حتام يا كاتيلينا تطمع منا بالصبر فتزيد في غرورك وتتمادى في بغيك وفجورك. طغيت فما عرفت لطغيانك حدا، ولا حفظت لأمتك عهدا، ولا راعك الحرس القائم على الأسوار في الليل والنهار، ولا أهاب بك جلال هذا المقام ومن فيه من شيوخ كرام. لقد برح الخفاء عن حالك، وظهر المستور من أعمالك، فلا تظن بعد اليوم أحدا يجهل ما فعلت بالأمس وقبل الأمس، وبمن اجتمعت وعلام عولت.
يا للدهر ويا للأخلاق! المجلس يدري، والقنصل يرى، وهذا الرجل لا يزال حيا، يأتي إلينا ويشترك معنا، ويجيل نظره فينا، ويختار منا من يقع عليه حكم الموت، أي كاتيلينا، كان عليك أن تساق إلى الموت بأمر القنصل من زمن طويل، وأن يرد إلى نحرك السهم الذي تفوقه إلينا.
قتل سيبيون فيما مضى تبريوس كراكس لخيانته ولم يكن سيبيون قنصلا، ونحن القناصل نحتمل كاتيلينا الساعي في خراب العالم بالحديد والنار، سلام على رجال هذه الجمهورية القدماء، لقد كانوا شجعانا يذبون عن الوطن ويعاقبون خائنيه، أما نحن فالخائن بيننا ولا نجد له قصاصا، ولا نستطيع منه خلاصا، هذا لعمركم الصغار بعينه! (5) القديس باسيليوس
من خطبة له في الأغنياء
تقول هو مالي أحرص عليه، فما وجه الضرر لسواي؟ ما لك وأين أخذته؟ أجب من أين جئت به في هذه الدنيا؟ مثلك مثل من يأتي دار التمثيل قبل غيره، فيريد أن يمنع الباقين من الدخول بحجة أنه أول الداخلين، أفلأن الأغنياء استولوا قبل غيرهم على مال هو ملك الجميع يريدون أن يستأثروا به دون سواهم؟ أجل يا سادة لو أعطى كل واحد منكم ما زاد عن حاجته لما كان على الأرض غني ولا فقير. ألم تخرجوا عراة من بطون أمهاتكم؟ ألا تعودون عراة إلى بطن الأرض؟ فمن أين هذا الغنى الذي تتمتعون به؟ أكان اتفاقا؟ أعوذ بالله من الكفران بنعمه إنه لم يكن اتفاقا بل من الله، وإذا كنتم تعرفون أنه من الله فقولوا لي علام أعطاكهم الله وحرم سواكم منه؟ ما كان ربك ظالما لعبيده ليقسم هذه القسمة الضئزى. تعالى الله عن ذلك إنه أعطاكم الغنى لتنفقوه في سبيل الخير، وقال:
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
وهكذا أعد الثواب للغني والفقير؛ الأول لحلمه وكرمه، والثاني لصبره وألمه. وتظنون بعد هذا أن تحبسوا خيراتكم عن الناس دون الإضرار بهم؟!
من هو البخيل؟ هو الذي لا يكفيه سد حاجته. من هو اللص؟ هو الذي يسلب الآخرين أفلا تعرفون أنفسكم بهذا التعريف؟ تسمون قاطع الطريق من يجرد الناس من لباسهم، فماذا تسمون من لا يجود باللباس على من لا لباس له؟! إن في خزائنكم ثيابا كثيرة هي ملك الفقراء العراة، كل هذه النعم التي أتيح لكم أن تتمتعوا بطيبها أصبحت ذنوبا ترصد لكم عواقبها الوخيمة.
من خطبة أخرى
قولوا لي ما الفائدة من مقاعد العاج وأسرة الذهب وموائد الفضة، حتى تنفقوا في سبيلها مالا الفقراء أحق به؟ يتوافدون إلى أبوابكم باكين مسترحمين، فتردونهم بقسوة ولا تهابون نقمة الجبار، لا رحمة عندكم فلا تنتظروا رحمة منه؛ تقفلون دون المسكين أبوابكم، وهو يقفل دونكم أبواب الجنة، تمنعون الخبز عن الفقير؛ فتمنع عنكم الحياة الأبدية.
صفحه نامشخص