ونحن هنا نستقبل ما نحن فيه بنوع من اليأس اللامبالي ... ولكن هذا اليأس هو الذي يجعلنا لا نتحطم في داخلنا، ولكن إذا ألم بنا اليأس إلماما يجعلنا لا نقبل على إصلاح ما بنا، فعلى مستقبلنا العفاء.
إن أول بوادر الأمل أن نطبق قانون الثواب والعقاب ... وأن يعم هذا القانون جميع مرافق حياتنا، وأنا غير يائس ... فمنذ قريب روى لي صديق كريم أن خطابا جاءه من مهندس ري في بلدته يطلب إليه أن يرفع ماسورة تروي حديقته منذ زمن طويل، وذهب الصديق إلى وكيل الوزارة المختص فوجده رجلا غاية في الكياسة والأدب ولطف الحديث، واستمع إلى شكواه واطلع على الخطاب وطلب المهندس الذي صدر الخطاب من إدارته، وبكل هدوء قال له: يجرى تحقيق فوري مع المهندس الذي أرسل هذا الخطاب لأني أشم فيه رائحة أرفضها!
أنا في انتظار التحقيق بعد يومين.
إذن، فهناك رؤساء يعرفون أن في توقيع العقوبة على المخطئ إنصافا للناس جميعا، وإنصافا للعاملين الذين يؤدون واجبهم، وإرضاء لوجه الله.
بغير توقيع العقوبة لا أمل في إصلاح، وإن انهمرت على أرض مصر كل وسائل الخدمات الحضارية، وإن رئيسا لا يوقع العقوبة يسيء إلى مصر قدر ما يسيء العدو، وهو أشد على مستقبل مصر خطرا من كل عدو يتهددها أو يتآمر عليها.
ويل للإنسان من نفسه
في بعض الأحيان يسلط القدر الإنسان على نفسه، فيكون هو شر عدو يلاقيه، وشر أنواع العداء أن يعتقد الإنسان أنه قمة رفيعة باذخة، بينما لا يظن الناس به هذا الظن، حينئذ هو في دوار مخيف آخذ؛ لأن الحقيقة دائما واحدة، ولكنها عنده مزدوجة، هو يراها من ناحية، والناس جميعا يرونها من ناحية أخرى.
هو يرى أن كل تكريم أقل مما يستحق، والناس ترى أن كل تكريم له أكثر مما يستحق ... حينئذ يصاب هذا المسكين بنوع من الترفع يقضي على البقية الباقية له عند الناس، فإن كان كاتبا كتب ما لا يفهمه الناس؛ لأن الناس في رأيه غوغاء وسائمة، وعليهم هم أن يفهموا ما يكتبه وليس عليه أن يكتب ما يفهمون.
وإن كان تاجرا نظر إلى الزبائن في تكبر وترفع، فهم عنه هاربون، وهم من بضاعته نافرون، وإن كان يبيع لهم أنسام الحياة.
وهكذا سيكون أمره إن مررت به على كل مناحي العمل في الحياة، وهو شر ما يكون مع زوجته وأولاده.
صفحه نامشخص