فأطرق بيبي وقال بصوت خافت: وا أسفاه يا مولاي، لقد فقدت مصر راعيها مساء هذا اليوم الكئيب.
ففزع الأمير كاموس قائما، وصاح به: هل أصيب والدي حقا؟
فقال بيبي بصوته الثقيل الحزين: سقط مليكنا سيكننرع وهو يقاتل على رأس جنوده قتال الأبطال الجبابرة.
وانطوت تلك الصفحة النبيلة الخالدة من سجل أسرتكم العظيمة.
فقال كاموس وهو يرفع رأسه: رباه .. كيف تمكن لعدوك من ابنك المخلص؟ رباه ما هذه الكارثة التي تنزل بمصر؟ ولكن ما جدوى التشكي؟ ليس هذا وقت البكاء، لقد سقط والدي فينبغي أن أحل محله .. صبرا أيها القائد بيبي حتى أعود إليك في لباسي الحربي.
ولكن القائد بيبي قال بسرعة: لم أجئ إلى هنا يا مولاي لأدعوك إلى القتال ، لقد قضي الأمر وا أسفاه .. فحدجه بنظرة حادة قاسية، وسأله: ماذا تعني؟ - لا فائدة ترجى من القتال! - هل قضي على جشينا الباسل؟
فأطرق بيبي وقال بحزن شديد: خسرنا المعركة الفاصلة التي كنا نرجو أن نحرر بها مصر، وتحطمت قوة جيشنا الأساسية، ولن ترجى فائدة حقة من القتال، ولن نقاتل إلا لكي نفسح لأسرة مليكنا الشهيد وقتا للنجاة. - أتريد أن تقاتل حتى نفر فرار الجبناء، تاركين جنودنا وبلادنا فريسة للعدو؟ - بل فرار الحكماء الذين يقدرون العواقب وينظرون إلى المستقبل البعيد، ويسلمون بالهزيمة إذا وقعت، ثم ينسحبون من الميدان إلى حين، ثم لا يلبثون أن يجمعوا قواهم المبعثرة ويحملوا على عدوهم عودا على بدء .. مولاي تفضل وادع ملكات مصر، وليكن الأمر شورى!
ودعا الأمير كاموس حاجبا، وأرسله في طلب الملكات، ومضى يتمشى جيئة وذهابا يتناوبه الحزن والغضب، والقائد واقف بين يديه لا ينبس بكلمة، وجاءت الملكات: توتيشيري وأحوتبي فستكيموس مسرعات، وحين وقعت أبصارهن على القائد بيبي وقد انحنى لهن تحية، ورأين الكدر مرتسما على وجه كاموس بالرغم من تظاهره بالهدوء، شعرن بخوف واضطراب، وزاغت أبصارهن، وكان كاموس جزعا فدعاهن إلى الجلوس، وقال: سيداتي .. دعوتكن لأقص عليكن أنباء أسيفة!
وتريث لحظة كي لا يفاجئهن، ولكنهن فزعن، وقالت توتيشيري بقلق: ماذا وراءك أيها القائد بيبي؟ .. كيف حال مولانا سيكننرع؟
فقال كاموس بصوت متهدج: جدتاه .. إن قلبك لذكي الشعور، صادق الحدس .. فليثبت الله قلوبكن، ويعنكن على تحمل الخبر الفاجع .. لقد قتل أبي سيكننرع في الميدان، وخسرنا المعركة!
صفحه نامشخص