وقد كان أهم شيء عند سهام أن يتزوج أسامة من عبير، ولا يهم من بعد أين يقيمان، ولعل إقامتهما عند دري كانت أنسب لها؛ فهي تستطيع أن تزور البيت بغير حرج بعد أن كان تجهم أختها لزيارتها عند بدء زواجها من دري يجعلها تكتفي برؤية دري في الشقة الخاصة.
أما فريدة فلم تكن تجد حرجا من زيارة خالتها كلما شاءت، ومن الطبيعي أيضا أن تكون صديقة لعبير؛ فالمظاهر إذن كانت طبيعية، وكانت تستطيع في يسر أن تخفي تلك العلاقة التي قامت بينها وبين الدكتور دري، وقد استطاع هو بطبه وبما يعطيه لها من دواء أن يمنع تلك العلاقة أن تثمر شيئا غير مرغوب فيه.
وكانت فريدة في غاية الذكاء حين تعامل خالتها فهي تقدس جمالها كأنها إلهة من آلهة الإغريق، وهي تمتدح ملابسها وزينتها مهما تكن هذه الزينة أو تلك الملابس.
وكانت فريدة ذكية في معاملتها لأمها؛ فهي تطيعها طاعة مطلقة، ولا ترتدي من الملابس إلا ما تختاره لها أمها، بل هي في خبث إذا أرادت شراء شيء أعجبها أخبرت أمها به أولا، فإن رضيت أمها اشترته، وإن رفضت تركته.
وكانت فريدة ذكية في صداقتها لعبير؛ فهي دائما تشعرها بأنها محل حب وحنان من خالتها، ومن أمها، وأنها القبلة التي يتجه إليها حب أبيها.
وكانت فريدة أختا مثالية؛ فهي دائما مهتمة بأسامة تشجعه أن يلقي إليها أسراره التي كانت هي على علم بها من النادي، ولكنها تبدو أمامه وكأنها تسمعها لأول مرة. وقد كان أخوها يحبها في إسراف حتى لقد أيدها في طلب سيارة لها يوم حصلت على الثانوية، أصر أن تنال سيارة مثله.
وحين تخرج أسامة في كلية التجارة قدم لأخته معطفا انتقته له ولها أمهما بالطبع.
وكان من الطبيعي إذن أن تكون فريدة متحمسة لرغبة أسامة في السفر إلى البلاد العربية ليكون نفسه بها.
وكان من الطبيعي أيضا أن تجن أمه جنونا لهذه الفكرة؛ فهي لا تتصور أن يبعد أسامة، ويكون في بلد آخر غير البلد الذي تعيش فيه، ولعلها عجبت لنفسها يوم قبلت أن يعيش مع دري في بيت واحد، ولعل ما تعلمه عن نفسها رغبة في زيارة دري في بيته في أي وقت لما سمحت لأسامة أن يقيم بعيدا عنها بأي صورة من الصور، كانت سهام تستطيع دائما أن تبدي غير ما تظهر، وكانت تستطيع أن تلف وتدور حول ما تشتهيه، حتى إذا أعياها اللف والدوران واجهت في عيون جريئة متحدية لا يعنيها أن يظهر من شعاعها ما كانت تخفيه.
كانت تريد أن تمنع أسامة عن السفر ، وكانت راغبة في ذلك رغبة عارمة عاتية لا يقف بها عقل أو منطق أو شيء من الروية، وكانت تخشى أن تطلب إليه ذلك في صراحة، فيزداد إصرارا، ولكنها كانت مطمئنة آخر الأمر إلى المال في يدها، وأنها تستطيع أن تمنعه عن السفر وقتما تشاء، ولكن شيئا في داخلها كان يجعلها ملهوفة خائفة أن يتمكن أسامة بوسيلة أو بأخرى أن يدبر أمرا ويسافر، فلم تملك أن تمنع نفسها. - إن كان من أجل المال؟ - وهل يمكن أن يكون إلا من أجل المال؟ - ألا يكفيك مالي؟ - أريد مالي أنا. - هل منعت عنك شيئا؟ - أنا عرفت قيمة المال حين تزوجت عبير. - ألا تحبها؟ - هذا موضوع آخر. - أتريد أن تنتقم مني. - أأنتقم منك إذا نجحت في حياتي؟ - تنتقم مني إذا استغنيت عني. - وهل أنت بالنسبة لي مال فقط. - أنت كل شيء بالنسبة لي! - لا تنسي فريدة. - طبعا أقصدك أنت وهي. - وأبي؟ - هل هي محاكمة؟ - أقصد أننا كثيرون حولك. - وهل يبرر هذا سفرك؟ - يجعله معقولا. - وإذا طلبت منك ألا تسافر؟ - أسأل عن الأسباب حتى أقتنع. - أنا أمك وأطلب إليك ألا تسافر. - لقد تمكنت من هذا طوال الفترة التي كنت فيها تلميذا أنا الآن متخرج. - هل معنى التخرج أن تستغني عني؟ - معنى التخرج أن أعتمد على نفسي. - أخصص لك مصدرا للمال. - إن أموالك هي الجامعة التي لا تتصورين أن أتخرج منها مطلقا، وإنما دائما تريدين أن أبقى طالبا بها. - لأني أحبك. - لأنك تحبين أن نظل محتاجين إليك. - أجننت؟ - آسف لم أقصد. - أنت حر. - أرجو أن أكون حرا.
صفحه نامشخص