والمرأة هي هي في حاجة الرجل إليها، ولكن كل امرأة تكاد تكون جنسا بعينه في حاجتها إلى الرجل؛ فمن ههنا أحبت وأبغضت.
ولو أن هذه المرأة مما تنبت الأرض وتسقي السماء، لقد كانت تصلح مع كل رجل كما تصلح لكل رجل، ولكن لها قلبا، وحسا مع هذا القلب، ونفسا مع هذا الحس، ورقة مع هذه النفس، فهي إن لم تحب الرجل من هذه الجهات الأربع، لا تكون قد أحبته ذلك الحب الروحي العجيب الذي يوصف بأنه حب المرأة.
52
قال «الشيخ علي»: وقد رأت «لويز» أن زوجها خرب من كل جهاته، وأكبر ما فيه أنه كالأرض الفضاء؛ إذا ضرب عليها سور وجعل في هذا السور باب، ووضع على هذا الباب قفل ... فما غناه العريض، ولا ماله الكثير، ولا اسمه في أهل الغنى، إلا كتلك الحدود المضروبة على ما وراءها من الفراغ والفضاء!
وكانت ترتاع لذله وترق لخضوعه، وتود لو استطاعت أن تراه غير من هو، فتعرفه غير ما عرفته وتجزيه غير ما جزته، ولكنه لم يكن يجيئها أبدا إلا بادي المقتل، ولا يريد مع ضعفه أن يعدل عن محزها، وما أماتت من نفسه نزعة إلا انبعثت فيها نزعة أخرى، كأنه رأى في غضبها جمالا لم يره في رضاها، وأحس من سورة شبابها وفورة غيظها ما يعالج منه خمود الهرم وبرد الموت في عظامه؛ فاعتاد منها ما تجزيه، واعتادت منه ما يخزيه، ومرا على ذلك دهرا مات فيه الوفاء، ومرض الحياء؛ فإذا تاريخ هذه المرأة كله لعنات، وإذا عرض ذلك الرجل كله طعنات، وأصبحت ملكة عليه، وأصبح معها كما قال ذلك الحكيم: «من أراد مصاحبة الملوك، فليدخل كالأعمى وليخرج كالأخرس!»
وبعد ...
فإن آلام النزع وإن لم تكن هي الموت ولكنها أشد منه، حتى إن الموت ليكون راحة منها، وقد مد الله في نزع «الكونت» مدا طويلا، فكان يقظان العين نائم الروح وكأنه مقبور في جلده، وكانت زوجه لا تألوه موتا، فليس يراه أحد إلا ظن أنه لما به،
53
ولكنه لا يموت؛ لأن أيامه كانت بعض ما كتب في الأزل من تاريخ هذه البائسة، وقد حمله الله على الأمل، والأمل مطية دائبة لا تكل ولا تنقطع، ولو ذهبت تقطع مسافة ما بين الضدين لتجمع أحدهما بالآخر، فما يزال يحسب أن لزوجته فيئة بعد شرة الصبى، وأن تقادمه في الهرم وتقدمها إليه سيصلحان ما أفسد الدهر منهما جميعا، وليس في الناس أحمق ممن يدفع نفسه إلى ما يظن، في حين تدفعه نفسه إلى ما يستيقن!
أما هي فرأت أن لا سبيل إلى انهزامها أو تراجعها بعد ما أنزلت أخلاقها إلى المعركة، كأنها ماتت قبل أن تموت فليس يضرها أن تقع في هذه المعركة هالكة، وليس ينفعها أن تخرج منها حية، وكل شيء تستدرك منه الحيلة إلا ما أفاتت المرأة من شرفها النسائي، فإنه إن فرط منه فارط لم يستدرك، فبسطت عنانها في يد الأقدار وانطلقت على أثرها صاغرة!
صفحه نامشخص