في متعلق نبوتهم وإمامتهم فمن سلك جادة الانصاف علم أن الشارع أولي وأحرى بمراعاة الحكمة في رفع التعب ودفع الاشتباه عن رعيته والمعتنين باتباع امره وسماع كلمته بوضع ألفاظ مبتدئة حين البناء على اظهار الشريعة بكل ما يكثر دورانه من حج أو صلاة أو صوم أو زكاة أو نبوة أو امامة أو قضاء أو خطبة أو حكومة أو ايمان أو اسلام أو كفر ونحوها وكيف يخطر في البال أو يجري في الخيال ان الشارع مع زيادة سفقته وكثرة لطفه بالرعية وشدة عنايته ونهاية حكمته لا يلحظ ما يلحظه التاجر في تجارته والصانع في صناعته فثبوت الحقيقة الشرعية الدخول في الأوضاع الابتدائية غني عن الاستدلال غير محتاج إلى القيل والقال وفي الرجوع إلى حال السالفين من الأنبياء والى ما تضمنه الكتب المنزلة من السماء وكيفية استدلال الأئمة بكلاماتها وكلماتهم وفهم الاحكام من عباراتها وعباراتهم كفاية لمن نظر وتفكر وتدبر لوحدة الطريق وعدم الفرق بين المقامين على التحقيق ويكفى في اثبات هذا المطلب تكررها في الكتاب والسنة بحيث لا يحيط بها عدو لا تنتهي إلى حد (أحد) مع الخلو عن القرائن ومقبولية ذلك في الطبايع ولو كانت لنقلت في الاخبار لضرورة الاحتياج إليها وانصراف الذهن إليها من حيث ذاتها عند الاطلاق وكثرتها بهذا الحد يعني في اثبات كونها حقيقة واحتجاج الأئمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المشتملة عليها واستدلال الصحابة وجميع الأصحاب كذلك من غير ضم قرينة مع عدم معارضة الخصم لهم أبين شاهد على ما قلناه مع أن المسألة من الموضوعات ومطلق الظن كاف فيها وان لم يثبت الأصل لكن يترتب عليه العمل كما في أحوال الرجال ونحوها ويكفي في ثبوتها حكم بعض أهل اللسان كما في ساير اللغات وشهادة النافي غير مسموعة وفي الاجماع محصلا ومنقولا من عدة جماعة من الأعيان ما يغني عن البيان ومقتضى أكثر الأدلة انها موضوعة بالوضع الابتدائي دون الهجري كما مر بيانه سابقا على أن الهجر يوجب على المستدل بيان التاريخ ولم يذكر ذلك أصلا مع أنه مع التعويل على احتمال الهجر يتمشى مثله في كثير من ألفاظ اللغة فالقول به كالقول بالبقاء على المعاني اللغوية أو بأنها في زمن النبي صلى الله عليه وآله معان مجازية وانما صارت حقايق في أواسط أزمنة الأئمة أو أواخرها بالهجر حري بالهجر ثم على القول بمجازية هذه المعاني لابد من تقديمها على غيرها من المجازات للاجماع على ذلك من غير نكير ثم لو لم يثبت الوضع ثبت وجوب الحمل كما في كثير من الألفاظ التي جعل الشارع حكمها حكم الأسباب من غير اقتضاء دلالة الخطاب البحث الثالث في أن مقتضى القاعدة في التخاطب حمل كلام المتكلم في مكالمته أو المرسل في رسالته أو الكاتب في كتابته على مصطلحه وعلى ما وضع له في لغته اي عرفه العام أو الخاص في جميع اخباره واحكامه دون المخاطب في باب المخاطبة أو المرسل إليه في باب الرسالة أو المكتوب إليه في باب الكتابة ويجرى نحوه في الترجيح في موضوع الكلام في الخطاب ورسم الكتاب فيجري الانسان في جميع أقواله كافعاله على عادته وطريقته وذلك ظاهر فيما يتعلق بنفسه واما ما يتعلق بغيره فلا يفعل ولا يتكلم الا بما يترتب عليه غرض الغير أو فهمه فان جامع حصول الغرض البقاء على العادة لم يعدل عن عادته والا عدل عنها لمقتضى الحكمة والسلامة عن السفه فمن القى إلى شخص خطابا وكان مخالفا له في اللسان ان علم أو شك في عدم فهمه كلمة بلسانه ولم يتجسم ان يزجم (يزحم) له بعد المخاطبة بما لا يفهمه ولو مع الاحتمال ويجزي ذلك في السامعين له المطلوب أفهامهم ومن يصل إليهم الخطاب وان علم فهمه إما لجامعيته بين الموافق والمخالف أو لأنه يفهم الخطاب ولا يستطيع رد الجواب بقى استثناء الخطاب على عادته وان يلحظ مصطلح المخاطب ولا مكان التخاطب ولا من يسمع الخطاب ولذلك لا ترى في الاخبار النبوية والامامية ما يشتمل على غير العربية لان من يتردد من العجم إلى الأئمة عليهم السلام ليس الا من العلماء والعارفين وهم يفهمون لسان العرب فإذا وردت علينا رواية خوطب بها من لم يكن موافقا باللسان وجهلنا المقام بنيناها على مصطلح الإمام عليه السلام الا ان تقوم قرينة على إرادة المخاطب قرائن تدل على مراعاة المخاطب والبلد أو السامعين ولا تنتقض هذه القاعدة الا بحكم الشارع بطرح مدلولها واخراجها عن مفادها وتنزيلها على غيره فتكون من قبيل الأسباب لا من مقتضيات الخطاب كحكمه بتنزيل الوصية بالجزء على العشر أو السبع والسهم على الثمن أو السدس على اختلاف القولين في المقامين ويقوى رجحان الأولين ولولا حكم الشارع بالتنزيل لا غنى في العمل بالوصية الاتيان بأقل القليل ولا يتسرى الحكم إلى النذر وشبهها ولا الاذن والتوكيل وكحكمه بان من نذر ان يتصدق بمال كثير يزل (ينزل) الكثير في نذره على الثمانين وبان من نذر ان يعتق كل مملوك قديم ينزل القديم في نذره على من مضى في ملكيته ستة أشهر فصاعدا وبان من نذر صوم زمان وأطلق نزل على خمسة أشهر أو ستة أشهر ويقتصر على خصوص النذر بالتصدق بالمال والصوم في زمان وبالاعتاق للمملوك أو الوصية بالمتعلقات المخصوصة ولا تغنى الترجمة فيها وفي وصف الكثرة والقدم بالعربية لا بغيرها اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ويقرب من ذلك ما إذا نذر التصدق بجميع ماله ولا يسعه دفع الجميع فإنه ينزل على التصدق بالتدريج حكما ويشبه ما ذكرنا تنزيل سكوت البكر على الرضا مع كونه أعم منه وتنزيل اطلاق المهر على مهر السنة خمس مائة درهم ولا يبعد الحاق بيع جلد المصحف وورقه مثلا ووصية المرتد عن فطرة قبل الارتداد بما يصنع له بعد الموت في الصنيع له حيا والنيابة عنه فيما يناب به عن الأموات ولو كان من خصايص المسلم لان كفره موته وقد أوصى قبله به وكما يجرى في الأقوال يجرى في الادراك والافعال بالنسبة إلى الحكم الواقعي أو الظاهري البحث الرابع
صفحه ۲۱