خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرها
وفي هذا التعبير البعيد المنبعث من عينيها اللامعتين السوداوين فقد استنطبت عالما عظيما من الانتظار اليائس! فيا لبركان ثائر تحت سكون الأشعة المتلألئة من هذا الكوكب! وا أسفاه إن هذا النظر المشبع بأماني غير محدودة، ومن يخيل أنه يحاول أن يطير خلال السحب بعنفوان الطير وخفته، وما كان في الحقيقة ليبحث عن السماء، بل كأنه يبحث له عن ملجأ لبعض القلوب الإنسانية.
ولما قرأت الأهواء المبهمة المتصاعدة من هذه النظرات كظمت عواطفي بكل جهد، وأصبحت لا يقنعني أن أصحح رديء القريض، وطمحت نفسي إلى الظهور بأعمال عظيمة جلية، وصممت في النهاية أن أكرس نفسي لتشجيع الزواج الثاني للأرامل، ولا أكتفي بنشر أفكاري هذه بالكلام والقلم، بل بنفوذ المال أيضا، وقد ناقشني نابان في هذه الفكرة قائلا: «إن العزوبة الدائمة تشمل في نفسها فكرة طهر وسلام لا حد لهما، ورواء ودعة تماثل الأماكن الصامتة التي ينيرها بأشعته المحتضرة ضوء القمر الضئيل في ليلته الحادية عشرة، وهلا يكفي الزواج الثاني لتدمير هذا الجمال الرباني؟ ويجب أن أعترف بأن هذا الشكل من سرعة التأثر كثيرا ما ضايقني، وفي أيام القحط كان رجل سمين ضخم يتمشدق بمسائل الغذاء بلهجة احتقار وازدراء ناصحا من يموت جوعا بأن يتغذى بأريج الزهر وغناء الطير، فماذا تقول في رجل مثل هذا؟» فسبقته بالجواب بعنف: «اصغ لي يا نابان، فقد تكون البيوت المتهدمة للفنان شيئا يثير إعجابه، ولكن المنازل لم تشيد لأسباب الجمال، ويجب أن تستمر عامرة بأهلها وتدوم فيها يد الإصلاح والعناية دون اهتمام بسرعة تأثر الفنانين.»
ومنذ هنيهة كنت تحبذ الترمل وتجعله شيئا خياليا ومثلا أعلى، ولكن يلزمك أن تفهم أن تحت هذا الترمل يختبئ إحساس القلب الإنساني الذي يئن ويصعد الزفرات من الألم والرغبة.
كنت واثقا بأني سأقنع نابان بصعوبة، فأفعمت مناقشتي بالأهواء والعواطف، ثم دهشت حينما لمحت نابان وهو يزفر زفرة ذاهل في أمانيه، وانتهى الأمر به بأن وافقني على آرائي بعد حديثي القصير، ورأيت أن أستغني عن النتيجة المفحمة التي كنت أريد أن ألقيها عليه!
مضى على حوارنا أسبوع، فأقبل نابان ليراني وينبئني بأنني إذا شددت أزره يكون في طليعة الحركة بأن يبني على أرملة.
طرت فرحا وعانقت نابان بحنو عنيف ووعدته بأن أمده بما يلزمه من النقود الكافية لمشروعه ثم سرد لي وقائعه.
ولقد علمت أن المرأة التي أحبها نابان لم تكن شيئا خياليا، وأنه فتن أيضا من زمن بأرملة دون أن يفضي بسره لأي إنسان.
ولقد وقعت المجلات التي نشرت قصائد نابان - وبالأصح قصائدي - في يد الحسناء، ولم يكن الشعر عديم الجدوى.
وقد وضح لي نابان خبره بالتفصيل، وقال لي: إنه سولت له نفسه لأبعد شأو حتى إنه لم يبحث عما إذا كانت الأرملة تجيد القراءة، وأرسل المجلات لأخي الحبيبة وأخفى اسم المرسل، وكان ذلك منه استرسالا لأهوائه دون أمل.
وحينما يضع العابد عقود الزهر فوق أقدام ربة فليس من شأنه أن يعرف أنها كانت تعلم أو تجهل قربانه، أو كانت تقبله أو ترفضه.
صفحه نامشخص