قُريْشًا وَلَا تقدموها " - أَي وَلَا تتقدموها - وَلَيْسَ مَعَ هَذَا النَّص شُبْهَة لمنازع فِيهَا، وَلَا قَول لمخالف لَهُ. .
أَقُول: قد تقدم الْكَلَام فِي الْعَدَالَة وَالْعلم المشترطين فِي أهل الِاخْتِيَار للخليفة وَيَأْتِي مثله هُنَا بِالْأولَى، أما الْإِجْمَاع على اشْتِرَاط القرشية فقد ثَبت بِالنَّقْلِ وَالْفِعْل، رَوَاهُ ثقاة الْمُحدثين، وَاسْتدلَّ بِهِ المتكلمون وفقهاء مَذَاهِب السّنة كلهم. وَجرى عَلَيْهِ الْعَمَل بِتَسْلِيم الْأَنْصَار وإذعانهم لنَبِيّ قُرَيْش ثمَّ إذعان السوَاد الْأَعْظَم من الْأمة عدَّة قُرُون حَتَّى إِن التّرْك الَّذين تغلبُوا على العباسيين وسلبوهم السلطة بِالْفِعْلِ لم يتجرأ أحد مِنْهُم على ادِّعَاء الْخلَافَة وَلَا التصدي لانتحالها حَتَّى بالتغلب الَّذِي يجِئ الْكَلَام فِيهِ بعد، وَمَا ذَلِك إِلَّا لِأَن الْأمة كلهَا مجمعة على مَا ذكر، معتقدة لَهُ دينا، بل كَانَ الْمُلُوك والسلاطين المتغلبون يستمدون السلطة مِنْهُم، أَو كَانُوا يدعونَ النِّيَابَة عَنْهُم. .
وَأما الْأَحَادِيث فِي ذَلِك فكثيرة مستفيضة فِي جَمِيع كتب السّنة، وَقد أخرجوها فِي كتب الْأَحْكَام وأبواب الْخلَافَة أَو الْإِمَارَة والمناقب وَغَيرهَا، وَلم يَقع خلاف فِي مَضْمُون مجموعها بَين أهل السّنة من عرب وَلَا عجم، وَلم يتصد أحد من عُلَمَاء التّرْك لتأويلها، وَقد طبع بعض الْكتب المثبتة لَهَا فِي الآستانة بِإِذن نظارة المعارف حَتَّى فِي زمن السُّلْطَان عبد الحميد الَّذِي لم يهتم بلقب الْخَلِيفَة أحد مثله، وَمِنْهَا شرح الْمَقَاصِد الَّذِي نقلنا عَنهُ هُنَا مَا نقلنا، وَكَذَا المواقف مَعَ شَرحه وحواشيه. . وَحَدِيث
" قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها " الَّذِي ذكره الْمَاوَرْدِيّ رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة بلاغا وَابْن عدي فِي الْكَامِل من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَالْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث عَليّ كرم الله وَجهه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب بأسانيد صَحِيحَة. . وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع فِي الصَّحِيحَيْنِ
" النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الشَّأْن " وَلَا نُرِيد ذكر بَقِيَّة الْأَحَادِيث وَإِنَّمَا خرجنَا الحَدِيث الَّذِي اعْتَمدهُ الْمَاوَرْدِيّ وَذكرنَا مَا يقرب مِنْهُ فِي لَفظه لِأَنَّهُ لم يُخرجهُ
وحسبنا من قُوَّة حَدِيث
" الْأَئِمَّة من قُرَيْش " من حَيْثُ الرِّوَايَة قَول الْحَافِظ بن حجر فِي فتح الْبَارِي عِنْد ذكره فِي المناقب من صَحِيح البُخَارِيّ مَا نَصه: قد جمعت طرقه عَن نَحْو أَرْبَعِينَ صحابيا لما بَلغنِي أَن بعض فضلاء الْعَصْر ذكر أَنه لم يرو إِلَّا عَن أبي بكر الصّديق. . وَذكر الْحَافِظ أَن لفظ
1 / 27