خُرافة: مقدمة قصيرة جدًا
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
ما دامت مشاركة الفرد في المجموعة الاجتماعية لا تزال محسوسة على نحو مباشر، وطالما كانت مشاركة المجموعة مع المجموعات المحيطة بها واقعية - بعبارة أخرى، ما دامت فترة التعايش الغامض لا تزال مستمرة - فإن الأساطير تكون قليلة العدد ومنخفضة القيمة ... فهل يمكن أن تصبح الأساطير بالمثل نتاج العقلية البدائية والتي تخرج إلى النور عندما تسعى هذه العقلية إلى تحقيق مشاركة لم تعد قائمة بالفعل؛ أي عندما لا تجد سوى اللجوء إلى العوامل الوسيطة والوسائل التي تهدف إلى ضمان وجود تواصل لم يعد موجودا على أرض الواقع؟ (ليفي-بريل، «كيف يفكر السكان الأصليون»، ص330)
في حالة أسطورة أدونيس كان من المؤكد أن يركز ليفي-بريل على علاقة أدونيس الغامضة بالعالم. فأدونيس في رواية أوفيد لا ينتبه إلى أي من التحذيرات من مخاطر العالم؛ لأنه يتخيل أنه يشعر بالأمان في العالم، وهكذا يشعر؛ لأنه والعالم كيان واحد مترابط. ويعجز أدونيس عن مقاومة الإلهتين؛ لأنهما بالنسبة له بمنزلة الأم التي لا يسعى إلى مضاجعتها، بل إلى المكوث في أحشائها. فهناك حالة بدائية من التوحد بينه وبين الإلهتين، يطلق عليها ليفي-بريل «غموض المشاركة».
برونيسلاف مالينوفسكي
كانت إحدى الاستجابات لرؤية ليفي-بريل هي إعادة التأكيد على الطبيعة الفلسفية للأسطورة، وهي استجابة نتناولها تفصيلا في الفصل التالي. ويعد بول رادين وإرنست كاسيرر هما المنظران الرئيسان اللذان صدرت منهما هذه الاستجابة. وكان من الاستجابات الأخرى قبول فصل ليفي-بريل للأسطورة عن الفلسفة، مع رفض وصف الأسطورة بأنها قبل فلسفية أو قبل علمية. وأهم المناصرين لوجهة النظر هذه هو عالم الأنثروبولوجيا بولندي المولد برونيسلاف مالينوفسكي (1884-1942)، الذي نزح مبكرا إلى إنجلترا. فبينما يؤكد ليفي-بريل أن البدائيين يسعون إلى التواصل مع الطبيعة بدلا من تفسيرها، يؤكد مالينوفسكي أن البدائيين يسعون إلى التحكم في الطبيعة بدلا من تفسيرها؛ فكلاهما يجمع بين أسلوب فلسفي وآخر تفسيري أو فكري، كما يجمعان بين هذه الرؤية والرؤية البريطانية - أقصد ما فعله مالينوفسكي في الجمع بين رؤيته ورؤية تايلور، وليس فريزر. وكلاهما يرجع هذه الفكرة المختلقة عن الأسطورة، وبصورة عامة، عن الدين، إلى فكرة مختلقة عن البدائيين.
استشهد مالينوفسكي بفريزر، الذي يعتبر الأسطورة والدين النظيرين البدائيين للعلم التطبيقي، في رؤيته أن البدائيين مشغولون للغاية بسعيهم الدءوب لكسب قوت يومهم إلى حد لا تتوفر لديهم عنده رفاهية التفكير في العالم من حولهم. وبينما يستخدم البدائيون - في رأي فريزر - الأسطورة «محل» العلم، الذي نؤكد تارة أخرى أنه حديث بصورة استثنائية، فإن مالينوفسكي يظن أن البدائيين يستخدمون الأسطورة ك «بديل طارئ» للعلم. ولا يملك البدائيون النظير المقابل للعلم فقط، بل يملكون العلم نفسه:
إذا كان يفهم من العلم أنه يتألف من مجموعة من القواعد والمفاهيم، التي تستند إلى الخبرة ويجري التوصل إليها من خلال الاستدلال المنطقي، والتي تتجسد في مجموعة من الإنجازات المادية وفيما يتفق مع شكل ثابت من أشكال التقاليد، ويجري تنفيذها عن طريق إحدى المنظمات الاجتماعية؛ فلا شك إذن في أن أقل المجتمعات البدائية تحضرا تمتلك بدايات علم، مهما كان بدائيا. (مالينوفسكي، «السحر والعلم والدين»، ص34)
يستخدم البدائيون العلم للتحكم في العالم المادي. وعندما لا يجدي العلم، يتحولون إلى استخدام السحر.
وعندما لا يجدي استخدام السحر، يتجه البدائيون إلى الأسطورة، ولكن ليس لإحكام السيطرة على العالم، مثلما يفترض فريزر، بل العكس، للتوفيق بين أنفسهم وبين سمات في العالم لا يمكن التحكم فيها، مثل الكوارث الطبيعية، والأمراض، وكبر السن، والموت؛ إذ ترجع الأساطير، التي لا تقتصر على الدين، أسباب هذه المصائب إلى الأفعال البدائية التي لا راد لها، سواء التي تصدر من الآلهة أو البشر. فوفقا لإحدى الأساطير النموذجية، يطعن البشر في السن لأن اثنين من الأسلاف قاموا بشيء أخرق جعل العمر المتقدم جزءا من العالم على نحو لا سبيل إلى تغييره:
فقدت القدرة المأمولة على الشباب الدائم واستعادة الشباب التي تمنح حصانة ضد الضعف والعمر القصير من خلال حادثة بسيطة كان في مقدرة طفل وامرأة منعها. (مالينوفسكي، «الأسطورة في علم النفس البدائي»، ص137)
على سبيل المثال، تفسر الأسطورة طريقة حدوث الفيضان - بقول إنه قد سببه إله أو إنسان - بينما يحاول العلم البدائي والسحر القيام بشيء حياله. وفي المقابل، تؤكد الأسطورة على عدم القدرة على فعل شيء حيال الفيضان. وتدور الأساطير التي تجعل البدائيين يستسلمون إلى القوى التي لا قبل لهم بالتحكم فيها حول الظواهر المادية. أما الأساطير التي تدور حول ظواهر «اجتماعية»، مثل العادات والقوانين، فإنها تهدف إلى إقناع البدائيين بتقبل ما «يمكن» مقاومته، مثلما سنبين لاحقا في الفصل
صفحه نامشخص