وإن أسعده الرضا نسي التحفظ، وإن غاله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له، الأمر استلبته الغرة، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته الفاقة شغله البلاء، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد (1).
وقال عليه السلام: نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي، وإليها يرجع الغالي (2).
ومن كلام له عليه السلام: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل، واقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد، فإن أمامكم عقبة كؤدا، ومنازل هائلة مخوفة، لا بد من الممر عليها، والوقوف عندها، فإما برحمة من الله نجوتم من فظاظتها (3) وشدة مختبرها، وكراهة منظرها، وإما بهلكة ليس بعدها نجاة، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة.
وكان عليه السلام يقول: الوفاء توأم الصدق، ولا نعلم نجاة ولا جنة أوقى منه، وما يغدر من يعلم كيف المرجع في الذهاب عنه، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الشر كيسا، ونسبهم أهل الجهل إلى حس الحيلة، ما لهم - قاتلهم الله - قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه، فيدعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة في الدين (4).
وقال عليه السلام: الناس في الدنيا عاملان، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلف الفقر، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره، وآخر عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه، الذي له من الدنيا بغير عمل، فأصبح ملكا عند الله لا يسأل شيئا يمنعه (5).
صفحه ۹۸