247

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

ژانرها

عنترة :

الوداع الوداع يا بنت الأمير النبيل سلالة الأبطال الأماجد الذين يقابلون الأهوال بعيون كعيون النسور القشاعم، إن دم أسلافك لا يكذب كما يصدق دم راعيهم القديم الذي نال الشرف اليوم (ثم يصطحب شيبوب عبلة) .

اذهبي ولن ترحلي وحدك يا عبلة، إن نفسي لتشيع خطواتك وسأجعل نصب عيني الساعات والأيام التي نسجت منذ طفولتنا خيوط حبنا، وسأبذرها في الهواء لتكون ذرات حياتي هذه بمثابة حرس عظيم، ثم أحرسكم جميعا فيما بعد من أعالي السماء. (ثم يعود إليه شيبوب.)

شيبوب :

يا لك من مسكين! يجب أن تلحق بها في أقرب وقت، هيا بنا فإنني تام العدة والسلاح، وهذه آخر واقعة أخوض غمارها ويلزمني أن أستعد لها كالفوارس البواسل وأتلقى الطعنات إلى أن أقع مضرجا بالدماء.

عنترة :

شيبوب! يا أخي وزميلي في الحروب لنتعانق دون ضعف أو أسف لا يجدي ولا ينفع، وعيون جامدة لا تعرف أن تدمع. (ثم يطيع شيبوب إشارة عنترة وهو يكظم زفراته ويذهب.)

سأموت الآن بغير شهود ونعم ما فعلت، إنني أستطيع الآن أن أعبر عن آلامي ويتسنى لعيني أن تبكيا دون أن تسيل عبرات الآخرين، لقد خارت قواي ولكني ضاعفت قواكم ولن يرى أحد منكم ضعفي وآلامي (ثم يخترف شعاع من الشمس المشرقة سحب الضباب المربد وينير وجه عنترة) .

والشمس لا تفترق عنا، إذ تولد ثم يراها الناس وهي تموت، أيتها الشمس اذهبي إلى ذوي وانضمي إلى موكبهم وقولي لهم بأني أحميهم في الحياة وفي الممات، الوداع يا أماني الحب والمستقبل الزاهر، أواه! إنني أشعر أن البرد يغير علي شيئا فشيئا، وقد اضطربت عيناي، ماذا دهاني؟! هل هذه وطأتك أيها الموت ؟ مهلا مهلا، فإني أنا الذي أهاجمك وأشد عليك دون وجل، لأمتط الجواد والرمح في يدي كما كنت من قبل، وسأجبرك أن تخضع لأمري وسيقود ذراعي سيرك الأعمى الأحمق. (ثم يعلو جواده وهو في الرمق الأخير)

والآن تفتح روحي جناحيك فطر وحلق، يخيل إلي أني أنام نوما هادئا وأرى سربا من الطير آتيا من المشرق، يقترب مني ويحيط بي ثم يذهب ويعود، ولكنه حياتي بأجمعها التي تضمني كأكفان نسجتها الأيام التي عشتها أيام الأمل والحب والحرب، إن الماضي يعرض أمامي وأرى أول الكفن، أي أيام الطفولة، إن خيوطك لمن خز وعسجد وأنت وحدك اللامعة الزاهية، إننا ننسج بأيدينا أكفاننا، وهذا كفني يطويه الموت بأصابعه وهو يدفنني في طيات حياتي، لا تتحرك يا عنترة، يجب أن يراك العدو حينما يقبل مستعدا للكفاح. (ثم يسلم النفس الأخير ويميل برأسه ويبقى جسمه منتصبا معتدلا مستندا ذات اليمين إلى رمحه وذات اليسار إلى الصخور القائمة، وفي هذه الآونة يأتي الرجال شاهرين رماحهم وسيوفهم وعلى رأسهم عمارة بن زياد فيلمح على حين غفلة عنترة وقد أضاء وجهه شعاع الشمس المشرقة، فلمع سلاحه وهو راكب جواده.)

صفحه نامشخص