وعرف صوته فقال: تلميذك. - شهاب. - إذن لم تنسني. - أنت الذي نسيتنا يا خائن. - أنا لا أنساك أبدا. - أية مناسبة سعيدة جعلتك تفكر في الاتصال بي؟ - هي سعيدة إن شاء الله، متى أستطيع أن أزورك؟ - أي وقت؛ فأنا كما تعلم على المعاش ووقتي كله ملكي. - ربما تكون وجدت شركة تنتفع بخبرتك. - والله هناك وعود ولم يتحقق منها شيء؛ فأنا الآن لا عمل لي إلا المقهى في الصباح والبيت بعد الظهر حتى اليوم التالي. متى تحب أن تجيء؟ - بكرة. - وهو كذلك، الساعة السابعة تناسبك؟ - على بركة الله. - أهلا وسهلا. - أهلا بك. سلام عليكم.
وذهب شهاب في الموعد المحدد، وجلس في حجرة الاستقبال الفاخرة مع راشد، وما لبث أن جاء الخادم بالقهوة، ولم يضع شهاب الكثير من الوقت بل عاجل راشدا قائلا: أنا أجيء إليك كوالد لي أولا، ثم بصفة ثانية سأطلعك عليها في وقتها. - مرحبا بك بأي صفة تريدني فيها؟ - ألا ترى أن الوقت الآن مناسب لي أن أتزوج؟ - طبعا مناسب جدا؛ فأنت الآن ميسور الحال، وأنا على علم بكل صفقاتك فأنا ما زالت لي صلات بالوزارة والمتعاملين معها. - أنا لا أشك في هذا فلنتوكل على الله. - وأنعم بالله وكيلا. - أريد أن أتزوج الدكتورة سعاد.
ووضحت المفاجأة على وجه راشد وسرعان ما تغلب عليها وقال: ولم لا؟ إنما هناك شيء لا بد أن أذكره لك حتى أكون صريحا معك، أنا أعرف أنك لست أمينا في عملك في الوزارة ولا تقل لي إنني أيضا لم أكن أمينا، ولكني أنا بالذات حالة خاصة. - كيف ذلك؟ - أنا استطعت أن أفصل تماما بين عملي في الوزارة وبين حياتي الخاصة، ولا أعرف إنسانا مثلي؛ فإني لم أخن زوجتي في حياتي مطلقا مع أنك لاحظت أنها غير جميلة، لا تعجب فقد تبينت هذا في عينيك منذ أول يوم قابلتها، فأنا شخصيا مثال فردي لا يقاس عليه ولا يتوسع فيه. - ولماذا لا أكون مثلك؟ - يا شهاب يا بني أنا رجل عركت الحياة فإن لم تنتفع ابنتي من خبرتي فهي إذن خبرة لا قيمة لها، سعاد ليست جميلة ومالها ليس بالكثرة التي تتصورها؛ فهي ستساعد في مصاريف البيت ولكن بقدر معلوم، وقد تكسو نفسها ولكنها لن تكسوك. - هذا كلام معقول وأنا أرحب به ولا أريد أكثر منه. - أخشى أنك تقول هذا الآن ثم تنساه. - أنت رجل تعرف الله فتوكل عليه. - توكلت على الله، ولكن لا بد أن أسأل سعاد. - طبعا، وإذا وافقت فسأذهب إلى أبي وأمي وآتي بهما ليخطبا لي ويباركا زواجي. - هذه علامة طيبة. - أنت تعرف ماذا يعمل أبي، ولن يكون غريبا أن ترى أبي يلبس جلبابا وأمي متوشحة بالطرحة. - من ينسى أباه ينسه أبناؤه، أنت رأيت سعاد أكثر من مرة ورأتك، ولكن لا أظن أنها فكرت فيك كخاطب لها سيصبح زوجا، والزواج صلة لا مثيل لها في كل الصلات الأخرى، ولا يشبهها أي آصرة، فأنا سأسألها وربما طلبت أن تجلس إليها. - أنا تحت أمرك وأمرها. •••
ولم لا؟! إن هذا الشاب يخطبني لذاتي؛ فأبي لم يعد رئيسا له ولا لأحد غيره، ولماذا أرفضه؟ أنا أعلم أنني لست جميلة، وقد عوضت هذا بنبوغي في العلم، وهو أيضا في مركز مرموق، ومن المرات التي رأيته فيها تبين لي أنه ذو ذكاء وحدة بادرة وليس سخيفا في تعليقاته، أو حديثه وشكله، لا بأس به وملامحه ومتناسقة، وإذا أكل فبطريقة متحضرة نظيفة؛ وذلك يدل على ذكائه الذي جعله يتعلم كيف يأكل بالشوكة والسكين فلا يجعل الذي يؤاكله ينفر منه أو يتقرف. الواقع أنه لا بأس به وأنا لا أتوقع لنفسي خيرا منه. وقالت لأبيها: هل أنت راض عنه؟ - المهم رضاك أنت. - على بركة الله.
وقال راشد لشهاب: على بركة الله.
وفرح شهاب وسارع قائلا: متى أحضر أبي وأمي؟ - اليوم الإثنين، لنجعل الخطبة يوم الخميس إن شاء الله. - وهو كذلك. •••
فرح متولي وتفيدة بقدوم ابنهما؛ فقد كان قليل الزيارة لهما رغم أنه اشترى سيارة، وبعد الاحتفاء به قال لأبيه وأمه سبب مجيئه، وفرح أبوه غاية الفرح، أما أمه فلم يكن فرحها عظيما كأبيه. - ألم تكن واحدة من قريباتنا أولى بك؟
وأجاب عنه متولي: يا شيخة اسكتي. ومن في قريباتنا تستحقه، إنه يقول لك إن عروسته دكتورة، ألا تفهمين معنى دكتورة؟ وأبوها كان رئيسا له في الوزارة يعني بك. وقالت تفيدة: هذا يوم المنى عندي. نريد أن نفرح بأولاده.
وقال متولي: هذا هو الكلام، زغردي يا أم شهاب، زغردي. وقال شهاب: طبعا ستصحباني لتخطبا لي.
وقال متولي في بعض حذر: أترى ذلك؟! - بل لا بد من ذلك. - وأذهب بالجلباب وأمك بالطرحة. - وهل قلت لهما إنني ابن باشا أو بك، إن راشد بك وأسرته يعلمون جميعا أنني فلاح وابن فلاح وفلاحة، وإذا لم تخطب لي أنت وأمي فلن تكون هناك خطبة، كيف تتم إجراءات الخطبة إذا لم تخطب لي أنت وأمي أطال الله عمركما؟ - على بركة الله.
صفحه نامشخص