والعلم والحكمة؛ لا ينموان مع المعصية، والجهل والحيرة؛ لا يقيمان مع الطاعة، ومن وفق أمن من الزلل، ومن خذل لم يتم له عمل، ولم يبلغ ساعة من الأمل، ومن قوي ناظر(1) قلبه؛ لم يضره ضعف بصره، قال الله تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] .
ومن نظر إلى نفسه بغير ما هو فيه؛ أمكن الناس من الطعن عليه، ودواء العي قلة الكلام، ودواء الجهل التعلم، ودواء الخوف من عذاب الله؛ العمل بطاعة الله، والترك لمعاصيه، وحسن الأوبة إليه عز وجل. ومن رغب في الله اتصل به، وانقطع على الحقيقة إليه، ومن لم يهتد إلى أفضل العبادة وأسناها؛ فليقصد إلى مخالفة النفس في هواها.
والعلم مصباح في صدور العلماء، زينته الورع، وذباله(2) الزهد في الدنيا، ولا يصلح الورع إلا لمن صلح له الزهد في الدنيا، والورع والمكالبة على الدنيا لا يجتمعان أبدا، كما لا يجتمع في إناء واحد النار والماء، ومن اشتدت رغبته في الدنيا طلب لنفسه التأويلات الكاذبات، ومن طلب لنفسه التأويلات الكاذبات تقحم بلا شك في المهلكات، و(من تقحم في المهلكات)(3) كان عندالله من أهل الخطيئات.
وصاحب الدنيا الراغب فيها كالحسود؛ لا يستريح قلبه من الغم أيدا، ولا يخلو فكره من الهم أصلا، ولو أعطي منها كل العطاء. والحلم مع الصبر، ولا حلم لمن لا صبر له.
وعروق الحمكة التي تصرب في الصدور هي طاعة الله، ولا تثبت الحكمة إلا في صدر مطيع لله عز وجل، ومن عدم الطاعة لله عدم الحكمة، ومن عدم الحكمة عدم النعمة، والحكمة كالشجرة؛ عروقها الطاعة، وثمرها(4) البلاغة. وأصل البر اللطف، وفرعه النصفة، وأصل العقوق قلة النصفة، وفرعه الجفا، وأصل الحمق قلة العقل، وفرعه العجب بالنفس(5).
صفحه ۶۹۱