10
وقد كفيت أن تصرعك نزغات هذا الرأس، وأمنت أن يقتلك داء هذا البطن، ولم يضربك الله بشيء من هذه النعم المنافقة التي يأتي بها المال حين يأتيك بالجاه وأصحاب الجاه ومن يريدك لمالك وجاهك؛ وأعوذ بالله من النفاق
11
ومن نفاق النعمة خاصة، فبينا هي لك إذا هي عليك، وبينا هي متاع إذا هي التياع، وبينا هي في طعامك شيء إذا هي من طعامك قيء .
وهل في النعمة خير من الكفاف حاضرا، ومن الصحة فارهة، ومن قرة العين وضحك السن واستطلاق الوجه، وأن يكون القلب في حجاب من نور السماء لا تهتك عنه رذائل النفس، ولا يعلق به غبار الأرض، ولا يتغشاه ظلام الحياة، ولا يزال هذا القلب في نضرته وصفائه كأنه سعادة مخبوءة في غيب الله لم يخلق بعد من خبئت له؟
كذلك أعرف «الشيخ علي»، فهو رجل سدت في وجهه منافذ الجهات كلها إلا جهة السماء، فكأنه في الأرض بطل خيالي يرينا من نفسه إحدى خرافات الحياة، ولكنه مع ذلك يكاد يخرج للدنيا تلك الحقيقة الإلهية التي لا تغذوها مادة الأرض ولا مادة الجسم، فهي تزدري كل ما على الأرض من متاع وزينة وزخرف، وكل ما ردت عليك الغبطة من بسطة في الجسم، أو سعة في المال، أو فضل في المنزلة؛ وكل ما أنت من إقباله على طمع ومن فوته على خوف؛ تلك الحقيقة الطاهرة التي تكون أعظم ما أنت واجدها في سير الأنبياء والصديقين والشهداء، أو حيث يكون ذلك العقل الجبار الذي لا يشبه عقول الناس من نبوغ يخرق العادة أو جنون تخرقه العادة، وما الجنون إلا نبوغ فوق الطاقة، ولا النبوغ إلا جنون رقيق!
وكذلك أعرف «الشيخ علي»، فهو أجهل الناس في الدنيا، وأجهل الناس بالدنيا؛ كأنه من هذه الجهة ممتلخ العقل،
12
وأنت إذا سطعت له بالجوهرة الكريمة النادرة، فلا يعدو أن يراها حصاة جميلة تتألق، وإن هولت عليه بألوان الخز والديباج حسبك مائقا لم تر قط نضارة البرسيم وألوان الربيع، وكأني بك لو وصفت له الذهب وما أضرمت ناره في الأرض وهي برد وسلام، وما أيقظ جماله من الفتنة التي استحال عليها أن تنام، ثم أريته شعلة من هذه النار في غرة الدينار؛ لتضاحك منك إذ تريد أن توهمه - بما أعظمت من ذلك الشأن - أنك سلبت ملك الله قطعة من الشمس، التي غربت أمس؛ ولرأيت من زرايته عليك ما يعلمك أنه ما أكبر هذا الدينار في عينك إلا صغر في نفسك، ولا ملأ يدك بالحرص عليه إلا فراغ ما بينك وبين الله، ولا كدك في طلبه إلا أنك مسخر، ولا أذلك للمال إلا خضوعك للآمال، وما أنت إلا في قيد من الهم حببه إليك أن قفله هذه القطعة من الذهب!
وإذا أحضرته ألوان الطعام وجلوت عليه أبهة الخوان، وقلت له: هلم فارتع وأصب حتى تنتأ رمانتك.
صفحه نامشخص