ويبدو لي أن هذا الذي نشهده في مصر هو في أصله عادة مصرية قديمة لم تبارح المصريين من قبل ظهور الأديان، وأيا ما كان الأمر ، فإن كثيرا من الناس تجد في نفوسها طمأنينة وانشراحا في رحاب بيوت الله، وإلى جوار قوم أقل ما يقال فيهم أنهم كانوا في حياتهم يحسنون أن يعبدوا الله - جل جلاله - ولو لم يكرمهم الناس إلا لهذا لكان هذا حسبهم وحسب الناس.
متسولون على أرصفة الشهرة
بعض الشباب وجدوا في أيديهم أقلاما، ووجدوا أنفسهم في مجلات قبل أن ينضجهم الزمن وتتقدم بهم السن بعض الشيء، ونظروا إلى ما قدموه في ميدان الأدب فوجدوه هزيلا لا يقيم أديبا ولا شبهة أديب، ونظروا إلى داخل أنفسهم فلم يجدوا شيئا، فالماء الشحيح الذي قدموه في نهر الأدب هو كل ما كانوا يملكون، ولا يملكون غيره ليقدموه، وقد كانوا في بداية حياتهم يتوقون إلى الشهرة، وقد ظنوا أنهم بلغوها بكتاب يصدرونه أو كتابين، ولكن الشهرة أخلفت ظنهم وظلوا في بؤرة الجهل، الجهل منهم والجهل بهم، ونزلت عليهم أستار الضياع فلا هم كسبوا صنعة، ولا هم أصبحوا أدباء، ولا هم أصابوا شهرة - أي شهرة - مساكين هؤلاء الناس، لقد أقاموا دكاكينهم على أرصفة الشهرة، يشتمون كل شهير، ويحطمون كل التقاليد، ويحرقون كل كريم في حياتنا الأدبية، ويلهم لو أبصروا لوجدوا أنهم يشتمون أنفسهم لا المشاهير، ويحطمون كيانهم هم لا التقاليد، ويحرقون فلا يحرقون إلا البقية الباقية من إنسانيتهم!
مساكين هؤلاء الناس؛ سيظلون ينبحون على أمل أن يصبحوا كلابا شهيرة ما داموا قد فشلوا أن يصبحوا آدميين على شيء من المكانة، ومع ذلك، فالكلاب النابحة لا تصيب شهرة لأن كل الكلاب تستطيع أن تنبح.
خطاب من الدكتور وحيد رأفت
كتب الأستاذ الكبير الدكتور وحيد رأفت هذا الخطاب إلي، ويشرفني أن أضع الخطاب كما جاءني؛ فكاتبه أكبر من التعريف، وما يكتبه أكبر من التلخيص ومن التعليق أيضا.
3 أغسطس 1976
بعد التحية «استوقفت نظرتي في الأهرام، الثالث من أغسطس، كلمتكم المعادة إلى السيد وزير الحربية حول تجنيد الشباب بعد سن الثلاثين، وإشارتكم فيها إلى الرسائل التي انهالت على الأهرام من أسر مصرية عديدة تطالب بإعادة النظر في هذا الأمر، ولعلكم تذكرون أن قانون الخدمة العسكرية الإلزامية كان ينص في الأصل على انتهاء هذا الإلزام ببلوغ سن الثلاثين، ثم في تمديدها إلى الخامسة والثلاثين.
وهو تعديل غير حكيم وغير ضروري، أما عدم حكمته فلأن الشاب بعد الثلاثين وقد تقدمت به السن انشغل بمشاكل الحياة، فلن يكون أهلا لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية على وجه مرض كابن الثامنة عشر أو الخامسة والعشرين مثلا، وأما عدم ضرورة التعديل المذكور فلأن التجنيد ومعسكرات التدريب غير جادة، وترتب على ذلك أن جزءا كبيرا من هؤلاء المجندين إلزاميا أصبح لا يؤدي الخدمة إلا صوريا أو بصورة ناقصة لا تحقق الغرض المنشود من فرضها أصلا! كما توافقني على أن رفع سن التجنيد الإلزامي إلى الخامسة والثلاثين أدى إلى أن نفرا ليس بالقليل من أبنائنا ممن أتيحت لهم فرص السفر إلى الخارج قبل أداء الخدمة الإلزامية أصبحوا يتحرجون من العودة إلى الوطن قبل بلوغ الخامسة والثلاثين، حتى لا تلاحقهم الإدارات المعنية بتنظيم أعمال التجنيد، ومن بين هؤلاء المواطنين من أسعفه الحظ، أو ساعدته دراساته ومواهبه في العثور على عمل مجز يؤمن مستقبله، ومن بينهم من تزوج وأنجب، ولا يصح في الأذهان أن يرضى مثل هؤلاء عن طيب خاطر بالتضحية بوظائفهم وأعمالهم ومستقبلهم والانفصال عن زوجاتهم وأولادهم لغرض أداء الخدمة العسكرية والإلزامية في تلك السن، وربما لأجل غير مسمى قد يمتد لبضع سنين كما كان الحال فعلا في السنوات الأخيرة.
لذلك، فقد أحسنتم صنعا بتنبيه السيد وزير الحربية ومعاونيه إلى هذا الأمر الهام.»
صفحه نامشخص