقات على ذلك). ورغم ذلك، لم تكن النساء المصريات في الأسرة الحاكمة، باستثناء المنتميات إلى أسرة العمارنة، يحصلن عادة إلا على اسم واحد فقط (الاسم الذي يحصلن عليه عند الولادة)، الذي يظهر على خرطوشة واحدة (تيت 2003د: 3-8). أضاف بعض ملكات أسرة البطالمة، ومن بينهن كليوباترا السابعة، اسم حورس إلى أسمائهن، وكان حورس هو أول اسم من بين خمسة أسماء يطلقها الملك الذكر الحاكم على نفسه. وعليه كان استخدام سيدة حاكمة لهذا التقليد المتأصل أمرا جديرا بالملاحظة ويشير، كما يستنتج تيت، إلى اتباع الكهنة المصريين أسلوبا مبتكرا لتصوير حكامهم الجدد.
لم يكن قرار كليوباترا باحتفاظها بلقب فيلوباتور (المحبة لأبيها) الذي حصلت عليه منذ حكمها المشترك الأول مع والدها تقليدا معتادا في أسرة البطالمة؛ فعادة كان الحكام يغيرون أسماءهم على أساس شريك حياتهم الجديد؛ ففي حالة كليوباترا الثانية، كانت قد بدأت حكمها بلقب فيلوميتور (المحبة لوالدتها)، نسبة لاسم زوجها الأول وأخيها بطليموس السادس، ثم أصبحت يورجيتيس (المحسنة) عندما تزوجت أخاها الأصغر بطليموس الثامن. ثم عادت مرة أخرى إلى لقبها السابق عندما سيطرت على العرش، ولم تعد إلى استخدام لقب يورجيتيس إلا عندما عادت إلى الحكم مع بطليموس الثامن وابنتها؛ ومن ثم كانت الألقاب الدينية وسيلة لإظهار المكانة الدينية، وكانت أيضا وسيلة لتأكيد مكانة المرء السياسية. وباحتفاظ كليوباترا بالإشارة إلى والدها، التي تجسدت مصادفة في لقب المحبة لأبيها، تمكنت من التأكيد على حقها في الحكم.
كانت الألقاب المصرية التي حصلت عليها كليوباترا السابعة تقليدية وترتبط غالبا بألقاب نساء الأسرة الحاكمة الأوليات؛ فقد كان كثير منها عبارة عن نسخ نسائية من ألقاب ذكورية وكان لكثير منها ارتباط مباشر بدور الملكة ومواقفها. هذه الألقاب الملكية هي كالتالي: «أنثى حورس» (تروي 1986: د2 / 18، 139-144). كان حورس الإله الذي يرتبط به الملك الحي والذي يصور الملك على أنه التجسيد الأرضي له. ارتبطت النسخة النسائية من حورس بدور الوصي على العرش (تروي 1986: 115-144)، واتخذتها ملكات البطالمة الأوليات (أشتون 2003أ: 112-113). كذلك كانت ألقاب
صفحه نامشخص