وقطب الرجل مفكرا، وهرش رأسه متحيرا وقد تدلت شفته السفلى كقطعة كبد دامية، ثم أضاءت عيناه المحمرتان كأنما وجد الحل السعيد، وقال: أشرب خمرا مهضومة!
فضحك الرجال، وسر إسفينيس لإجابته، وقال له متلطفا : إني أعفيتك من النزول عن هذا الكرش العظيم، الذي خلق ليكون زق خمر لا مقعد جلوس.
ثم نظر إسفينيس إلى الخمار وقال له: أيها الرجل الطيب املأ ثلاثة أقداح لنا وللظريف طونا.
وملأ الرجل الأقداح وقدمها إلى إسفينيس، فخطف طونا قدحه وأفرغه في فمه دفعة واحدة وهو لا يصدق، ثم مسح فمه بكفه، وقال لإسفيني: أنت غني بلا شك أيها السيد الكريم.
فقال إسفينيس مبتسما: حمدا للرب على نعمائه.
فقال طونا: ولكنكما كما أرى من مشابه وجهيكما مصريان؟ - صدقت فراستك، وهل من تناقض بين أن نكون مصريين وغنيين؟ - نعم، إلا أن تكونا من المقربين إلى الحاكمين.
وهنا قال رجل آخر: وهؤلاء يقلدون سادتهم فلا ينزلون إلى مخالطتنا.
فتجهم وجه إسفينيس، وعاودته صورة الشاب الذي صاح به غاضبا منذ حين قائلا: «يا عبد الرعاة»، ثم قال: نحن من مصريي النوبة، وجئنا مصر حديثا.
وساد الصمت، ودوت كلمة النوبة في الآذان دويا غريبا، ولكن كان القوم سكارى لا يملك هذيان الخمر ناصية عقولهم، فلا يقدرون على جمع شتات أفكارهم، فنظر أحد الرجال إلى كأسي الرجلين اللذين لم يقرباهما، وقال بلسان ثقيل: لماذا لا تشربان، سقاكما الرب أطيب خمر الجنان؟
فقال لاتو: قليلا ما نشرب، وإذا ما شربنا فعلى مهل.
صفحه نامشخص