القول على الاعتقادات والآراء؛ وذلك نحو قولك: فلان يقول بقول أبي حنيفة، ويذهب إلى قول مالك ونحو ذلك، أي يعتقد ما كانا يريانه، ويقولان به، لا أنه يحكي لفظهما عينه، من غير تغيير لشيء من حروفه؛ ألا ترى أنك لو سألت رجلًا عن علة رفع زيد، من نحو قولنا: زيد قام أخوه فقال لك: ارتفع بالابتداء لقلت: هذا قول البصريين. ولو قال: ارتفع بما يعود عليه من ذكره١ لقلت: هذا قول الكوفيين، أي هذا رأي هؤلاء، وهذا اعتقاد هؤلاء. ولا تقول: كلام البصريين، ولا كلام الكوفيين، إلا أن تضع الكلام موضع القول، متجوزًا بذلك. وكذلك لو قلت: ارتفع لأن عليه عائدًا من بعده، أو ارتفع لأن عائدًا عاد عليه أو لعود ما عاد من ذكره، أو لأن ذكره أعيد عليه أو لأن ذكرًا له عاد من بعده، أو نحو ذلك، لقلت في جميعه: هذا قول الكوفيين، ولم تحفل باختلاف ألفاظه؛ لأنك إنما تريد اعتقادهم لا نفس حروفهم. وكذلك يقول القائل: لأبي الحسن في هذه المسئلة قول حسن، أو قول قبيح، وهو كذا، غير أني لا أضبط كلامه بعينه.
ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله؛ وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر، لا يمكن تحريفه، ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه. فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتًا تامة مفيدة، وعدل به عن القول الذي قد يكون أصواتًا غير مفيدة، وآراء معتقدة. قال سيبويه ٢: " واعلم أن "قلت " في كلام العرب إنما وقعت على أن
_________
١ يراد بالذكر الضمير العائد على المبتدأ، كأنه سبب في تذكره واستحضاره. وما ذكر من مذهب الكوفيين رأي لهم، ومنهم من يرى أن المبتدأ والخبر يترافعان في نحو: زيد منطلق. وانظرالإنصاف ٢١ وشرح الرضى على الكافية ٨٨/ ١.
٢ انظر الكتاب ص٦٢ ج١.
1 / 19