خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرها
تحرض جميع المخلوقات على الهيام، فتوردها موارد الجوى والآلام، وتطلق ألسنة العنادل والشحارير والبلابل فتصدح بشجي الأنغام، معربة عما يخالجها من ضرام الغرام، وتغري الأزهار فتنفر من براعمها، وتهرب من سجن أكمامها ناشدة عشاقها، من نحل وفراش تعانقها، وترتشف معسول ثغورها.
أي ربيع العيش، ورائد النزق والطيش، ومهلك النفوس والأجسام، ومفسد الألباب والأحلام، يا لك من أعمى أصم، وظالم غشوم لا يرحم، لا يردعك عقل ولا خلاق، ولا يروعك إرهاب ولا إرهاق، أغرك عنفوان الشباب، فضللت محجة الصواب، وانغمست في حمأة الملذات، وشرفك ربك فأبيت إلا أن تماثل العجماوات.
رباه إنك تعلم أنني زللت ربيعي بشكيمة العقل، وقضيت أيامي كلفا بنيل متفاوت المعلومات، وأداء الواجبات، مولعا بمجيد الكماليات، مستبشعا كل لذة جثمانية، مستمرئا الملذات الشريفة النفسية، ولكن النفس لم تبلغ مناها، ولم تؤد من واجباتها منتهاها، فعساك اللهم تطيل أيام صبوتي، وتمد في نعيم صحتي، لأتم فروضي وواجباتي، وفي ذلك هناءتي وسعادتي، ومطمح أملي وأمنيتي. (2) الزمن
سلام أيها الخالد الفتي، سلام أيها العادل القوي، بوركت يا شيخ الحكماء، وإمام الفلاسفة والعلماء!
أنت محيي الفضل ومخلده، ومعلي الحق وممجده، ومزهق الباطل ومبدده، أنكر فضلك الجهلاء، ولعنك ظلما الأغبياء، وما دروا أنك مثقف الأحلام، ومصحح الأحكام، لم يفلح أبواي في تأديبي، ولا أستاذتي في تهذيبي، وكنت وحدك لي خير مؤدب، وأفضل وأعظم مهذب.
كنت بالأمس أظن الجهلاء فضلاء، والوزانين شعراء، والخونة أمناء، والمنافقين أصدقاء، والظالمين أبرياء، والمرائين أتقياء، فرفعت عن طرفي غشاوته، وأزلت عن قلبي غفلته، فتجلت لي الحقيقة بأبهى مظاهرها، وأكمل معانيها.
أيها الزمن! علمتني القناعة فغنيت، ونعمتني بسعادة النفس فهنئت، ودرعتني بالصبر فلم أجزع، وسلحتني باحتمال المكاره فلم أهلع، ورضي عني الناس فارتاح ضميري، وانشرح صدري، فلست مؤملا من دنياي بعد هذا غير رضا الخالق.
لم أنس وقفتك أيها الزمن أمام المأمون وقد سولت له نفسه أن يهدم أثر الفراعنة الجليل، وأنت تضحك منه وتقول له: «ذراعك قصيرة أيها الغر عن أن تنال منه نيلا، ولا تستطيع جميع الأنام أن تدمر ما خلدته الأيام!»
ظهرت النوابغ في عصور كان أهلها والأنعام سواء، فرأى بعضهم أن الانتحار خير وسيلة للتخلص من هذا الخلف المشئوم، والخلق المذموم، وفضل الآخرون اعتزال هاته الأنعام والانزواء في بيوتهم، لتجنب ازدرائهم وسخريتهم.
زمجر الشعر في صدر «توماس شاترتون» وهو غلام، فأصبح وهو في ربيعه السابع عشر شاعرا مجيدا، ولم يؤثر شعره في قومه حتى يكفوه غائلة الجوع، وكان يسخر منه محافظ لندره قائلا له: إنك يا بني عائش في عالم الأوهام، سابح في بحار الخيال والأحلام، وما هذا إلا باطل لا ينفعك ولا ينفع الناس، واعلم أن الله خلق إنكلترا كهيئة سفينة قائمة بمراقبة القارة الأوروبية، وقد انبعث منها مئات مثلها من السفن تمثل دولتها في مستعمراتها، وقد قام الملك واللوردات بجانب العلم والبوصلة والخيزرانة، وأمسكت الأمة بحبالها ومدافعها فلا ترى أحدا وسط هذه المعمعة عديم الفائدة، فأنبئني إذن عما يعمله الشاعر وسط الملاحين.
صفحه نامشخص