خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرها
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن من على الإنسان بفيوضه الربانية، ونفحاته المباركة العلوية، حتى سما إلى أرفع ذرى الخيال، وأنتج في عالم البلاغة أفخم مثال، وصلاة وسلاما على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، ومن فتن بروائع بلاغته العقول والألباب، وبعد؛ فأهدي إلى القراء بعض ما جادت به القريحة وجال فيها الخيال من فنون مختلفة، وأبحاث متفاوتة وقليل من قطع معربة في التمثيل وغيره عسى أن تصادف قبولا عند الجمهور الكريم، ولا أنسى الحفاوة العظيمة التي تقبل بها القراء والفضلاء «بلاغة الغرب»، ولعمري إنها لتدل على كرم حاتمي وتسامح كبير حيال عمل لا يستحق كل هذا الثناء، وإني أقدم لهم واجب الشكر على هذا العطف الكريم وتلك السجايا النادرة، وأدعو الله أن يوفقنا جميعا لخدمة الأمة وأن يمكننا من أداء الواجب؛ إنه سميع مجيب.
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
(1) الربيع
ذهبت بعد ظهيرة يوم طاب هواؤه، وصفت سماؤه، مع رفقة من خير الأصدقاء، وصفوة الأحباء، إلى القناطر الخيرية؛ لنمتع منا النواظر، ونجلو الخواطر، ونمحو ما خط على جباهنا من غضون سطرتها الهموم والشجون بجمال الربيع المتجلي بمظاهره الساحرة، فوق تلك الجنات الناضرة، والمياه اللجينية الجارية، والأفياء الظليلة الوارفة.
هناك مهد الربيع وإيوانه، وبهاء الطبيعة الغض وسلطانه، ومهبط طيف الشعر والخيال، ومظهر الجمال والجلال، ومهب النسيم الأريج، ومنبت الزهر الشذي البهيج.
هناك ملتقى الأنهار، وقرة الأنظار، وقبلة النعيم، وشفاء السقيم، وملاذ المحزون، وسلوان المفتون.
خطت هذه الجنان الفيحاء، والغابات الغلباء بذوق سليم، إذ توخي فيها تمثيل الطبيعة وحراجها وروابيها ومروجها، وخمائلها ودروبها ودوحها الشاهق، ونخلها الباسق؛ فأصبحت يتيمة عقد رياض القطر فلا ترى فيها شكلا هندسيا ولا سطحا معتدلا، وقد نثرت فوق تلك البسط الزمردية أشجار تفاوتت أحجامها واختلفت أبعادها واتجاهاتها.
يظن الساذج أن تلك الروضات لا نظام لها، خالية من الفن والترتيب، ولكنها في الحقيقة خاضعة لنظام دقيق فني لا يدركه إلا من أوتي ذوقا رفيعا، ومارس فن النباتات وتخطيط الحدائق زمنا طويلا.
صفحه نامشخص