خُرافة: مقدمة قصيرة جدًا
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
الفصل الثاني
الأسطورة والفلسفة
تتداخل العلاقة بين الأسطورة والعلم مع العلاقة بين الأسطورة والفلسفة؛ لذا ربما كان بوسعنا هنا استعراض آراء الكثير من المنظرين الذين أشرنا إليهم في الفصل السابق، غير أن هناك نطاقا أوسع من الرؤى والمواقف حول العلاقة بين الأسطورة والفلسفة: من قبيل أن الأسطورة جزء من الفلسفة، وأن الأسطورة «هي» الفلسفة، وأن الفلسفة هي الأسطورة، وأن الأسطورة تنبثق من الفلسفة، وأن الفلسفة تنبثق من الأسطورة، وأن الأسطورة والفلسفة مستقلتان إحداهما عن الأخرى، لكنهما تؤديان الوظيفة نفسها، وأن الأسطورة والفلسفة مستقلتان إحداهما عن الأخرى، وتؤديان وظائف مختلفة.
بول رادين
تذكر أنه بينما أدرج تايلور وفريزر الأسطورة والعلم تحت الفلسفة، وضع ليفي-بريل الأسطورة، كرد فعل لهما، في مقابل العلم والفلسفة معا. ويرى ليفي-بريل أن التوحد البدائي مع العالم، مثلما تدلل الأسطورة على ذلك، هو النقيض للانفصال عن العالم الذي ينادي به كل من العلم والفلسفة.
من ثم، جاء رد فعل أكثر حدة على رؤية ليفي-بريل من عالم الأنثروبولوجيا بولندي المولد، بول رادين (1883-1959)، الذي جاء إلى أمريكا رضيعا. ويفسر عنوان كتابه الرئيس «الرجل البدائي فيلسوفا» نفسه. فعلى الرغم من عدم ذكر رادين لتايلور في كتابه قط، يحيي رادين رؤية تايلور فيما يحجمها ويوسع نطاقها في ذات الوقت. ويفترض رادين جدلا أن «معظم» البدائيين لا يمتون إلى الفلسفة بصلة، ويشير إلى أن معظم الأشخاص في أي ثقافة على هذه الحال أيضا. ويفرق رادين بين الشخص العادي، «رجل الأفعال»، والشخص الاستثنائي، «المفكر» بقوله:
يشعر الشخص العادي [رجل الأفعال] بالرضا لوجود العالم، ولتتابع الأحداث فيه. لكن لتفسيرات هذه الأحداث أهمية ثانوية. فهو مستعد لتقبل التفسير الأول الذي يأتيه عرضا، ولا يكترث البتة بأية تفسيرات عميقة، بل ينزع لتفسير في مقابل تفسير آخر. ويفضل هذا الشخص التفسير الذي يؤكد فيه تأكيدا خاصا على العلاقة المباشرة بين تسلسل الأحداث. ويتميز الإيقاع العقلي له - إذا جاز لي استخدام هذا التعبير - بالحاجة إلى التكرار اللانهائي لنفس الحدث أو - في أفضل الأحوال - بتكرار الأحداث التي تقع جميعها على المستوى العام نفسه ... في المقابل، يعتبر الإيقاع العقلي للمفكر مختلفا تماما؛ فهو يرى أن افتراض وجود علاقة مباشرة بين الأحداث لا يكفي؛ ولذا يصر على تقديم وصف للتقدم التدريجي والتطور من وضع إلى أوضاع متعددة، ومن البسيط إلى المعقد، أو يصر على افتراض وجود علاقة بين السبب والتأثير. (رادين، «الرجل البدائي فيلسوفا»، ص232-233)
يوجد «النمطان المزاجيان» في جميع الثقافات وبنفس النسبة. وإذا كان ليفي-بريل مخطئا إذن في إنكار أن أي بدائي يعد مفكرا، فسيعد تايلور بالمثل مخطئا في افتراض أن جميع البدائيين مفكرون. غير أن رادين يعتقد أن هؤلاء البدائيين المفكرين يمتلكون مهارات فلسفية فائقة أروع من المهارات التي يسلم تايلور بوجودها عند صانعي الأساطير أنفسهم، ويطلق عليهم «فلاسفة بدائيين». ويرى رادين أن التخمينات البدائية - الموجودة في صورتها الكاملة في الأساطير - تتجاوز مجرد تقديم تفسير للأحداث في العالم المادي، مثلما، للأسف، يقال عن أسطورة أدونيس. وتتعامل الأساطير مع جميع أنواع موضوعات ما وراء الطبيعة، مثل المكونات النهائية للحقيقة. وعلى النقيض من تايلور، يستطيع البدائيون ممارسة النقد بدقة:
من غير الإنصاف على الإطلاق القول بأن الأشخاص البدائيين يفتقرون إلى القدرة على التفكير المجرد أو إلى القدرة على ترتيب هذه الأفكار بصورة منهجية، أو، أخيرا، القدرة على جعلهم وبيئتهم بالكامل عرضة للنقد الموضوعي. (رادين، «الرجل البدائي فيلسوفا»، ص384)
إن القدرة على النقد هي الصفة الأساسية لعملية التفكير، وذلك على الأرجح في رأي رادين، وكذلك كارل بوبر وروبين هورتون بكل تأكيد.
صفحه نامشخص