عاد إلى الفسحة؛ فلم يعد يفكر الآن في إعادة القراءة للواجب، وتولاه صمت واجم حزين يختلط بالحيرة والألم أن زميله وجدي لص.
انتهت الفسحة، وعاد التلاميذ إلى الفصل. وقبل أن يجلسوا دخل الأستاذ عبد العزيز مسرعا يبحث عن القلم؛ فقد استطاع أن يحل مشكلته مع المفتش وحان له أن يبحث عن قلمه العزيز. لم يجده طبعا، فأوشك أن يجن وصاح بالتلاميذ: قلمي.
وصاح بعض التلاميذ: ما له؟ وصاح آخرون: إشمعنى؟ ولكن الأستاذ عبد العزيز كان في حال لا تسمح بأي تهاون؛ فقد احمرت عيناه وارتعشت شفتاه: القلم، أقتلكم جميعا. القلم نسيته هنا مدة الفسحة فقط. من آخر تلميذ خرج من الفصل؟
وهوم الصمت على التلاميذ لحظات، ثم قال جرجس حنين: أنا يا أستاذ آخر تلميذ خرج من الفصل، بل الواقع أنني بقيت بالفصل دقائق لأكمل واجبا لم أكن أكملته.
فصاح به عبد العزيز: واجبا لم تكن أكملته! هل سرقة قلمي واجب يا سي جرجس؟ هات القلم. - صدقني لم أره إلا في يدك. - كان هنا على المنضدة، وأنت وحدك في الفصل. - ليس هذا شأني. إننا ما زلنا في المدرسة، فتشني. ولو أن هذا أمر لم يحصل لي في حياتي مطلقا. - أفتشك! أتظنني عبيطا لدرجة أنني أتصور أنك ستبقي القلم معك؟
وجاء مدرس الحصة التالية الأستاذ متولي عبد المجيد. - خير يا أستاذ عبد العزيز.
وروى له عبد العزيز القصة، ودون أن يحس متولي وثبت ابتسامة على شفتيه. - أتضحك يا متولي؟! - لا أقصد والله، ولكني أعلم مكانة هذا القلم عندك. - أتضحك يا متولي؟! - أول هدية من حبيب... أقصد من خطيبتك، ولك حق أن تحرص عليه وتعتز به. - ليس أمام الأولاد يا متولي. والحقيقة أنني لم أجد قلما أراحني في الكتابة مثل هذا القلم. - والآن ماذا ترى؟ - لا بد أن يظهر القلم. - والحصة؟ - في ستين ... أقصد أني آسف، ولكن ماذا أفعل؟ - أتشك في أحد؟ - بل إنني متأكد من السارق. الولد جرجس حنين. - خذه إلى الناظر وأكمل القضية. - وهو كذلك، تعال يا سي جرجس.
وخرج جرجس مع الأستاذ عبد العزيز ودمعة تطفر من عينه تبعثها كرامة جريحة أن تفيض، ويمسك بها شعور بالظلم أن تسيل؛ فهي حائرة في مكانها على جفنه لا تنضب ولا تنحدر. وراح الأستاذ متولي يشرح الدرس. وكان منصور قد استقر على رأي، وانتهت الحصة.
وسارع منصور إلى وجدي وانتحى به ناحية: ضع القلم في درج منضدة الأستاذ عندما نخرج في الفسحة، وأعاهدك ألا يعرف أحد. - ماذا؟ ماذا تقول؟ - لقد رأيتك بالصدفة، ولا ترضى أن يضيع مستقبل زميل من أجل فعلة هو بريء منها كل البراءة.
وأطرق وجدي خجلا: وتسترها علي؟ - أسترها. - وتنساها لي؟ - إذا لم تتكرر. - لن تتكرر، وأقسم لك. - توكلنا على الله.
صفحه نامشخص