خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرها
ولم يكتف بإنكار العناصر الهندية والفارسية فيه، بل تغالى في غلوائه حتى عد خبر ألف ليلة الوارد في مروج الذهب للمسعودي من الأخبار المشكوك فيها.
قال المسعودي في صفحة 90 جزء رابع طبعة المطبعة الأميرية بباريس:
مثل كتاب: هزار افسانه، وتفسير ذلك من الفارسية إلى العربية: ألف خرافة، والخرافة بالفارسية يقال لها: افسانه، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة وليلة، وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتها وهما شهرزادر ودينارزاد، ومثل كتاب فرزه وسيماس وما فيه من أخبار ملوك الهند والوزراء، ومثل كتاب السندباد، وغيرها.
وقد خالف المسيو هامر بورجستال المسيو سلفستر دوساسي وأكد صحة قول المسعودي ونشر بحثا مستفيضا في «المجلة الآسيوية» سنة 1918.
ولقد ظن المستر «ويليام لين» الذي ترجم قسما من ألف ليلة أن الكتاب كله تأليف شخص واحد، ومنشؤه في المدة الواقعة بين سنة 1475 وسنة 1525، وذكر هذه الفكرة في المقدمة التي وضعها لترجمته سنة 1839-1847.
وفي سنة 1886 عاد المستشرق الألماني «جوبي» إلى هذا البحث مستشهدا بما جاء في كتاب فهرست ابن النديم الذي فصل الخبر تفصيلا لا يجعل للشك مجالا.
قال محمد بن إسحاق: «أول من صنف الخرافات وجعل لها كتبا وأودعها الخزائن، وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان؛ الفرس الأول، ثم أغرق في ذلك ملوك الأشفانية وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس، ثم زاد ذلك واتسع في أيام ملوك الساسانية ونقلته العرب إلى اللغة العربية، وتناوله الفصحاء والبلغاء فهذبوه ونمقوه وصنعوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب هزار افسانه ومعناه ألف خرافة، وكان السبب في ذلك أن ملكا من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد، فتزوج بجارية من أولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها: شهرزاد، فلما حصلت معه ابتدأت تخرفه وتصل الحديث عند انقضاء الليل مما يحمل الملك على استبقائها ويسألها في الليلة الثانية من تمام الحديث إلى أن أتى عليها ألف ليلة وهو مع ذلك يطؤها إلى أن رزقت منه ولدا أظهرته وأوقفته على حيلتها عليه، فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك قهرمانة يقال لها: دينارزاد فكانت موافقة لها على ذلك، وقد قيل: إن هذا الكتاب ألف لجماني ابنة بهمن وجاءوا فيه بخبر غير هذا.»
قال محمد بن إسحاق: «والصحيح - إن شاء الله - أن أول من سمر باليل الإسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه، لا يريد بذلك اللذة وإنما كان يريد الحفظ والحرس، واستعمل لذلك بعده الملوك كتاب هزار فسانه ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المائتي سمر؛ لأن السمر ربما حدث به عدة ليال، وقد رأيته بتمامه دفعات، وهو في الحقيقة كتاب غث بارد الحديث.»
قال محمد بن إسحاق: «ابتدأ عبد الله محمد بن عيسى الجهشياري صاحب كتاب الوزراء بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم، وكل جزء قائم بذاته لا يعلق بغيره، وأحضر المسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه وكان فاضلا، فاجتمع له أربعمائة ليلة وثمانون ليلة، كل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تنميقه ألف سمر، ورأيت من ذلك عدة أجزاء بخط أبي الطيب أخي الشافعي، وكان قبل ذلك ممن يعمل الأسمار والخرافات على ألسنة الناس والطير والبهائم، جماعة منهم عبد الله بن المقفع، وسهل بن هارون، وعلي بن داود كاتب زبيدة وغيرهم.»
وقد قرأت في آخر كتاب ابن النديم أنه فرغ من كتابته في شعبان سنة 377، وهذا مما يدلنا على أن ألف ليلة كان معروفا قبل ألف سنة، ولو كان المسيو سلفستر دوساسي ممن يقدرون قيمة الكتب لما فاته الاطلاع على هذا الكتاب الجليل، ولما تورط في هذا الشك المخجل.
صفحه نامشخص