ونجم استسلامه المفاجئ عن الإعياء - لا الاقتناع - ولذلك ما كاد يقرر طبيب المصرف سبب مرضه الحقيقي ويمنحه أولى إجازاته المرضية حتى خارت قواه، ورقد على الفراش صريع الضعف والسعال، وأخفى أحمد الحقيقة عن والديه، ولكن الحالة اشتدت اشتدادا مخيفا، ورأت الأم البصاق الدامي وعلم به الوالد، ففزعا فزعا شديدا، وروع قلباهما الضعيفان، ودعت الحالة إلى استشارة الطبيب، فاقترح أحمد أن يدعوه إلى البيت ولكن رشدي اختار أن يذهبا إليه معا، فارتدى بذلته بمساعدة أمه، وقد اتسعت عليه أيما اتساع، واستقلا عربة إلى عيادة الطبيب، وصحبه أحمد إلى حجرة الكشف، ولما وقع عليه بصر الطبيب، ولم يكن رآه من أسبوعين، قال بصوته الرفيع وهو يتظاهر بالابتسام: ماذا فعلت بنفسك؟
فابتسم رشدي ابتسامة باهتة وتمتم قائلا: السعال وضعف شديد!
وأجرى الدكتور الفحص، فساد الصمت برهة غير قصيرة، ثم قال بعد الانتهاء: كلمة واحدة لا أزيد عليها: المصحة!
فتجهم الوجه المصفر، وتساءل صاحبه بصوت خافت: هل زادت الحالة سوءا!
فرفع الرجل حاجبيه وقال: هي الحقيقة، ولا شك أنك لم تتبع نصحي، ولكن لا داعي للخوف إذا بادرت بالذهاب إلى حلوان. سافر اليوم إن أمكن. وستجدني هناك إلى جانبك!
وسأله أحمد: هل تطول إقامته في حلوان؟
فقال الرجل: علم هذا عند الله، ولست متشائما، ولكن لا يجوز الإبطاء.
ورجعا إلى البيت فوجدا الوالدين ينتظران فارغي الصبر، وبادر الوالد أحمد قائلا: ماذا به؟
وعلم أحمد أن الكذب لن يجدي فقال واجما، وباقتضاب ذي مغزى: المصحة!
وساد الصمت، واحمرت عينا الست دولت منذرة بالبكاء. وتمتم الوالد: ربنا يلطف بنا.
صفحه نامشخص