خاطرات الاغا
خواطر حمار: مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار
ژانرها
الفصل الثامن
سباق الحمير
كنت أعيش عيش البؤس بسبب رداءة الجو، واخترت لي مأوى في الغابة التي وجدت فيها ما يمسك الرمق، ويحول بيني وبين الموت جوعا وظمأ.
ولما جمدت الأنهار من البرد، كنت أتغذى بأكل الثلج وقرض الحشائش وأنام تحت أشجار الصنوبر، وكنت أقارن هذا العيش الضنك بالنعيم الذي كنت ألقاه عند سيدي جورج، بل بالحالة التي كنت عليها عند صاحب المزرعة الذي باعني، فلقد كنت عنده سعيدا كلما نبذت الكسل وتباعدت عن اللؤم وعيب الانتقام، ولكن ليس لي وسيلة للتخلص من هذا البؤس لأنني أحب أن أبقى حرا متصرفا وحدي في أعمالي.
وكنت أحيانا أقترب من بعض القرى المجاورة للغابة لأطلع على ما يجري في هذا العالم.
وجاء الربيع وهو خير الفصول، فدهشت لأنني رأيت حركة غير عادية، وكان يلوح على القرية مظهر العيد، والناس يمشون جماعات، وكان كل واحد يلبس ملابس الأعياد والآحاد، والذي زاد دهشتي أنني رأيت جميع حمير البلد مجتمعة.
وكان لكل حمار قائد يمسكه بلجام، والحمير كلها نظيفة ممشطة، وبعضها كان يزدان رأسه وعنقه بالورد والأزهار، ولم يكن واحد منها يحمل فوق ظهره بردعة.
فقلت: هذا غريب، فليس اليوم يوم سوق، وماذا تصنع هنا جميع هذه الحمير المنظفة المزخرفة، التي يظهر عليها أنها قد غذيت أحسن غذاء في هذا الشتاء؟ ولما فرغت من هذه الكلمة نظرت إلى ظهري وبطني وأفخاذي وكلها نحيف، والشعر غير ممشط والوبر متكسر، ولكنني كنت أشعر في نفسي بالقوة والحزم.
فاقتربت لأرى ما شأن هذه الحمير المجتمعة، فرأيت الغلام الذي يمسكها وقد تبسم حين لمحني، ثم قال: انظروا يا إخواني الحمار الذي قدم إلينا هل هو ممشط؟ فقال آخر: وهل هو معتنى به؟ وهل هو جيد الغذاء؟ وكيف مع ذلك يحضر السباق؟
وقال ثالث متهكما: ومن يدري؟ فلندعه يجري ويسابق فليس علينا خطر إذا فاز بالجائزة ...
صفحه نامشخص