دَار الْعدْل وَدَار الْجور والتغلب:
دَار الْإِسْلَام وَمَا يقابلها من دَار الْحَرْب معروفتان وَلَهُمَا أَحْكَام كَثِيرَة. . وَقد تكَرر فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَن الْعلمَاء من أَحْكَام الْخلَافَة ذكر دَار الْعدْل وَهِي دَار الْإِسْلَام الَّتِي نصب فِيهَا الإِمَام الْحق، الَّذِي يُقيم ميزَان الْعدْل، تسمى بذلك إِذا قوبلت بدار الْبَغي والجور، وَهِي مَا كَانَ الحكم فِيهَا بتغلب قُوَّة أهل العصبية من الْمُسلمين وَعدم مُرَاعَاة أَحْكَام الْإِمَامَة الشَّرْعِيَّة وشروطها. . وَأهل دَار الْعدْل هم الَّذين يسمون الْجَمَاعَة، وهم الَّذين يجب على جَمِيع الْمُسلمين اتباعهم وَاتِّبَاع إمَامهمْ اخْتِيَارا، وَعدم اتِّبَاع من يخالفهم إِلَّا اضطرارا، وَهَاتَانِ الداران قد توجدان مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَقد تُوجد إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى. . وَلكُل مِنْهُمَا أَحْكَام. .
أما دَار الْعدْل فطاعة الإِمَام فِيهَا فِي الْمَعْرُوف وَاجِبَة شرعا ظَاهرا وَبَاطنا، وَلَا تجوز مُخَالفَته إِلَّا إِذا أَمر بِمَعْصِيَة لله تَعَالَى ثَابِتَة بِنَصٍّ صَرِيح من الْكتاب وَالسّنة دون الِاجْتِهَاد والتقليد، وَيجب قتال من خرج عَلَيْهِ من الْمُسلمين أَو بغى فِي بِلَاده الْفساد بِالْقُوَّةِ، كَغَيْرِهِ من الْقِتَال الْوَاجِب شرعا، وَتجب الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَمن دَار الْبَغي إِلَى هَذِه الدَّار على من استضعف فيهمَا فظلم أَو منع من إِقَامَة دينه، وعَلى من تحْتَاج إِلَيْهِم دَار الْعدْل لحفظها ومنعها من الْكفَّار أَو الْبُغَاة، ولغير ذَلِك من الْمصَالح الْوَاجِبَة لإعزاز الْملَّة، إِذا توقف هَذَا الْوَاجِب على هَذِه الْهِجْرَة، وَأما دَار الْبَغي والجور فالطاعة فِيهَا لَيست قربَة وَاجِبَة شرعا لذاتها، بل هِيَ ضَرُورَة تقدر بِقَدرِهَا وَتقدم تَفْصِيل القَوْل فِيهَا. .
وَمن الظُّلم الْمُوجب لِلْهِجْرَةِ مِنْهَا على من قدر إِلَى دَار الْعدْل إِن وجدت حمل المتغلبين من يخضع لَهُم على الْقِتَال لتأييد عصبيتهم والاستيلاء على بعض بِلَاد الْمُسلمين، فَمن قدر على الْفِرَار من ذَلِك وَجب عَلَيْهِ. فَأمرهَا دَائِما دائر على قَاعِدَة ارْتِكَاب أخف الضررين، وَالظَّاهِر أَن يفرق بَين قِتَالهمْ لأهل الْعدْل فَلَا تُبَاح الطَّاعَة فِيهِ بِحَال، وَبَين قتال غَيرهم كأمثالهم من المتغلبين، وَفِيه تَفْصِيل لَا مَحل لبيانه هُنَا ... وَأما الْجِهَاد الشَّرْعِيّ فَيجب مَعَ أَئِمَّة الْجور، وَمِنْه دفاعهم عَن بِلَادهمْ إِذا اعْتدى عَلَيْهَا الْكفَّار. .
1 / 50