فأصبح فريق من الشعراء القدامى صناعا لأناشيد البطولة، وفريق آخر صناع أهاج. وكما كان هوميروس خير صانع للشعر الجدى الرصين (لأنه هو وحده كان يقرن سمو الشعر بتمثيلية المحاكاة)، كذلك كان هو أول من خطط قواعد الكوميديا، فلم ينظم أهاجى بل مثل المضحك بشعره، فإن نسبة قصيديته «المارجيتيس» إلى الكوميديات كنسبة الإلياذة والأودسية إلى التراجيديات. ولما ظهرت التراجيديا والكوميديا جنح الشعراء إلى كل من هذين النوعين مسوقين بطائعهم الخاصة، فأصبح بعضهم صناع كوميديات عوضا عن كونهم صناع أهاج، وأصبح بعضهم الآخر أساتذة للتراجيديا بعد أن كان أسلافهم شعراء ملاحم، فإن التراجيديا والكوميديا كانتا شكلين أعظم وأرفع من الشكلين السابقين. ولكن البحث فى أن التراجيديا قد استكملت كل أنواعها أو تستكملها، وهل ينظر إلى هذا الموضوع فى ذاته أو بالقياس إلى النظارة — هذه مسألة أخرى. ومهما يكن من شئ فإن التراجيديا بعد أن نشأت مرتجلة أول الأمر — شأنها فى ذلك شأن الكوميديا — على أيدى ناظمى الدثورمبوس، كما نشأت الكوميديا على أيدى ناظمى الأغانى الفالية التى لا تزال شائعة إلى الآن فى كثير من المدن — بعد أن نشأت التراجيديا هذه النشأة أخذت تنمو قليلا قليلا بقدر ما كان يظهر منها للقائمين بها، وبعد أن مرت بكثير من التغيرات توقفت إذ وصلت إلى طبيعتها الذاتية.
صفحه ۴۲