فقام الرسل واقفين، وقال رئيسهم: ما دمت تريد الحرب فستكون حربا ضروسا بيننا وبينكم حتى يقضي الرب فيها بمشيئته.
وانحنى الرجال للملك مرة أخرى وغادروا المكان في خطى ثقيلة.
22
ولبث أحمس في بانوبوليس يومين كاملين، ثم أرسل الطلائع لاختراق حدود دولة أبو فيس، فتقدمت جماعات قوية شمال المدينة، والتحمت بقوات صغيرة للعدو فمزقت شملها، ومهدت السبيل للجيش المعسكر في بانوبوليس، فزحف أحمس على رأس جيش لم تشهد مصر له مثيلا من قبل في عدده أو عدده، وأقلع أسطول أحمس إبانا الجبار بسفنه المظفرة، وفي طريق الزحف أبلغت العيون الملك أن جيش الرعاة معسكر في جنوب أفروديتوبوليس في جموع لا يحيط بها الحصر، ولم يكن يهم الملك عدد الرعاة، ولكنه سأل الحاجب حور قائلا: ترى هل ما يزال لدى أبوفيس قوة من العجلات يلقانا بها؟
فقال حور: ما من شك يا مولاي في أن أبوفيس قد فقد العدد الأكبر من فرسانه، ولو كان لديه قوة منهم تستطيع أن تفصل في هذا العراك ما طلب الصلح ولا سعى إلى السلام، على أن الرعاة قد فقدوا ما هو أثمن من الفرسان والعجلات، فقدوا الثقة والأمل!
واستمر تقدم الجيش حتى دنا من معسكر عدوه، ولاحت نذر المعركة في الأفق، وتأهبت فرقة العجلات لخوض غمار المعركة بقيادة الملك، وصاح أحمس في القواد قائلا: سنقاتل على أرض حرم علينا وطؤها مائة عام ونيف؛ فلنضرب ضربة هائلة تضع حدا لآلام الملايين من إخواننا المستعبدين، ولنقدم بقلوب شديدة البأس، فقد حبانا الرب بالعدد والأمل، وخذل عدونا بالانقراض واليأس، وإني لعلى رأسكم كما كان سيكننرع، وكما كان كاموس.
وأمر الملك طلائعه بالهجوم؛ فانقضت كالنسور الكاسرة، وتحفز للهجوم وهو يراقبها ليرى كيف يلقاها العدو، فشاهد قوة من العجلات تقدر بمائتي عجلة ترد عليها الهجوم محاولة الإحداق بها، وكان الملك شديد الرغبة في القضاء على عجلات العدو فهاجم على رأس العجلات وانقض على العدو من جميع الجهات، وأدرك الهكسوس أن فرسانهم لا يمكن أن يثبتوا لقوات تفوقهم أضعافا؛ فقذف أبوفيس بكتائب من الرماة وحملة الرماح لتؤيد عجلاته المحدودة. ودارت معركة شديدة، ولكن الرعاة لم ينفعهم شجاعتهم وقضي على قوتهم الراكبة.
وبات الجيش ليلته .. وكان أحمس لا يدري أيلقاه أبوفيس بمشاته مستيئسا أم يفر بجيشه مؤثرا السلامة كما فعل في هيراكونبوليس، ووضح الأمر في الصباح حين رأى الملك جموع الرعاة تتقدم لاحتلال مواقعها والقسي والرماح في أيديها، ورآهم حور فقال: الآن تدور الدائرة عليهم يا مولاي، ويتعرض أبوفيس بمشاته لبأس عجلاتنا كما تعرض له مليكنا سيكننرع في جنوب كبتوس من لدن عشرة أعوام.
فانشرح صدر الملك، وتهيأ للهجوم بفرقة العجلات تؤيدها قوات مختارة من الرماة وفرق الأسلحة الأخرى، وانقضت العجلات على مواقع الرعاة تملأ الجو أمامها سهاما طائرة، فاخترقت الصفوف في مواضع كثيرة والرماة وراءها يحمون ظهورها ويطاردون من يتفرق من العدو فيقتلون ويأسرون، وقاتل الرعاة بما عرف عنهم من الشجاعة ولكنهم كانوا يتساقطون سقوط الأوراق الجافة تعرضت لرياح الخريف العاتية، وسيطر المصريون على الميدان، وخشي أحمس أن يفلت أبوفيس من يده؛ فهاجم أفروديتوبوليس كما هاجم الأسطول شطآنها، ولكنه لم يجد أثرا للرعاة داخل أسوارها ولا عثر بعدوه اللدود، ثم وافته العيون بأن أبوفيس فارق المدينة مع قوات من جيشه بعد جثوم ليلة الأمس، وأنه ترك من ترك من رجاله ليعوقوا زحف المصريين، وقال حور للملك: لن تجدي المقاومة فتيلا بعد اليوم، ولعل أبوفيس يجد الآن في طلب هواريس ليحتمي بأسوارها المنيعة.
ولم يأسف أحمس طويلا، وكان سروره بفتحه بلدا من بلاد مصر التي حرم دخولها على قومه مائتي عام لا يعادله سرور، فاشتغل بتفقد أحوالها وأهليها عن كل شيء.
صفحه نامشخص