شرق وغرب
الهدف الأخير
الخيميائي
سر الصداقة
مكان شاغر في حوار
أثر الفراشات
عصافير
في كل مرة
سيمفونية الغيب
حقيبتان
طماطم آدم
سباق
قطاف
ما ينقص اللعبة
أصوات
البحث عن زمن مفقوء
حر قارس
شهد ودموع
نقطة على الباء
فضيحة سارة
عيون خرساء
نصف العالم
حب على نبرة
صرخة أخيرة
ونهايات
قنطار وقاية
مرآتان لوجه واحد
ذكريات لزمن قادم
يد ثالثة
جولييت وروميو
من طرف واحد
شواهد وقبور
وطن
نقطة فاصلة
سفن نوح
سلم بدون نوتة
ربيع فرانكشتاين
الإحصاء سيد الأدلة
العبوة والذبابة
جدال الأرواح
ضمير مؤبد
منطق
خوف وخوف
ممالك وجمهوريات
أدوار البطولة
نظام السخام
قبل النشر
بعد الحداثة
شرق وغرب
الهدف الأخير
الخيميائي
سر الصداقة
مكان شاغر في حوار
أثر الفراشات
عصافير
في كل مرة
سيمفونية الغيب
حقيبتان
طماطم آدم
سباق
قطاف
ما ينقص اللعبة
أصوات
البحث عن زمن مفقوء
حر قارس
شهد ودموع
نقطة على الباء
فضيحة سارة
عيون خرساء
نصف العالم
حب على نبرة
صرخة أخيرة
ونهايات
قنطار وقاية
مرآتان لوجه واحد
ذكريات لزمن قادم
يد ثالثة
جولييت وروميو
من طرف واحد
شواهد وقبور
وطن
نقطة فاصلة
سفن نوح
سلم بدون نوتة
ربيع فرانكشتاين
الإحصاء سيد الأدلة
العبوة والذبابة
جدال الأرواح
ضمير مؤبد
منطق
خوف وخوف
ممالك وجمهوريات
أدوار البطولة
نظام السخام
قبل النشر
بعد الحداثة
خطوات في النهر نفسه
خطوات في النهر نفسه
تأليف
رياض حمادي
فوظيفة القصة ليست فيما تقدم إلينا، إنها في تكوين مشهد يبقى لغزا بالنسبة إلينا.
رولان بارت
المهم هو الكتابة، هو هذه الطريقة التي تصبح بها الكلمات والجمل أهم من الحكاية، شيئا خالصا، يمنحك إحساسا بجمال مجرد، لا مضمون له، أو هو مضمون نفسه.
محمد الأشعري
القراءة ليست مسألة اكتشاف لما يعنيه النص، إنما سيرورة اختبار لما يفعله بنا.
ستانلي فيش
شرق وغرب
حين تغمرك السعادة في نهاية منافسة خسرتها للتو يستغرب الفائزون. السعادة بالنسبة إليهم في الربح، وسعادتك أن تشترك في المنافسة. سعادتهم مؤقتة ومرتبطة بالنهاية، وسعادتك تستمر طوال المنافسة. سعادتهم في الحياة مرتبطة بهدف تنتهي بتحقيقه، وسعادتك أن تعيش الحياة كما تحب.
الحياة برمتها محاولة لتلخيصها في جملة مفيدة. أغلب الناس ينجحون في تلخيص تلك الجملة. الجملة المفيدة ليست تلك التي تنقل خبرا يفيد معنى فقط، كثير من الجمل المفيدة هي كذلك لأنها بدون معنى.
الهدف الأخير
تم تعيينه قصدا في مكتب الرقابة.
ولأنه ضرير،
طلب من المبدعين تسجيل أعمالهم صوتيا.
خلفه في المهمة مدير أصم،
أضاف قرارا آخر إلى سابقه.
الخيميائي
شاب يبحث في مكتبة عن كتاب.
اقترب منه عجوز وقال: «مؤكد أنك تبحث عن كتاب السعادة وستشتريه بأي ثمن. كتاب السعادة رخيص، لكنك لن تجده؛ لأنه لم يكتب بعد.» •••
التقط الشاب كتابا نال عدة جوائز وطبع منه ملايين النسخ، ومضى مبتسما، وقد خطرت له فكرة: «إذا لم تجد الكتاب الذي تبحث عنه،
فاكتبه.»
سر الصداقة
قال لي: «الصديق هو الشخص الذي تشاطره أسرارك.»
لم يكن لدي أسرار،
ولأني أخشى البقاء دون صديق أخبرته بسر.
حين أفشى لي بالكثير عرفت عدد أصدقائه.
عندما صادفت سري الوحيد ملقى وسط غرباء،
عرفت أني سأقضي حياتي وحيدا.
لكني تنفست الصعداء،
سري الوحيد، مثل صديقي، لم يكن حقيقيا.
مكان شاغر في حوار
وجد مكانا شاغرا بين اثنين في محطة انتظار.
أجبره موقعه على سماع حوار امتد لساعات.
لم يفهم شيئا،
فاتته كلمة واحدة لو أدركها لما فاته القطار.
أثر الفراشات
بعد انتهاء الصلاة في الجامع سأل المفتي: «ما حكم لمس الفراشة؟»
يعلم المفتي أن الحكم مرتبط بموقع الفراشة قبل لمسها. (صمت لعشر سنوات.)
التقاه مصادفة فسأله عن سر غيابه.
ناوله كتابا في علم الفراشات،
وانصرف إلى عمله في مركز بحوث الحشرات في الجامعة.
عصافير
إلى جوار إحدى لوحاته، وقف يحدث زوار المعرض:
أسميتها «العصافير الثلاثة».
لم يجد المستمعون أي أثر للعصافير.
كل ما رأوه شجرة خريفية في فصل شتاء.
في الموسم الثاني
وقف الرسام صامتا أمام لوحة بيضاء كتب عليها: «عصفوران يبحثان عن شجرة.»
في موسم ثالث
تنافس تجار الفنون على لوحة بيضاء،
رأى فيها نقاد الفن
ريش عصافير
قتلتها فرشاة رسام مات مجهولا.
في كل مرة
لم يكن بوسع تولستوي منع آنا كارنينا من رمي نفسها تحت عجلات القطار.
في كل مرة يسأله القراء وهم يذرفون الدموع: «لماذا لم تنقذها؟»
يجيب: «مثلما لا تستطيعون إنقاذها في كل مرة تعيدون قراءتها في الواقع.»
وحين ييأس من إقناعهم يجيب: «ما زالت آنا على قيد الحياة مع من تحب.»
فينصرفون إلى «وودي ألن» ليعيدها إلى الحياة مثلما بعث مدام بوفاري.
سيمفونية الغيب
لم ينس إبليس رهانه الخاسر على أيوب، فقرر أن يراهن على بيتهوفن.
لم يختلفا هذه المرة على النتيجة.
راهنا على أنه سيتوقف عن تأليف الموسيقى بعد إصابته بالصمم.
أبدع بيتهوفن سماء تاسعة.
أثناء استماعهما للسيمفونية لم ينزعجا كثيرا.
وحينما وقف الجمهور لتحية بيتهوفن بالتصفيق الشديد،
وإلقاء القبعات والمناديل في الهواء،
قالا بصوت واحد: «لو أننا أصبنا الجمهور بالصمم لكسبنا الرهان.»
حقيبتان
وقف في المطار حائرا، واستسلم أخيرا لحنين العودة.
لحظة وصوله وجد الماضي حاضرا في غبار المطار.
تحسس جواز سفره فلم يجده.
تذكر أنه وضعه في حقيبة نسيها هناك.
كان عليها أن تختار بين الماضي والمستقبل.
طماطم آدم
وهو ساهم ظنته نيوتن آخر يفكر في اكتشاف علمي جديد.
قطع حبل تفكيره سقوطها من الغصن وصعودها مرارا.
قال: «لم يعد في سقوطك أية جاذبية.» «ألم تلحظ صعودي؟!» قالت التفاحة.
لم يجبها.
واصل التفكير في ارتفاع أسعار الطماطم.
سباق
وجدت نفسي مستمتعا بالسير خلف عجوز تتوكأ على عصا وتسير ببطء شديد.
لاحظت سيري خلفها، فقالت: «لقد سبقتك، يمكنك أن تتخطاني لتصل إلى هدفك.»
عملت بنصيحتها ...
عندما وصلت ...
وجدت لوحة في محل بيع الأرانب مكتوبا عليها: «خذوا الحكمة من أقدام السلحفاة.»
قطاف
أيقظ أمه لتشاهده وهو يضع الطوبة الأخيرة في ركن البيت.
دعت له بالخير ولم تلحظ وجهه الذي لم تبد عليه آثار العمل.
فارقت الحياة وهي تلقي نظرة رضا على البيت الذي اكتمل بناؤه للتو،
ونظرة غضب على ابنها الآخر وهو يغط في نوم عميق.
لم تعلم أن الإجهاد منعه من وضع الطوبة الأخيرة.
ما ينقص اللعبة
يسخر من منظر العائدين وهم يلثمون أرض المطار بعد غياب عن أوطانهم. يقول لمن حوله وهم يلعبون لعبة الصورة المقطعة: «المطار الوحيد الذي يمكن أن أقبله هو مطار الهجرة لا مطار العودة.» يضع القطعة الأخيرة لتكتمل الصورة ثم يبعثرها من جديد، ويستكمل الحديث مع أبنائه: «ستجدون الكثير من التراب هناك. كلها تربة واحدة والقليل منها في قارورة لا يصلح لشيء ولا حتى للذكرى.» (بعد سنوات)
ما زال يشعر بشيء ناقص مع أن أهله وأسرته كلهم هنا، من تراب قواريرهم زرعوا نباتات وطنهم، ويطبخون أطباقهم الشعبية كلما اشتاقوا إليها. ثمة شيء ناقص لا يحن إليه لكنه يشعر بغيابه. حين يتحدث مع أبنائه عن ذلك الشيء يظنون أنه يحن للحديث بلغتهم الأم في الشوارع والمقاهي، وأحيانا يظنون أنه يعاني من ألزهايمر.
عاد إلى البيت ذات مساء فوجده مظلما لأول مرة منذ قدومهم إلى وطنهم الجديد. استغرب أن تكون الكهرباء قد انقطعت. •••
لحظة دخوله، اشتعلت الأضواء وعلت أصوات أفراد أسرته وضحكاتهم وهم يهنئونه بعيد ميلاده. شعر بفزع للحظة بسيطة لكنها كانت كافية لإكمال القطعة الناقصة من لعبة الوطن: الخوف. وسرعان ما استبدل تلك القطعة بابتسامة عريضة وهو يرى مستقبله حاملا هدايا الميلاد، ونسي أنه مطلوب في بقعة ما لينفذ فيه حكم لا يسقط بالتقادم؛ لأنه قبل أرضا إمبريالية.
أصوات
ترتيبات سرية للغاية لاعتقال جميع الديكة والعصافير وحشرات الليل والكلاب وأي حيوان أو طائر أو حشرة من شأنها أن تدل على الوقت.
أجريت دراسات علمية دقيقة لمعرفة المسافة التي يمكن أن يبلغها كل صوت، وعلى سبيل الاحتياط تم بناء سور على بعد عشرة كيلومترات، ولمزيد من الاحتياطات صممت جدران الزنزانات تصميما خاصا. وصار بإمكانه الترشح للانتخابات. •••
في فترة حكمه بالبدلة العسكرية كان قتل المعارضين أقل كلفة من بناء سور حول معتقل. هذا ما حدث به مستشاريه، وأضاف: «فاتورة الديمقراطية باهظة الثمن، من تفصيل ملابس مدنية إلى صنع صناديق اقتراع شفافة ، إلى زنزانات إلكترونية.»
بعد يوم واحد قضوه وهم لا يسمعون أصواتهم، أصبح صمتهم دليل رضا، والصورة المعلقة على كل جدار صارت دليلا إضافيا.
البحث عن زمن مفقوء
«المحن لا تقربنا من الله أكثر.» تحدث نفسك.
مقدار الألم ونوعه يضعانك أمام خيارين: الحياة أو الموت. وحين يبلغ الألم درجات لا تطاق، تفضل الموت؛ فحياتك بعد هذه التجربة النفسية المؤلمة لن تضيف إليك شيئا. قد تلجأ إلى الله ليخلصك من الألم بالموت، والأرجح أن طلب الموت هو تعبير عن حالة يأس فقدت معه أي أمل في وجود حياة أخرى.
التقرب إلى الله ليخلصك مما أنت فيه من آلام بالشفاء هو دليل أمل في الحياة. ربما تطلبها لكي تستأنف أو تنهي شيئا أو أشياء لم تتممها. أحيانا يكون ذلك الشيء كلمة مفقودة في حوار سيؤدي غيابها إلى سوء فهم، فتتعلق بالحياة كي لا تموت وهناك من يسيء فهمك. •••
وحده السجين في زنزانة مظلمة يبحث عن الله في حبل وريده، وكلما زادت السنوات حلكة تعلو صورة الله حتى تختفي تماما، فيصبح البحث عن شفرة حلاقة أولوية مقدمة على البحث عن إله، وحين يعثر عليها تصير الشفرة إلها؛ يقربها من حبل وريده فيتدفق الدم كقربان. ينظر السجين إلى نور روحه وهي تصعد عاليا، مصباحا، زجاجة، كوكبا دريا، ونورا على نور. وحين يفتحون باب زنزانته يتدفق ضوء ساطع ولا يجدونه.
الإضراب عن الطعام قد يكون سلاحا للخروج إلى الحياة أو خلاصا من رائحة البراز المتراكم في زنزانتك. حين لا تجد الشفرة يصير الامتناع عن الطعام إلهك الجديد. •••
سيبحثون عنك في شقوق الجدران، في كومة الطعام المتراكم، في بقايا برازك، في الديدان السمينة، في نقاط متخثرة على الأرض، في فئران متخمة لم تعد قادرة على الخروج من الشق الذي يدخل منه صحن الطعام. حين يعجزون عن العثور عليك، سينظفون الزنزانة ويدخلون آخر يحمل الرقم نفسه.
حر قارس
في طريقه إلى البيت مساء يمر ببقالة ليشتري علبة حليب.
الجو شديد الحرارة والكهرباء مقطوعة.
يشرب نصف العلبة ويحتفظ بما تبقى حتى الصباح.
هو رجل مؤمن لا يسأل الله شيئا إلا أجابه،
لكنه لا يطلب أشياء كثيرة.
يدعوه بليلة باردة كي لا يفسد الحليب.
تهبط درجة الحرارة فينام تحت بطانية ثقيلة.
في الصباح يحدث الناس عن معجزات الدعاء،
فيحدثونه عن موت متشرد وبضعة أطفال؛
بسبب البرد القارس.
شهد ودموع
كلمات الحب قد تبني عمارة الروح، لكن البناء سيكون آيلا للسقوط في أية لحظة. يمكن للكلمات أن تحيل الوهم حقيقة، لكنها حقيقة لحظية تزول بانتهاء النزوة. لعلنا الآن ندرك لماذا يصاب المحبون بالخرس؟ ولماذا يكون الصمت طبيعة ملازمة للحب الحقيقي الذي يبحث لنفسه عن لغة معبرة أكثر من الكلام؟
نقطة على الباء
حين تعرفت عليها لم تكن تعرف القراءة والكتابة.
علمتها أول كلمة ... لكنها تترك باءها بلا نقطة.
أقول لها: «ضعي النقطة تحت الباء.»
فتقول: «حبنا يحتاج لوضع النقاط على الحروف لا تحتها.»
في فترة خصامنا تركت لها كتاب «في مديح الجاهلية»،
لتعرف أن الحب يمكن أن يعيش بدون نقاط أو حركات.
حين عدت،
وجدتها تعلم شابا الكتابة،
وكيف يضع النقاط على الحروف.
فضيحة سارة
سمع الخبر وانطلق ليقهر قلب صديقه: «زوجتك بصحبة أحدهم على الشاطئ.»
أطلق الزوج زفرة وابتسم وهو يقول: «آه! كم أغبطها على الخروج من هذا الجو الكئيب.»
ثم نادى سارة لتستعد لنزهة على الشاطئ.
عيون خرساء
عندما يخبر رجل امرأة قبيحة بأنه يحبها، تصدقه.
وهذا ما لا تفعله امرأة فاتنة،
حيث كل الرجال يصدقونها القول بالعبارة نفسها.
وحين تقع في حب أحدهم لا تصغي له، بل لقلبها.
لكنها لا تصدقه، لاحتمال أن يكون ضحية ممثل،
فتود لو أنها امرأة قبيحة؛
لتصدق ما يقوله لها قلبها الأصم،
ولو لمرة واحدة في العمر. ••• (امرأة عادية تحدث نفسها في عيادة تجميل.)
نصف العالم
حجابها الذي يخفي وجهها وجسدها المثير أكثر شيء تمقته.
عبرت لي عن خوفها من الدود الذي سيلتهم جمالها في الأخير.
قبلتها وقلت لها: «أنا دودك ...»
قالت وهي تكشف جسدها حتى السرة: «حزينة لأن العالم لن يشاهد هذه الفتنة.»
شعرت بحزن أكبر.
ظنت أنني أشاركها حزنها فاحتضنتني وهمست: «التهمني.»
أردت أن أقول لها: «اعتقدت أنني في نظرك كل العالم.»
حب على نبرة
أحبها من أول كلمة نطقتها.
أحبته لأنه علمها كيف تكتبها بشكل صحيح.
بعد زواجهما عادت لأخطائها الإملائية.
صرخة أخيرة
أخذ حصته من الدموع، لكن حزنهما لم يتوقف.
كل موت يولد معه مقدار من الدموع يناسب مكانة الراحل، إلا الأبناء، يولد معهم قدر متساو من السعادة والدموع. يمنحوننا السعادة في حياتهم، وحين يرحلون مبكرا يأخذون مقدارها من الدمع وأكثر.
قال الأب: «ماذا نسميه؟» - «اسمه الذي اخترناه وهو جنين.» - «تقصدين قبل أن يموت.»
نشجت الأم ولم تجب.
كانا بحاجة لاسم ليذكرهما بطفلهما الذي ولد ولم يصرخ صرخته الأولى.
ونهايات
في كل ليلة تحاول الأم إكمال قصة البارحة التي نام في منتصفها،
لكنه يفضل سماعها من البداية.
يتحجج بنسيان تفاصيلها ويضيف متدللا: «حكايتك دائما طازجة يا أمي، كأني أسمعها لأول مرة.»
تروي الأم الحكاية نفسها ببدايات مختلفة.
صارت تحفظها مع أنها اخترعتها في أول مساء قبل ثلاث سنوات.
ولأن طفلها ينام في منتصف القصة، لم تفكر في نهاية محددة.
بعد موته ظلت تجلس على سريره كل مساء في التوقيت نفسه،
تحكي الحكاية من بدايتها حتى نهايتها،
وفي كل مرة تبتكر نهاية جديدة سعيدة. •••
ومن مكانه في بعد آخر يرى أمه وهي تبكي.
قنطار وقاية
يتنهدان عند وضع الواقي ويفكران:
لو اخترع قبل ولادتنا لما كنا هنا
على هذا السرير
نمارس الجنس
مع من نحب،
لكننا نكره إنجاب طفل
يتنهد
كلما وضع الواقي ...
مرآتان لوجه واحد
حدق في الشاب العشريني.
رأى نفسه يقف قبالة مرآة قبل عشرين عاما.
تذكر كيف تخلى حينها عن حبيبته منكرا علاقته بها ومدعيا علاقاتها بغيره. «أنا أبوك.» قال للشاب الواقف أمامه. - «يخلق من الشبه أربعين.»
رد الشاب وانصرف قبل أن ينهي تسريح شعره.
ذكريات لزمن قادم
2098 «لو لم أوقفه في منتصف الطريق، لكان الآن على قيد الحياة.»
تتمتم وتحبس بولها لنهار كامل، ثم تتذكر ذلك النهار.
2090
وهما في الطريق إلى المختبر، طلبت من حبيبها إيقاف السيارة.
ابتعدت بضع خطوات.
وهي تقضي حاجتها، وتأمل أن تكون النتيجة سلبية،
سمعت صوت ارتطام.
2098
يسألها طفلها عن أبيه، تتأمله وتتمتم: «لو لم أوقفه ... لما أتيت إلى الوجود.»
2090
نوت عند عودتها إلى السيارة أن تصارحه بعدم رغبتها في الإنجاب.
وجدته أشلاء.
أخذت قطعة منه وواصلت الطريق إلى المختبر.
في انتظار نتيجة فحص البول تمنت أن تكون إيجابية.
عندما ظهرت النتيجة مطابقة لأمنيتها الأولى، شعرت بالحزن.
لم تفقد الأمل.
أمسكت بالقطعة واتجهت إلى مختبر من نوع آخر ...
2118
صار في عمر أبيه ونسخة طبق الأصل منه.
أخذته إلى منتصف الطريق،
قالت ما لم تنو قوله قبل سنوات: «أريد طفلا يشبهك
لأحبه أكثر منك.»
يد ثالثة
لقد تقدم الطب كثيرا ...
أخبرها وهو يفكر بيد ثالثة تم استئصالها قبل سنوات وما زال أثرها بارزا على كتفه.
أمسك باليمنى دفترا، وباليسرى أخذ يكتب تقريرا عن مأساتها لينشر في الصحف والقنوات العالمية، وقد يتحول إلى كتاب وفيلم عالمي يدر الكثير من الدموع والأموال ...
ينقصه يد ثالثة لتمسح دموعها اليابسة. «... وعمليات زراعة بكارة أصبحت سهلة للغاية.»
ختم حديثه وتقريره ومضى،
وفي عينيها خاتمة أفضل لم يدونها: «وماذا عن ترقيع الروح!»
جولييت وروميو
«لو أنهما بقيا على قيد الحياة لكان حبهما قد تلاشى في أول سنة زواج.» هذا ما يقوله دائما لأصدقائه من شلة الفاشلين في الحب عند الحديث عن روميو وجولييت، وعن الحب الناجح من وجهة نظره. ويضيف: «عندما يقرر رجل الرحيل في منتصف قصة غرام (مدعيا أنه يفعل ذلك) من أجل سعادة من يحب، يضمن خلوده في قلبها. وبينما هي تفكر فيه، يبني هو مستعمرات عشق في قلوب نساء يسجل في قلوبهن: «أحبك»، وفي ذاكرتهن: «وداعا».»
يدعي أنه حقق ما لم يستطعه روميو:
قصص حب خالدة في قلوب كثيرات ...
لم يخبرهم أن في قلبه جولييت واحدة، هجرته؛
لأنها تؤمن بأن أجمل قصص الحب تلك التي لا تكتمل.
من طرف واحد
تعيد على مسامعه: «أي جزء من عبارة «لا أحبك» لم تفهمه؟»
يأتي رده مكررا: «لا.»
شواهد وقبور
قصص الضحايا لا تصدق أحيانا؛ لأن الحقيقة لا تقوى على الصمود أمام الفظائع المرتكبة في حقهم؛ لذلك يلجأ الشهود على وحشية الإنسان إلى الكذب. القليل من الكذب يكون ضروريا، لا بقصد تجميل الحقيقة ولا تشويهها، بل لطمس بعض معالم بشاعتها كي لا تصبح مألوفة في أنظار الأبرياء.
كلما كبرت المأساة ازداد اللسان خرسا.
وطن
يحسب نفسه ذكيا، مع أنه لم يختبر ذكاءه بمعايير اختبارات الذكاء المعروفة. منزله مضاء، إضاءة خافتة ومتغيرة لتعطي انطباعا بوجودهم في البيت. وعلى قرص مدمج تدور أحداث يوم كامل مع برنامج يقوم بتغيير الأحداث بين فترة وأخرى. إذا قرع الجرس فسيرد صوت من الداخل، وإن حاول لص كسر باب أو نافذة، فسيعمل جهاز الإنذار. ويمكن من خلال الإنترنت مراقبة كل ما يدور في البيت، وحين تنطفئ الكهرباء يعمل المولد أوتوماتيكيا. كل شيء مدروس بدقة. هكذا اعتقد وهو يتأمل منزله قبل السفر لقضاء إجازة الصيف. •••
من مكانه البعيد كان يستطيع سماع جهاز الإنذار كلما ارتطمت شظية بباب أو نافذة. طالت الحرب وعلق هناك مع أسرته. ثم انقطعت الكهرباء إلا من ساعة في اليوم تمنحه فرصة مشاهدة منزله ومحتوياته التي أخذت تختفي شيئا فشيئا. وقبل انقطاع الكهرباء نهائيا، شاهد منزله وهو خاو تماما. بعدها أصبحت الشاشة سوداء، مثل الحياة. •••
بعد أن سرق تجار الحرب محتويات منزله ودمره القصف، فقد الأمل في العودة فطلب حق اللجوء. «وبيتنا الذكي يا أبي؟!» قال أحد أبنائه. - «وما نفع المنزل الذكي في وطن غبي يا بني.
أن تعيش في بيت غبي بسلام خير من أن تعيش في قصر ذكي تحيط به الأسلحة من كل مكان.»
لم يعد بحاجة لاختبار ذكاء، علمته الأحداث أن السلطة هي أفضل اختبار لذكاء أو غباء من يمتلكها أو من يريد الوصول إليها.
نقطة فاصلة
تعلمت الذبابة القراءة، فحذفت نقطة.
التلاميذ الذين فروا كحشرات،
استعانوا بمضاد الدبابات.
وبعد معرفتهم قوة الأسلحة،
تركوا سلاح المعرفة. •••
من يومها والمدارس توزع شهادات
على مجندين لا يجيدون القراءة؛
خوفا من حذف نقاط أخرى.
سفن نوح
أول دار أيتام بناها شيخ يعلم الأطفال في المساجد.
وفي بلد لم يكن فيه أيتام شبهه البعض بنوح. •••
عندما نشبت الحرب،
أخذ الشيخ يغوي الفقراء بالمال؛
لتكتمل زينة الحياة الدنيا. •••
امتلأت ساحات المعارك بجثث الآباء،
وازدحمت ساحات الدور بنواح أطفالهم. ••• (وما زال نوح يبني المزيد من دور الأيتام.)
سلم بدون نوتة
لم يبق سوى جنديين.
أحدهما مصوب سلاحه تجاه آخر انتهت ذخيرته. - «لا تقتلني.» - «لماذا؟» - «ما زال هناك موسيقى لم أسمعها،
وأفلام سينما لم أشاهدها،
وأطنان من كتب لم أقرأها.» •••
أثناء الهدنة الموسيقية قرآ كتابا وشاهدا فيلما.
عادا إلى بلدهما وهما يدندنان بلحن ... •••
وفي الجانب الآخر من فانتازيا الحرب
ثمة أخ قتيل، وآخر ينتظر ...
ربيع فرانكشتاين
شاهدت منشورا بلغة أجنبية في صفحة أحد أصدقائها البعيدين.
نقرت على «خيار الترجمة» وقرأت: «لم تتحقق نبوءة تحول العالم إلى قرية صغيرة،
ما زال هناك عوائق كثيرة تحول دون انتقالنا في المكان.»
سمعت دوي انفجار بالقرب فأغلقت طالبة الطب كمبيوترها المحمول وتوجهت إلى الشارع.
ساعدها شخص في نقل جثة أخرى إلى شقتها.
شكرته ومضى دون أخذ مقابل مكتفيا بعبارة يكررها في مواقف مماثلة: «الدنيا لسه بخير.»
وهي تهم بتشريح الجثة، خطر لها تعليق تكتبه على منشور صديقها.
فتحت موبايلها وكتبت: «أصبح العالم قرية صغيرة جدا.
في السابق عانى طالب الطب كثيرا ليعثر على جمجمة أو ذراع. اليوم، نحصل بسهولة على جثث كثيرة تقتل بأسلحة لا يعوق انتقالها في المكان شيء.»
الإحصاء سيد الأدلة
ثم يذهب إلى قاضي التحقيق ليعترف بأنه الفاعل.
حين لا يعثرون على الجثث ولا على أدوات الجريمة،
يطلق سراحه. •••
لئلا يتهم بإزعاج السلطات،
لم يعد يذهب للاعتراف. •••
تتحقق السلطات من أقواله
بإجراء إحصاء لعدد السكان.
العبوة والذبابة
أمام قاضي التحقيق، قال مدافعا عن ابنه: «ابني لا يستطيع قتل ذبابة.»
تصديقا لقول الأب، همهم الحاضرون ...
رد المحقق، وهو يختم على الملف بيد ويهش ذبابة بالأخرى: «قتل ذبابة لا يحتاج لعبوة ناسفة.»
جدال الأرواح
أخبرتني وهي تلهث: «الله يحبني ...
نزلت من الحافلة قبل دقيقتين من انفجارها.» •••
هنأتها بالسلامة. •••
بينما ثلاثون روحا
تتجادل حول معنى الكراهية والحب الإلهي.
ضمير مؤبد
صوب القاضي نظره على عيني القاتل وسأله: «أتشعر بالذنب لقتلك كل هؤلاء الأبرياء؟»
أجاب القاتل: «نعم.»
أطلق القاضي حكمه: «حكمت المحكمة على القاتل بتأنيب الضمير لمدة سنة.»
وأضاف مخاطبا القاتل: «لا تقتل أحدا خلال هذه الفترة،
وإلا حكمت عليك بالمؤبد.»
منطق
دون حاجة لنداء، يكون أول المتبرعين ...
يذكر جيدا عدد المرات القانية التي تبرع فيها ...
ولا يتذكر عدد العمليات الإرهابية التي نفذها وخطط لها. ••• «الحسنات يذهبن السيئات.»
يتمتم وهو ممدد على سرير نقل الدم.
خوف وخوف
أعلنت السلطات 20 مليونا جائزة لمن يقبض عليه حيا أو ميتا.
رفع الابن عينيه عن شاشة التليفزيون، وقال لأبيه: «يشبهك قليلا.»
فكر الأب في المبلغ الذي سينتشلهم من الفقر ويرفعهم إلى صفوة المجتمع.
استدان مبلغا وعمل العملية.
بعد وقت من تسليم نفسه أعادوه إلى البيت خائبا،
وخائفا من الدائنين وألا تتعرف عليه أسرته.
ممالك وجمهوريات
فكر ثائر وهو يحرك الضابط مهددا الملك: «ما أسهل التخلص من الملوك على رقعة الشطرنج!»
ثم خاطب شريكه في اللعب: «في لعبة الشطرنج نعرف جيدا مصير الملك.»
رد عليه: «لو أن الحياة لعبة شطرنج، لكان التخلص من الطغاة سهلا.»
رد ثائر وهو يخرج من الفخ الذي رسمه له: «الحياة لعبة شطرنج بالفعل، يسقط طاغية ويصعد آخر.
الفرق أن ملك الشطرنج لا يتغير.» •••
علت وجه شريكه ابتسامة ظافرة بالرغم من خسارته وقال: «وظيفة الشطرنج إسقاط الملوك لا إقامة الجمهوريات.»
تبادلا الملكين واستأنفا اللعب ...
نظر إلى قلعة خصمه في الميمنة، وبينما هو يحسب ثلاث نقلات سلفا، أخذ يفكر في كمين مختلف ينتقم به لخسائره، وبصوت واثق من الفوز قال: «يقضي لاعبو الشطرنج الكثير من الوقت في التخطيط
للحفاظ على ملوكهم.» •••
أراد ثائر أن يرد: «لو أن الثوار يخططون للثورة مثل جاري كاسباروف لنجحت الثورة.»
بدلا من ذلك أخذ يتأمل رقعة الشطرنج كقائد يمعن في خريطة معركة.
مزهوا للمرة الأخيرة قال: «كش ملك.»
ولم تفارق الابتسامة وجه شريكه. •••
في طريقه إلى بيته، تم القبض على ثائر بتهم التخطيط لانقلاب،
وزعزعة أركان الحكم، والإخلال بالنظام.
أدوار البطولة
وهكذا اختفى البطل في بداية القصة ليلقن الجمهور درسا عن استحالة إنهاء الحكاية بدونه، لكن الجمهور خيب ظنه فلم يغادر المسرح، وبقي ليشاهد كيف لقصة أن تستمر بدون بطل.
أثناء سير الأحداث، ظهر أناس عاديون أثبتوا أن الأدوار الثانوية لا تقل أهمية عن دور البطل الرئيس. ولأن أحداث القصة تتطلب بطولة جماعية، اكتشفوا إمكانية الاستغناء عن بطل واحد، لكن لا يمكن الاستغناء عن بقية الأبطال.
الاكتشاف الأكبر إدراكهم أن البطل لم يكن بطلا، فكيف لبطل أن يترك القصة وهي في بدايتها ويرحل!
في النهاية ختم الأبطال المسرحية بالعبارة التالية: «البطولة هي أن تكمل الدور المطلوب منك كما يجب، وتترك الحكم للآخرين.»
نظام السخام
منذ زمن طويل والشعوب تغلي
حتى تبخرت.
وما زال النظام قائما كسخام
لا يعيش إلا على الحرائق.
قبل النشر
سأل روزا عن أسهل طريقة للانتحار. باغتها سؤاله لكنها ردت: «مارلين مونرو.»
يعملان في مستشفى، هي طبيبة وهو موظف استقبال. تعرف أن صديقها المراهق عاشق لملكة الإغراء التي اتخذت حبوب المنوم جسرا للعبور إلى العالم الآخر.
بعد سنة من التردد قرر التنفيذ. سحق حبوب المنوم جيدا ليتفادى خطأ فيرونيكا التي علمها باولو كويلو درس الحياة من خلال الموت.
وهو يهم بشرب المحلول تذكر فيرجينيا وولف. تساءل: لماذا لم تتخذ حبوب المنوم طريقا إلى الضفة الأخرى وفضلت أن تثقل جيوب معطفها بالحجارة وتغرق في النهر؟! ثارت في ذهنه أسئلة كثيرة لا يعرف إجاباتها، فقال في نفسه: من العار أن أموت جاهلا ومجهولا. •••
أجل الفكرة حتى يعرف معنى الموت والحياة والروح والجسد، وغيرها من المسائل الغامضة. وضع المحلول على أحد الرفوف الكثيرة الخاوية، واشترى كتبا ملأ بها تلك الرفوف، وفي أول كتاب قرأ: «يموت مبكرا من لا يملك أسئلة. ومن يختار «الموت المعقول»، بتعبير نيتشه، لا يفكر في أسهل الطرق لتحقيقه، وإلا لما اختار اليابانيون أبشعها وأشدها إيلاما.» •••
يمد يده لأحد الرفوف فتقع في كل مرة على كتاب جديد يؤكد أن الموت «خبط عشواء» يمكن تفاديه بقراءة تجعل الحياة موسيقى لا تفهم لغتها بقدر ما يهم الاستمتاع بها. ومن قراءاته الكثيرة خلص إلى عبارة وضعها على سطح مكتبه: «يمكن لسؤال واحد أن يبقي الموت بعيدا عنك، حين لا تنشغل بالبحث عن الإجابة، بل بالبحث عن السؤال.» •••
أنهى الكاتب قصته وسماها «السؤال الكبير». نقر على زر «إرسال»، ثم شرب جرعة من كوب شاي بارد. تمطى على كرسيه وهو يمرر يده بين شعره الذي غزاه الشيب، مفكرا في سنواته المطرزة بالأسئلة. فكر في سيلفيا بلاث، وآن سكستون، وإنجريد جونكر، وأروى صالح، وبقية صديقاته وأصدقائه في قائمة الخالدين.
رفع بصره إلى رفوف المكتبة الخالية إلا من مسحوق مر احتفظ به ليذكره بمذاق الحياة. فتح كمبيوتره المحمول، اختار مجلد الروايات العالمية، وأعاد قراءة «كيف أصبحت ذكيا» لصديقه مارتن باج.
بعد الحداثة
لم يعبر الكاتب عن غضبه وهو يرى نصه مهترئا بين يدي الرقيب.
يحفظ ردوده عن ظهر قلب: «القراءة ليست مسألة اكتشاف لما يعنيه النص، إنما سيرورة اختبار لما يفعله بنا.»
يصمت الكاتب مستعيدا أيام الضرير والأصم.
ينظر الرقيب إلى الصفحة ويقرأ: «المهم هو الكتابة، هو هذه الطريقة التي تصبح بها الكلمات والجمل أهم من الحكاية، شيئا خالصا، يمنحك إحساسا بجمال مجرد، لا مضمون له، أو هو مضمون نفسه. هل تفهم ذلك؟»
يغادر الكاتب قبل أن يقرأ الرقيب اقتباسا عن رولان بارت.
صفحه نامشخص